العودة الى الصفحة السابقة
حاملة الجرَّة

حاملة الجرَّة

القس. جون نور


{فتركت المرأة جرتها ومضت إلى المدينة وقالت للناس. هلموا انظروا إنساناً قال لي كل ما فعلت، ألعل هذا هو المسيح}(يوحنا 4: 38 و 39)

كان اليوم صاحياً، وكانت الشمس ترسل على ارض فلسطين كأنها لهيبا من نيران وقد خلت الطرقات من الناس وآوى كل الناس إلى بيوتهم !

في ذلك اليوم وقرب منتصف النهار كان يسير في الطريق الصاعد إلى مدينة سوخار جماعة من عامة اليهود يسير في وسطهم زعيمهم وقائدهم. كانوا يسيرون صامتين. وكان قائدهم يسير مطرقاً برأسه وقد ظهرت عليه كل علامات التعب والإرهاق. ووصل الركب، إلى بئر يعقوب القائم على مسافة أقل من ميل من المدينة!

جلس يسوع على البئر واتكأ بمرفقه على الحافة المرتفعة واستغرق في تأمل عميق. وفيما هو مستغرق في تأملاته لمح طيفاً يقترب من المكان وعجب في نفسه أن كائناً حياً يخرج من مكانه في ذلك الوقت. وزاد اندهاشه أن القادم كان امرأة تحمل جرّتها على رأسها تبغي أن تستقي ماء!

لم يسبق أن رأى امرأة تستقي في الظهيرة. إن النساء يقبلن إلى البئر في العادة في الصباح الباكر وفي العصارى. وهن يأتين جماعات جماعات. أما هذه فإنها تأتي وحدها وتأتي في الظهيرة. وألقى نظرة على المرأة ألمَّ فيها بكل ما يلزم أن يعرفه عنها. يغلب أنه لاحظ في ثيابها وفي حركاتها، فوق مجيئها بمفردها وحدها في الظهر – أنها ليست بلا لوم من جهة حياتها. وهكذا تقابل الإنسان الكلي القداسة، بالإنسان الكلي النجاسة. فماذا فعل؟

هل استعاذ بالله من الشيطان الرجيم ورفع إلى السماء صلوات علها تقتل جراثيم الإثم التي حملتها تلك المرأة الخاطئة!

هل ازدراها واحتقر شأنها وبصق على الأرض وهي تقترب من المكان علامة على احتقاره الكامل لها؟؟ هل انتهرها بصوته القوي وأمرها أن تعود إلى حال سبيلها فلا تدنس خلوته المقدسة؟ كلا. إنه لم يفعل شيئاً من ذلك.

ألم يأتِ إلى العالم لمثل هذه المرأة؟ ألم يأتِ لكي يطلب ويخلص ما قد هلك!؟

أليست هذه المرأة هي الخروف الضال والدرهم المفقود والابن الضال

يا امرأة أعطيني لأشرب ولكن المرأة تنظر إلى محدثها بغضب ممتزج بعجب: كيف تطلب مني وأنت يهودي. وأنا امرأة سامرية!؟ لقد كانت هناك خصومة أبدية بين اليهود والسامرين. وبلغت كراهية اليهود للسامريين حداً لا يكاد يصدق.ولا شك أن الله في السماء كان يحزن وهو يرى ذلك التعصب الذميم لأنه آب وكل البشر أولاده!!

لم يؤثر في السيد اعتراض المرأة، ولم يكلف نفسه مئونة الرد على اعتراضها بل اتجه معها اتجاهاً آخر.قال لها الماء الذي تعطيه أنت ماء كل من يشرب منه يعطش أما الماء الذي أنا أعطيه فمن يشرب منه فلن يعطش إلى الأبد

ونظرت المرأة إلى المعلم اليهودي نظرة امتزج فيها القلق بالشك والاستفهام وقالت: يا سيد لا دلو لك والبئر عميقة!!!

وأجاب يسوع ما هي هذه البئر وما هو ماؤها؟ إنه ماء لا يشبع. كل من يشرب منه يعطش أيضاً. وأما الماء الذي أعطيه أنا فإنه ماء آخر. كل من يشرب منه لا يعطش إلى الأبد. بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية.

لنقترب بخشوع لنراقب ذلك الجزء الدقيق من العميلة، الجزء الذي كشف السيد فيه المرأة لنفسها!

قال لها إنه مستعد أن يعطيها الماء الحي ولكنه يشترط أن تمضي إلى بيتها وتدعو زوجها. وتململت المرأة قليلاً. لقد لمس الغريب جانباً دقيقاً في حياتها، جانباً كان ولا يزال موضوعاً مؤلماً لها. لم يكن لها زوج أما الرجل الذي يعيش معها فلم يكن زوجها. على أنها حاولت أن تهرب من النور فقالت ليس لي زوج!

قال حسناً قلت ليس لي زوج. لأنه كان لك خمسة أزواج والذي لك الآن ليس هو زوجك. هذا قلت بالصدق.

وانحنت المرأة أمام الغريب وقالت: يا سيد أرى أنك نبي

وهل تضيع منها فرصة جلوسها إلى نبي. لماذا لا تتعلم منه ما يلزم أن تعمل بعد أن غفرت خطيتها. لماذا لا تسأله أين تسجد السجود المقبول لله.يا سيد أخبرني أين أسجد آباؤنا السامريون سجدوا في هذا الجبل. اخبّرني أيها المعلم أين أسجد

ونظر السيد إلى المرأة الراغبة في السجود لله نظرة تشجيع وقال لها ليس المكان بذي شأن في موضوع العبادة أيتها المرأة. قال لها أنها إذا ما سجدت لله فسيّان عند الله أن تسجد في هذا الجبل أو في أورشليم. "الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا".

كان المسيح يتكلم مع المرأة عندما دخل التلاميذ يحملون الطعام. وقد اندهشوا أن يتكلم مع امرأة. ولكن لم يقل أحد ماذا تطلب أو لماذا تتكلم معها!

وفرغ السيد من كلامه مع المرأة بإعلانه أنه هو المسيا. وكان الإعلان مثيراً للمرأة. فتركت المرأة جرتها عند البئر وخرجت لتذيع ذلك الإعلان العظيم. وقد أثبتت أنها مبشرة حكيمة إلى أقصى حدود الحكمة.أيها الناس هلموا انظروا... انظروا لأنفسكم، إنساناً قال لي كل ما فعلت ألعلّ هذا هو المسيح؟!!وخرجت المدينة كلها لتنظر ذلك الرجل الذي كشف أسرار تلك المرأة الغامضة وأحاطوا به فجلس يعلمهم.

كان كثيرون قد آمنوا أنه مسيا بسبب كلام السامرية. فلما سمعوه آمن عدد أكبر به والتفت الجميع إلى المرأة وقالوا لها أننا لسنا بعد بسبب كلامك نؤمن. لأننا نحن قد سمعنا ونعلم أن هذا هو بالحقيقة "المسيح مخلص العالم".