العودة الى الصفحة السابقة
قاعدتان للسلوك

قاعدتان للسلوك

القس. جون نور


«لأننا بالإيمان نسلك لا بالعيان» (2 كورنثوس 7:5)

لقد خلق الله الإنسان، ودبر له كل ما يحتاجه، وقد استمد الإنسان وجوده من الله، وكان قصد الله أن يبقى الإنسان معتمداً عليه في كل أطوار حياته. وهذه الحياة التي أعطاها الله للإنسان كان لابد لها أن تتغذى على الطعام المناسب الذي وفره الله له.

دعوني أسألكم هذا السؤال: ما هي المسيحية؟ المسيحية تقوم على الحياة، فإن كنت مسيحياً حقيقياً فأنت تمتلك حياة جديدة. وعندما تواجه مسألة لنتخذ فيها قراراً فلا يجب أن تتساءل هل من الصواب أن أفعل ذلك؟ لكن سؤالك يجب أن يكون على هذه النحو: لو فعلت هذا الأمر فكيف يكون تأثيره على حياتي الداخلية؟ وهل هو يتفق مع الحياة الجديدة التي فيّ؟ فإن كنت قد آمنت بالمسيح فكمسيحي صارت لك الآن حياة المسيح، وهذه الحياة هي التي يجب أن تتحكم فيك هناك أشياء كثيرة لا يمكن الحكم عليها بأنها خاطئة طبقاً للمقاييس البشرية، لكن المقياس الإلهي يصدر حكمه عليها أنها خاطئة لأنها تنقصها الحياة الإلهية.

على جبل التجلي كان يقف موسى ممثلاً للناموس، وكان هناك إيليا ممثلاً للأنبياء. كان الناموس والأنبياء ممثلين هناك، لكن هذين اللذين كانا لهما السلطان للتحدث في كل أزمنة العهد القديم قد صمتا أمام الأمر الإلهي الذي نطق به الآب عن يسوع: «هذا هو أبني الحبيب، له أسمعوا» . واليوم لم يعد المقياس الموضوع للمؤمن هو الناموس ولا الأنبياء، لكنه المسيح، المسيح الذي يقيم في داخلنا، ومن ثم لم يعد هناك مجال للسؤال: هل أنا على صواب أو على خطأ؟ بل ليكن السؤال: هل الحياة الإلهية فيّ تتفق مع هذا؟ فإذا اقتنعنا بشيء لا توافق عليه الحياة الداخلية فينا فلا يجب أن نفعله.

أتذكر قصة أخوين كانا يشتغلان بزراعة الأرز، وكانت حقولهما تقع في منتصف الطريق الصاعدة إلى تل مرتفع، وكانت هناك حقول أخرى أسفل التل يمتلكها فلاحون آخرون، وكان الأخوان يقومان بالنهار وتحت حرارة الشمس الشديدة بتشغيل المضخات لرفع المياه ثم ينامان بالليل. وفي إحدى الليالي، وبينما هما نائمان، قام الفلاحون في الحقول المنخفضة بشق حفرة في قناة الري التي تحيط بحقول الأخوين لتتسرب المياه منها إلى حقولهم، وفي صباح اليوم التالي أبصر الأخوان ما حدث لكنهما لم ينطقا بكلمة، فعادا لملء الأحواض بالمياه وعاد الماء يتسرب كله في الليلة التالية، هذا دون أن ينطقا بكلمة احتجاج واحدة عندما اكتشفا في صباح اليوم التالي الخدعة الوضيعة التي لجأ إليها الفلاحون. لقد كانا هذين الأخوين مسيحيين. أولاً يجب على المؤمنين أن يكونوا صابرين. وتكررت نفس اللعبة سبع ليال متعاقبة، ولمدة أسبوع كامل كان الأخوان يتحملان المعاناة بصبر. ولابد للمرء منا أن يعتقد أن المؤمن الذي يتحمل مثل هذه المعاملة يوماً بعد يوم دون أن ينطق بكلمة لوم واحدة فلابد أن يكون قلبه فائضاً بالفرح.

