العودة الى الصفحة السابقة
يسوع محاطاً بالأشواك

يسوع محاطاً بالأشواك

القس. جون نور


كان يسوع في المذود الحقير تحيط به محبة أمه، وترانيم الرعاة، وتعبد المجوس. ومن فوقه كانت الملائكة ترنم، فملأت السماء والأرض بالبهجة والحبور.

ما أبعد الصليب عن ذلك المشهد البهيج لكنه كان هناك محلقاً فوق رأس الوليد. رآه المجوس عن بعد في شكل نجم عجيب «تقدمهم حتى جاء ووقف حيث كان الصبي»(متّى 9:2). «رأينا نجمه» (متّى 2:2) هكذا قال المجوس في بهجة، فلم يروا في ذلك النجم إلا الرفعة والعظمة. أما يسوع فكان ينظر إلى نجمه فيرى فيه صلباناً كثيرة بلا عدد.

كانت أشعة النجم المتقاطعة ترسم في القبة الزرقاء صُلباناً عديدة لا حصر لها.

أليست هذه هي حقيقة حياة يسوع المليئة بالصلبان حتى رفع فوق الصليب؟ فصلبانه كلها كانت لامعة، تشع بالحب والدفء، لها بريق الصفح والسلام. لكن ما كان أحد ليعرف مقدار الآلام التي أوجدت ذلك الضياء، ولا شدة النيران التي ولدت ذلك الدفء.

إن يسوع هو حقاً نور العالم. لكنه جاز في النيران كي يضيء لنا الحياة.

كان النجم في حقيقته يرمز للصليب، لكن الأمر العجيب أن الهدايا التي قُدمت عند قدمي الوليد كانت تشير أيضاً إليه. فعندما رأى المجوس الطفل، خرّوا وسجدوا وقدموا له هدايا، ذهباً ولباناً ومراً. وكما رأى يسوع الصليب في النجم، رآه أيضاً في الهدايا. لقد كان يدرك حقيقة النيران التي يحتاجها الذهب ليتوهج، والتي بها يتحول اللبان إلى بخور والمر إلى عطر...

كان لا بد أن يكمّل رئيس خلاصنا بالألم، وجاءت آلام الصليب الرهيبة لتجعل من يسوع ملكاً وكاهناً ونبياً إلى الأبد!غير أن الصليب كان أكثر وضوحاً في الأقماط التي لفوه بها. لقد قال الملاك للرعاة: «وهذه لكم العلامة تجدون طفلاً مقمطاً مضطجعاً في مذود» (لوقا 12:2). لم يكن هناك أية غرابة في أن يكون الطفل مقمطاً، لكن أقماط يسوع كانت تعبر عن قيوده التي لا بداية لها ولا نهاية.

فالحبال التي قيد بها في البستان كانت بدايتها منذ الأزل عندما أحب الله الإنسان. فهو الذي قال «كنت أجذبهم بحبال البشر بربط المحبة» (هوشع 4:11). لكن ثقل خطايا الإنسان كانت كالجبال، فأنزلت يسوع إلى الأرض قبل أن يرفع هو الإنسان إلى السماء. إنها حبال قوية من المحبة تلك التي ربطت يسوع بالإنسان الساقط، هي التي جذبته وجعلته يأتي في الهيئة كإنسان، وهي أيضاً التي رفعته فوق الصليب.

لكن الأقماط كانت في حقيقتها تشير إلى قيود التجسد. لقد حلّ في ذلك الطفل كل ملء اللاهوت جسدياً (كولوسي 9:2). وهكذا أصبح غير المحدود محدوداً، والقدير ضعيفاً، وكان الهدف الحقيقي من التجسد هو الصلب.

فلقد جاء ذلك الجسد الغض ليمزق... جاءت تلك اليدان الصغيرتان لتصنعا خيراً ثم تدق فيهما المسامير... جاء ذلك الوجه الملائكي ليبعث فينا البهجة والسرور ثم يكلل بالشوك...

إنها أقماط الجسد الذي عاش فيه يسوع محدوداً مُجرباً متعباً، وهي التي احتمل فيها قيود البستان ومسامير الصليب...

عندما قال الملاك للرعاة: «وهذه لكم العلامة تجدون طفلاً مُقمطاً» كان يعني بها حقاً «أقماط»الصليب!

لكن علامة الصليب بدت أكثر وضوحاً في الشوك. كان الطفل يسوع يرقد فوق التبن الناعم الذي لم يخلَ من الأشواك.

كان يسوع في مهده وطول حياته تحيط به الأشواك من كل جانب. فهو الذي قال: «للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار أما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه».

إن الشوك الذي أفلح في غرسه الإنسان، كان من نصيب يسوع في مهده وكل حياته، وحتى في مماته كللوه بإكليل اللعنة والعار.

كانت الأشواك التي وخزت الطفل في المهد عربون لما سوف يلاقيه في الصلب.

في ذلك المذود الفريد كانت الأغنام الوديعة تحيط بيسوع، وكانت الذئاب المفترسة تجول أيضاً من حوله. كان لا بد ليسوع أن يواجه الشيطان في المهد.

لقد أهاج ذلك الطفل غضب الشيطان الذي أراد أن يفتك به فسخر كل أعوانه ليقتلوه.

«حينئذ لما رأى هيرودس أن المجوس سخروا به غضب جداً. فأرسل وقتل جميع الصبيان الذين في بيت لحم وفي كل تخومها من ابن سنتين فما دون، حينئذ تم ما قيل بإرميا النبي القائل: صوت سمع في الرامة نوح وبكاء عويل كثير. راحيل تبكي على أولادها ولا تريد أن تتعزى لأنهم ليسوا بموجودين»(متّى 16:2 – 18).

منذ الوهلة الأولى كانت هناك مطاردة عنيفة، فلقد أراد الشيطان أن يمزق ذلك الطفل ويهلكه. لكن يسوع هرب من الموت، وكان طيلة حياته يهرب من الجماهير التي أرادت أن تفتك به، ذلك لأنه جاء ليموت ميتة معينة فوق الجلجثة.