العودة الى الصفحة السابقة
من هو يسوع (2)

من هو يسوع (2)

القس. جون نور


من غايات مجيء المسيح، ومن دلائل حضوره كما تنّبأ الأنبياء عنه من قبل مئات السنين، أنه يملأ البائسين سروراً والمساكين ابتهاجاً، محققاً النبوة القديمة في سفر أشعياء{روح السيد الرب عليّ، لأن الرب مسحني لأُبشر المساكين، أرسلني لأعصب منكسري القلب، لأُنادي للمسبيين بالعتق، وللمأسورين بالإطلاق، لأُنادي بسنة مقبولة للرب، وبيوم انتقام لإلهنا. لأُعزّي كل النائحين}(أشعياء 1:61 – 2). فيحرّر الإنسان من الشر والخطيئة وما يتبعهما من شقاء، ويعيد إلى الإنسان كرامته وسعادته.

وعليه، فحين أرسل يوحنا المعمدان من سجنه اثنين من تلاميذه إلى يسوع يسألانه، أأنت الآتي أم ننتظر آخر؟ أجابهما يسوع: {اذهبا وأخبرا يوحنا بما تسمعان وتنظران. العُمي يبصرون، والعُرج يمشون، والبُرص يطهرون، والصمّ يسمعون، والموتى يقومون، والمساكين يبشّرون، وطوبى لمن لا يعثر فيّ} (متى 2:11 – 6). أي أنه هو تحقيق الرجاء الذي طالما تاقت إليه نفوس البشر.لقد كانت المعجزات علامة من علامات الأزمنة لمجيء المسيح وابتداء ملكوته الروحي في النفوس. ويذكر لنا الإنجيل ما يربو على أربعين معجزة أجراها يسوع، بالإضافة إلى كثير غيرها فمنها ما يتناول العناصر الجامدة وقوى الطبيعة، ومنها ما يتعلق بطرد الأرواح الشريرة والشياطين،

لقد كانت المعجزات علامة من علامات الأزمنة لمجيء المسيح وابتداء ملكوته الروحي في النفوس. ويذكر لنا الإنجيل ما يربو على أربعين معجزة أجراها يسوع، بالإضافة إلى كثير غيرها فمنها ما يتناول العناصر الجامدة وقوى الطبيعة، ومنها ما يتعلق بطرد الأرواح الشريرة والشياطين،

ليست المعجزة كما يتوهّم البعض تحدّياً اعتباطياً لنواميس الطبيعة التي رسمها الله في حكمته السامية، بل هي على العكس من ذلك تماماً، تجلّ صريح لتلك الحكمة. فالله في علاقته بالإنسان، جود وعطاء، يظهر له بكلمته هي وبفعله. وكلمته وفعله إنما يهدفان إلى هداية الإنسان وتخليصه. وفي مساق هذا التاريخ الخلاصي بالذات، يتجلى الله أحياناً تجليات أكثر وضوحاً في ظروف معينة بواسطة أنبيائه ورسله، حملة الوحي والرسالة، فتأتي المعجزة شهادة على حضور الله في عملهم، وعلى انسياقهم في إرادته التي تسيّر كل شيء نحو الخلاص. فالمعجزة للنبي والرسول أشبه بأوراق الاعتماد التي يقدّمها سفير دولة. إنها تؤيد صدق مصدر البعثة، وتثبت ما يدّعي من صفة وصلاحيات. وعليه فالمعجزة قبل كل شيء (آية)، أي دلالة حسية (بيّنة)، تشير إلى أن ما يقول ويفعل هذا الرسول أو النبي أي أن ما يقوله ويفعله بإذن الله نفسه وإرادته، يؤيده بها شهادة له.

في معجزة الصيد العجيب (لوقا 4:5 – 7، يوحنا 1:21 – 8)، كان الرسل قد تعبوا الليل كله عبثاً في محاولة الصيد ولم يستطيعوا أن يمسكوا شيئاً من السمك، فلمّا ألقوا الشبكة بأمر يسوع حصلوا على سمك كثير جداً. المقصود لم يكن فقط الحصول على السمك، بل إشعار الرسل أنهم مازالوا مدعوين أن يصيروا صيادي الناس، أي الكارزين بكلمة الله، يصطادونهم لذاك الذي وجدوه أكثر من إنسان عادي، ليكونوا تلاميذ للمسيح. وفي حادثة تهدئة العاصفة (مرقس 35:4 – 41)، كان تلاميذ يسوع بالسفينة، والسفينة والرسل على وشك غرق محتوم، وإذا بيسوع ينتهر البحر فتنقلب العاصفة هدوءاً. وما تسكين العاصفة سوى آية (عجيبة) المقصود من ورائها استشفاف قدرة يسوع الخارقة، وإثارة السؤال في النفوس: مَن ترى هذا؟ فحتى الريح والبحر يطيعانه، وكذلك القول في المشي على البحر عندما خاف التلاميذ في السفينة، فجاءهم يسوع ماشياً على البحر (متى 22:14 – 32)، وفي لعن التينة وتيبيسها، عندما أمر يسوع شجرة التين غير المثمرة أن تيبس (مرقس 12:11 – 14، 19 – 23). أما تكثير الخبز (متى 13:14 – 21، 32:15 – 38، يوحنا 1:6 – 15) حيث أشبع يسوع من بضعة أرغفة وقليل من السمك آلافاً كثيرة، فالمقصود من وراء هذا، إيصال الجماهير إلى التفكير والمجاهرة بإيمانهم بالمسيح "هل هو في الحقيقة النبي الآتي إلى العالم"، وتهيئتهم للتعرّف على يسوع، خبز الحياة (يوحنا 22:6 – 69).

لقد كان في ذلك كله آية لهم لو كانوا يؤمنون، أما الذين كفروا قالوا عن يسوع إنه هو بعلزبول رئيس الشياطين، ولهذا اتهموه بالسحر والشعوذة، ونعتوه بالتعامل مع الشياطين وأردفوا قائلين: "ما هذا إلا سحر مبين".

تلك صورة مصغّرة عن ذلك المستشفى الدائم المتجوّل من حول يسوع، والذي يعيد فيه يسوع العافية والرجاء معاً إلى القلوب الكسيرة. ألم يتنبأ عنه أشعياء من قبل بقوله "لكن أحزاننا حملها، وأوجاعنا تحملها..." (أشعياء 4:53)؟ يسوع لم يكن يهدف إلى شفاء الأمراض فحسب، بل إنما هو يجري آية أي يعمل عجيبة، وبذلك يوجّه إشارة، وطوبى لمن وعى القصد وتجاوب معه. فمعجزة الكسيح تأييد لسلطان يسوع على مغفرة الخطايا (مرقس 5:2 – 12).

كانت مهمة المسيح الأساسية هي محبة وإنقاذ الشعب الضائع والعودة به إلى شاطئ الأمان. لذلك نجده يتكلم عن أمور كثيرة مقدّماً النصيحة تلو الأخرى، ضارباً عرض الحائط بالتعاليم البالية والتقاليد الموروثة التي كانت سائدة آنذاك لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأُكمّل. فإني الحق أقول لكم، إلى أن تزول السماء والأرض، لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل.

لم ينقض يسوع الوصايا بل كمّلها، وكذلك لم ينقض عبادات قائمة، بل حاول أن يخرج بها من مظاهر الرياء إلى صفاء الصدق، ومن عبودية الحرف إلى حرية الروح.