لكن الشيء الغريب أن هذين الأخوين لم يكونا أبداً سعيدين، وقد اضطرا بسبب ما اعتراهما من حزن وألم أن يطلبا مشورة أحد الأخوة العاملين في كرم الرب، وبعد أن قصا عليه قصتيهما سألاه: «كيف بعد أن ظللنا نعاني كل هذه المتاعب لمدة أسبوع كامل بصبر لازلنا نشعر بالتعاسة؟» ، فقال لهما الأخ الناضج في الإيمان: «إنكما غير سعيدين لأنكما لم تصلا إلى نهاية الطريق، فيجب عليكما أن تقوما بري حقول أولئك الفلاحون ثم ترويان حقولكما أخيراً، وعليكما الآن أن ترجعا وتنفذا هذه الفكرة ثم تحكمان إن كنتما قد نلتما السعادة أم لا» . فاتفقا على القيام بالتجربة، وهكذا مضيا.

وفي اليوم التالي باكراً جداً خرجا إلى الحقول، وكان عملهما الأول أنهما قاما بري حقول أولئك الفلاحين الذين كانوا قد جردوا حقولهما من المياه، وحدث هذا الشيء المدهش أنهما كلما كانا يشتغلان لأجل مضطهديهما كانا يشعران بالسعادة، ولما اقتربا من إكمال العمل كان قلباهما في راحة كاملة. وبعد أن كرر الأخوان هذا العمل ليومين أو ثلاثة إذا بالفلاحين أصحاب الأرض يأتون إليهما ويقدمون أسفهم واعتذارهم، ثم استطردوا يقولون لهما: «ما دامت هذه هي المسيحية وهذا ما يعمله مسيحكم فإننا نريد أن نسمع عن مسيحيتكم المزيد».

وهنا نرى الفرق بين مبدأ الصواب والخطأ ومبدأ الحياة، فقد أظهر الأخوان الصبر إلى أبعد الحدود، أفلم يكن ذلك صواباً؟ لقد كان يشتغلان تحت وطأة حرارة الجو الشديد لكي يرويا حقولهما، ثم تركا الآخرين يسلباهما المياه بدون كلمة شكوى، ألم يكن ذلك عملاً جميلاً جداً؟ فماذا كان ينقصهما لكي يتوفر لهما سلام القلب؟ لقد فعلا ما هو صواب، وفعلا ما هو حسن، وفعلا أقسى ما يمكن أن يطلب منهما، لكن الله لم يرض بذلك. إنهما لم يجدا سلاماً لأنهما لم يتمما مطاليب الحياة التي أعطاهما، لكنهما بعد أن سلكا حسب المقياس المرسوم فاض الفرح والسلام في قلبيهما. إننا يجب أن نفي بمطاليب الحياة الإلهية حلى لا نخفق في نوال رضى الله.

ماذا تقول العظة على الجبل؟ وماذا نجد في طوبى للرحماء لأنهم يرحمون (متّى 7:5)؟ فلا يجب أن نقف ساكتين أو نكون قانعين بما هو أقل من المقياس الذي يفي بمطاليب حياة الله فينا. الإنسان البشري يقول لك: من ضربك على خدك الأيمن فلا تحول له الآخر، لقد بلغت أقصى درجات التحمل بعد أن تحملت التعدي دون أن تقابله بالمثل.

لكن الله يقول شيئاً آخر، فإذا ضُربت على خدك وتقبلت ذلك برضى ومضيت فأنت لم تف بمطاليب الحياة التي فيك حتى تفعل ما طلبه منك الرب، هو أن تعطي لضاربك الخد الآخر ليلقي نفس المعاملة، فهذا هو طريق الحياة.

كثيرون يدّعون أن (متّى 5 – 7) صعب التنفيذ جداً أنه ليس في متناول البشر، وأنني أوافق على ذلك، بل هو مستحيل، لكن هذا هو الحل: هناك حياة في داخلك، وهذه الحياة تخبرك أنك إن لم تفعل ما تطالب به العظة على الجبل فلن تجد راحة. والسؤال كله يوجد هنا: هل أنت تسير في طريق الحياة أو في طريق الخير أو الشر؟