العودة الى الصفحة السابقة
هل أصبحنا ثقيلي السمع؟

هل أصبحنا ثقيلي السمع؟

القس. جون نور


إن ميّل الناس الذين يستريحون على نمط منظم من السلوك راسخ الجذور الذي يُسمى عادة بالعُرف يكون له علاقة وثيقة بمشكلة كونهم ثقيلي السمع. فما الذي يسبب ثقل السمع هذا؟ إن الإفراط في احترام التقاليد الدينية هو السبب في هذا.

إن هذه المشكلة لا تستغرق وقتاً طويلاً لكي تنتشر في الكنيسة وفي العبادة لمشكلة تترسخ بمرور الزمن، فإن ظهورها للعيان في وقت مبكر يكون أمراً حسناً.

كان بطرس والتلاميذ الآخرين يهوداً من هامة الرأس إلى أخمص. فلكونهم مختونين ويسلكون بحسب الناموس اليهودي، كانوا يعرفون في داخلهم أنهم أفضل الناس، وأنهم الصفوة الذين اختارهم الله للأبدية. أما الذي لم يعرفوه فهو أنهم كانوا مخطئين في تفكيرهم هذا. فبالرغم من معرفة بطرس والتلاميذ لكل هذا، وبالرغم من سيرهم في كل مكان مع الرب يسوع، فإنهم لم يفهموا الأمور التي أنجزها فهماً كاملاً.

فالرب يسوع كان واضحاً في العديد من الأمور. فلقد قال في (متّى 19:28): «اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم». وقال في (أعمال 8:1): «وتكونون لي شهوداً.. إلى أقصى الأرض».

إنني واثق أن الرب يسوع قال أموراً كثيرة أخرى لكي يجعل هدفه بخصوص شمولية وعالمية الإنجيل واضحاً لهم. ولكن عندما تركهم وصعد إلى السماء، لم يكن عند التلاميذ أي فكرة عن تبشير الأمم الاخرى. هذا بالرغم من أن بطرس ويعقوب ويوحنا وبقية التلاميذ كانوا في الصفوف الأولى عندما كان الرب يعطي تعاليمه ووصاياه للجموع. ومن المحتمل أن صوتهم كان الأعلى عندما قالوا: «آمين.. سنكرز للأمم.. هللويا! لقد فهمنا يارب!» وعندما قال الرب يسوع أكثر من مثال عن ثقل السمع وبطئه، فإنهم غالباً ما سمعوا هذه الأمثلة بنفس الطريقة التي يسمع بها المسيحيين اليوم كلمة الله – يقولون: «نعم، حقيقي أن الآخرين يكونون ثقيلي السمع في الأمور الروحية، ولكننا نشكر الله أننا استنرنا روحياً» .

لقد ذهب التلاميذ المسيح، ليعظوا للناس المختارين (اليهود)، ويشفوا مرضاهم، ويروا نجاحاً لخدمتهم. ولكن إرساليتهم كانت أقل مما أراده الله. لقد سئم الله من تبلد حسهم، تبلد الحس الذي كان نتيجة قرون من الغرور وإتباع التقاليد اليهودية.

فلو أراك الله رؤيا تدل ضمناً على إزالة الحواجز بينك وبين الآخرين، وبعد ذلك حضر إلى بيتك جار لا تعرفه جيداً، وقال لك أن ملاكاً أخبره أن عندك كلمة من الله له، هل يكون عندك أي شك أن هذه تكون فرصة لكي تشهد له؟

لم يستطع بطرس حتى ذلك الوقت أن يصل إلى هذه النتيجة. إن الوصول إلى هذه النتيجة استلزم منه أن يستعيد شريط الأحداث التي حدثت له قبل ذلك الوقت بقليل. وأخيراً فإنه اعترف قائلاً: «بالحق أنا أجد أن الله لا يقبل الوجوه. بل في كل أمة الذي يتقيه ويصنع البر مقبول عنده».(أعمال 34:10، 35).

هكذا وضّح الله في النهاية رسالته وجعلها مفهومة. بالرغم من تمسك بطرس بالتقاليد. إننا لا يجب أن ندين بطرس ونحكم عليه بطريقة قاسية، لقد كان الأمر فوق قدرته بسبب التقاليد التي تربى عليها، فبدون معونة الله، لما اهتزت التقاليد التي ترسخت عبر القرون. إن بطرس لم يكن هو الوحيد الذي كان يتمسك بالتقاليد. فعندما عاد إلى أورشليم، كان عليه أن يُقنع الرسل والإخوة من أهل الختان بالذي عمله. ولقد بذل جهداً لكي يقتنعوا بما فعله.

إن التقاليد الدينية دائماً خطأ. ولكن احترام التقاليد بشدة في المسائل الدينية يكون له قوته لدرجة أنها في بعض الأحيان تُعطل قدرتنا على سماع الله وكلمته المكتوبة. إن احترام التقاليد بشدة في المسائل الدينية ربما يكون أداة في يد الشيطان لكي يُحفز رغبتنا الجسدية للتمسك بالأمور التي ألقاها، بدافع الراحة، وبدافع التخلص من المفاجئات المحرجة. فكثير من المسيحيين يُفضلون التخلي عن جزء من الإنجيل عن التخلي عن تقاليدهم البشرية.

وهذا هو السبب في أن الرب يسوع كان يحارب التقاليد البشرية بشدة. فمثلاً عندما انتقده الفريسيون بخصوص عدم غسل التلاميذ أيديهم عندما يأكلون خبزاً، قال لهم: «وأنتم أيضاً لماذا تتعدون وصية الله بسبب تقليدكم؟» (متّى 3:15). وأعطاهم مثال لذلك عن مراوغتهم لتسديد الاحتياجات المالية لوالديهم، بإعطاء المال كي يُستخدم في الأغراض الدينية، وهكذا فإنهم يتعدون وصية الله الذي أوصي بإكرام الوالدين.

لننظر للرب يسوع كمثال لنا. مع من قضى الرب معظم وقته؟.. مع العشارين والخطاة وهؤلاء الذين كانوا خارجين عن الناموس، الذين لم يكن عندهم أي تظاهر بالبر، ولم يكونوا قد اكتشفوا الحق بعد.

لم يقل الرب يسوع مطلقاً للأمميين أنهم مرائين، ولكنه كان يقولها دائماً للفريسيين، الذين كانوا مثل رواد الكنائس اليوم. كان يسميهم حيّات وقبور مبيضة من الخارج – لقد كانت معظم إدانة الرب لهم مبنية على توقيرهم للناموس على حساب كل شيء آخر.

بالطبع ينتمي معظمنا إلى طوائف مختلفة وعبادات متنوعة، وهذا حسن. ولكن يجب أن نكون متيقظين لأمر هام وهو: مجرد أننا لا نلتزم أو نتقيد بالتقاليد والأمور الأخرى الصغيرة جداً لا يعني أننا في أمان من الوقوع في البر الذاتي الخاص بالتدين الشكلي.