العودة الى الصفحة السابقة
هل الصليب رمز للفخر أم العار؟

هل الصليب رمز للفخر أم العار؟

القس. جون نور


«وأما من جهتي، فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح»(غلاطية 14:6).

من الأشياء المألوفة التي اعتدنا رؤيتها يومياً، منظر الصليب. فكلما مررنا أمام كنيسة نلاحظ الصليب يزين قبتها أو برجها. وإذا دخلنا بيتاً للعبادة نرى الصليب مرفوعاً في المقدمة، وأحياناً على النوافذ والجدران. وكثيراً ما تمر أمامنا في الشارع سيارة إسعاف عليها رسم الصليب «الصليب الأحمر». ولو تأملنا زينة الناس، لوجدنا الكثيرين من النساء والرجال يعلقون الصليب في أعناقهم كأداة للزينة. وعندما نطالع الكتب، فكثيراً ما تقع أعيننا على بعض روائع الأدب العربي والغربي من شعر ونثر كلها تتغنى بالصليب والمصلوب، ولهذا نتساءل: لماذا الاهتمام بالصليب إلى هذه الدرجة؟ فهل الصليب رمز للفخر أو للعار؟

عندما نطالع كتب التاريخ، نلاحظ أن الصليب كان يستعمل كأداة للتعذيب والموت وقد استعمله الرومان كأداة للقصاص، ولإعدام كل من يرتكب أفظع الجرائم التي تستوجب الموت. ولهذا فإن مجرد كلمة صليب بحد ذاتها كانت كافية لتلقي الهلع والرعب في قلوب الناس عند سماعها وقد قيل قديماً «ملعون كل من علق على خشبة» أي على الصليب.

وهنا لا بد لنا أن نتساءل، طالما أن الصليب كان يستعمل كأداة للعذاب والموت، فلماذا إذاً يزين بعض الناس صدورهم به في هذه الأيام؟ ولماذا نرى الصليب اليوم يرتفع فوق قباب الكنائس، وتزين به دور العبادة والمستشفيات ودور العجزة والمياتم وسيارات الإسعاف والمؤسسات الكنسية أو المسيحية على اختلاف أنواعها؟. لماذا نرى رمز القسوة والعذاب والألم يستعمل كرمز للمحبة والرحمة والعطف؟

إن السيد المسيح المصلوب، هو الذي حول تلك الأداة من رمز للذل والعار، إلى رمز للفخر والانتصار. فبعدما كان الصليب يشير قديماً إلى الموت، حوله المسيح إلى رمز للحياة، وبعدما كان يستعمل كرمز للانتقام حوله المسيح إلى رمز للطمأنينة والراحة والسلام، كان الصليب يستعمل كأداة للإهانة، فحوله المسيح إلى رمز للمحبة والتضحية والفداء، حتى صار الصليب مدعاة للفخر فقال عنه بولس الرسول:«وأما من جهتي، فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح»(غلاطية 14:6). وهكذا تحول الصليب بواسطة المسيح من أداة للذل والعار، إلى رمز للفخر والغلبة والإنتصار.

وهكذا نستطيع أن نفهم أهمية الصليب الكبرى في الحياة المسيحية، ولماذا ترتكز حوله دعائم الديانة المسيحية. فبواسطة صليب المسيح، نرى محبة الله للإنسان تتجسد «لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا» (رومية 8:5). نعم، مات المسيح على الصليب لأجلنا نحن البشر الذين تعدينا وصايا الله وابتعدنا عن طرقه. والمعروف أن الإنسان الخاطئ يجب أن ينال العقاب من الله والعقاب هو الموت كما تقول الآية: «لأن أجرة الخطية هي موت» (رومية 23:6). ولكن الله أظهر محبته اللامتناهية للإنسان فأرسل المسيح المخلص، كلمته المتجسد، ليخلص الناس من خطاياهم. فكان على المسيح أن يعاقب ويهان ويصلب نيابة عن الإنسان الخاطئ. كان لا بد ليسوع من أن يصلب الخطية معه. كان لا بد له أن يموت فداء عنا ليمنحنا الحياة.

لقد مات المسيح عن الخطاة، وقام في اليوم الثالث ليمنحهم الحياة، وصعد إلى السماء، وجلس عن يمين الله الآب يشفع فينا. ولهذا فإن الصليب أعطى معنى جديداً لحياتنا. لأن موت المسيح على الصليب كان ضرورياً لخلاص البشر من الخطية. فالمسيح مات عن الخطاة لأنه يحبهم. فهل نحن نحب الخطاة ونغفر لهم ونحاول إصلاحهم، أم أننا ننبذهم ونبتعد عنهم؟ وهل نحن نحب بعضنا بعضاً، أم أننا نترفع على بعضنا البعض ظانين أننا أحسن من غيرنا. وهل فكرنا مرة بأننا كلنا خطاة، أم أننا ننظر إلى أنفسنا بأننا كاملون لا نخطئ؟ هل نحن نحب الله ونؤمن بمن فدانا بدمه المسفوك على الصليب، أم أننا نبتعد عنه ظانين أننا لسنا بحاجة إليه؟ يقول بولس الرسول: «وأما من جهتي، فحاشا لي أن افتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح»(غلاطية 14:6)، فهل نحن نفتخر حقيقة بصليب المسيح؟ وهل نؤمن حقيقة بصليب المسيح؟ أم أننا نستعمله فقط لمجرد الزينة الخارجية؟

لو حاولنا أن نجيب على هذه الأسئلة، لوجدنا أننا في كثير من الأحيان نتجاهل كلياً معنى الصليب في حياتنا. فلا يعني هذا الرمز لنا أكثر من مجرد إشارة لا معنى لها. فكم من شخص منا يعلق الصليب حول عنقه، ولكنه ينكر المسيح ولا يؤمن به؟ وكم من شخص يرسم إشارة الصليب، ولكن هذه الإشارة بالنسبة له ليست أكثر من مجرد عادة يمارسها دون أن يدقق في مغزاها أو يفهم معناها، ثم نسمعه بعد قليل يشتم ويلعن ويجدف على الله؟! هل يذكرنا الصليب الذي نحمله بأن المسيح مات لكي يحيينا ويخلصنا من الخطية؟ هل يوحي لنا الصليب أنه رمز لمحبة الله لنا وأنه رمز فداء المسيح لنا؟ هل يوحي لنا الصليب بأنه علينا أن نكرس حياتنا في سبيل من فدانا وخلصنا، وأنه علينا أن نحب الله ونحب إخواننا بني الإنسان كما أحبنا يسوع؟ هل يوحي لنا الصليب بأنه علينا أن نحيا حياة الإيمان والقداسة والبر، وبأنه علينا أن نكون أمناء في حياتنا محبين مخلصين أوفياء وصادقين؟

ليتنا ندرك أن الصليب هو فخر حياتنا ورمز خلاصنا من الخطية لأنه يشير إلى صليب الجلجثة الذي تألم المسيح عليه ومات لكي يحيينا. فإذا كنا نفتخر بالصليب فعلاً، علينا أولاً أن نؤمن بالمصلوب الذي علق عليه وبتعاليمه وأن نسير في خطواته. لأنه ليس الصليب بحد ذاته فخرنا، بل المصلوب الذي مات عنا الرب يسوع المسيح. ذلك المخلص الذي يستطيع أن يغفر خطايانا ويطهر نفوسنا، ويسيرنا في طريق القداسة، ويمنحنا نعمته المجانية للحصول على الحياة الأبدية.