العودة الى الصفحة السابقة
المسيح قام من الأموات هل هذا صحيح؟

المسيح قام من الأموات هل هذا صحيح؟

القس. جون نور


تبدو المسيحية فريدة بين ديانات العالم، من حيث كونها قائمة على الاقتناع بأن مؤسسها، يسوع المسيح، قد قام حياً من بين الأموات في فجر يوم الأحد، بعدما مات مصلوباً يوم الجمعة قبل عيد الفصح.

هذه الحقيقة يؤمن بها ملايين الناس من صميم القلب، وأنا واحد منهم. وملايين آخرون يعدونها قصة من قصص الخرافة تمازجها التقوى، هذا إذا فكروا فيها مرة! وربما وجدوا فيها ما يؤتيهم عزاءً يسيراً لدى وقوفهم عند باب قبر مفتوح، لكنهم يعتبرونها أمراً ضبابياً لا يعتد به جدياً بوصفه واقعاً حياً ملموساً. وملايين كثيرون بعد لم يفكروا قط في قيامة المسيح تفكيراً حقيقياً، ولم يخطر في بالهم أن يفعلوا ذلك.

تكمن في قضية قيامة المسيح دون سواها النقطة الأساسية في المسيحية، بغير لبس ولا غموض. فإن كان المسيح قد قام حقاً من بين الأموات فعندئذ تغدو مضامين قيامته هائلة؛ وإن كان لم يقم، فعندئذ يمكن إنزال المسيحية إلى مرتبة الديانات الغامضة الحافلة بالأسرار.

القيامة هي الركن الأساسي الذي تبنى عليه المسيحية بكاملها، سواء في مظهرها العام أو في وجهها الفردي. فإن كانت القيامة باطلة، ينهار البناء كله. وإن كانت صحيحة، تكون النتائج المترتبة عليها ضخمة بالنسبة إلى عالمنا وإلى حياتنا الفردية. ليست قيامة المسيح بأسطورة ولا خرافة، بل هي حدث فعلي وقع في التاريخ. وليست القيامة أملاً وهمياً ينشده الراغبون في السعادة الخيالية، بل إنها ما برحت حقيقة راهنة منذ قيامة المسيح التي تؤكدها البينات الدامغة؛ إذ إنه في ربيع العام 30 م نهض من ظلمة القبر الباردة إلى ضياء الحياة المجيدة!

إذاً هل من حياة وراء القبر؟

من منا لم يطرح أسئلة من هذا القبيل بين حين وآخر، وإن كنا نعود فنتناساها لأنها صعبة ومقلقة؟ غير أن تجاهل مثل هذه الأسئلة لا يجدي نفعاً؛ فهي تأبى أن تغادرنا.

إن ديانات العالم الكبرى تدلي بدلائها محاولة تقديم أجوبة لهذه المسائل، ولو كانت الأجوبة قليلة ومترددة أحياناً. ويقينا أن المسيحية تعرض جوابها أيضاً، ولا سيما لأنها ذلك الإيمان الذي أثر، أكثر من سواه، في حياة ملايين الناس من كل لون وجنس وطبقة، وذلك على مدى ألفي عام تقريباً. ولا تجافي المسيحية الحقيقة إذا صرحت بأنها وثيقة الصلة بالحياة وجذابة للكثيرين على نطاق العالم كله. ولكن، ماذا يكمن في صميم المسيحية؟

أتكون المسيحية في الأساس جملة من المعتقدات؟ أ هي تلك العادة النموذجية في الذهاب إلى الكنائس كل يوم أحد؟ أم هي مبادئ السلوك السامية الساعية إلى ترجمة المحبة عملياً؟ أم لعلها تلك الثقافة الواسعة الانتشار، المضافة إلى الحضارة الغربية؟

لا، ليست المسيحية شيئاً من هذا كله. طبعاً، يؤمن المسيحيون بمعتقدات محددة، وهم يعبدون الله مجتمعين معاً، ويتصرفون بطريقة مميزة، ويؤثرون في جو مجتمعهم بمقدار كبير أو قليل. غير أن هذه الأمور لا تأتي بنا إلى لب المسألة.

إن مفتاح المسيحية هو قيامة الرب يسوع المسيح حياً من القبر. هذا هو لب المسألة! فالمسيحية لا تزعم أن يسوع الناصري كان معلماً صالحاً فحسب، ولا إنساناً كاملاً فقط، بل تذهب إلى أن الله دخل عالمنا في شخص المسيح. وقد كانت حياة المسيح بجملتها إيضاحاً حياً لهوية الله وسجاياه. وبعد أن صلب الناس المسيح فمات في {يوم الجمعة العظيم} أقامه الله حياً من بين الأموات في {أحد القيامة}. وبذلك أثبت الله صحة أقوال المسيح وتعليمه، وفرادة سيرة حياته، وقيمة موته الكفاري.

إن البينات الدالة على حقيقة قيامة المسيح لقوية جداً ودامغة حقاً. وأنا أدعوك لترافقني إذ نفحص بعضاً منها. ذلك لأن قيامة المسيح تشكل حجر الزاوية في المسيحية. إنها أوضح دليل عندنا إلى غاية الحياة ومصيرها. ولذلك هي لب المسألة.

فلنتأمل القضايا التي تترتب على قيامة المسيح:إن كانت القيامة صحيحة، فعندئذ يمكننا أن نتيقن بأن الله موجود. ويظهر لنا في الحال أنه ذلك الإله الذي أعلنه الرب يسوع: إله ليس فقط صنعنا بل أيضاً أحبنا ويعنيه أمرنا جداً حتى إنه جاء إلينا وصار كواحد منا.

وإن كانت صحيحة، فعندئذ يكون يسوع المسيح بالحقيقة هو الطريق والحق والحياة. وما من دين آخر استطاع أن يصرح، ولا نقول أن يثبت، أن مؤسسه قد قام من بين الأموات وأنه حي الآن. فللرب يسوع الحق كله بأن يعتبر الجسر بين الله والإنسان – إن كان قد قام من بين الأموات.

وإن كانت القيامة صحيحة، فعندئذ يكون للبشر رجاء بالمستقبل. إذ إن قيامة المسيح هي أول قسط من العالم الأفضل الذي نتوق جميعاً إليه ولكن يبدو أننا عاجزون عن تحقيقه. وحقاً قال المستشار {أديناور} الزعيم الألماني الغربي: {لو كان يسوع المسيح ليس حياً، لما كنت أرى أي رجاء للجنس البشري!}

وإن كانت القيامة صحيحة، فإنها تضع الألم والموت تحت ضوء جديد. إذ تقول لنا إن الحياة الحاضرة، بكل ما فيها من آلام ومعاناة، ليست هي النهاية: بل على العكس، إنها بمثابة مدرسة تدريب للحياة الأبدية. فالذين يعرفون المسيح حقاً سوف يقضون الأبدية معه.

أجل، إن أموراً كثيرة وخطيرة تتوقف على كون يسوع المسيح قد قام أو لم يقم من بين الأموات. وهذا موضوع لا يمكن لأي امرئ أن يتجاهله، لأن المجازفة هنا تكلف غالياً.