العودة الى الصفحة السابقة
الطَلاق في المَسيحيّة

الطَلاق في المَسيحيّة

القس. جون نور


«ويَكون الاثنان جَسداً واحداً. إذاً ليسا بعد اثنين بل جسد واحد. فالذي جَمعه الله لا يُفرّقه إنسان» (مرقس 8:10، 9)

كان المعلم الجليلي يُلقي دروسه العميقة على الشعب الجائِع إلى المعرفة الحقيقية. وقد تركت تلك التعاليم آثارها القوية فيهم. غير أن الفرّيسيين لم يستَريحوا إليها فقد لمست جوانب دقيقة في حياتهم. من أجل ذلك بذلوا عشرات المحاولات لاصطِيادِه. وكانت محاولاتهم مختلفة الوسائِل. كانت أحياناً مراقبة وأحياناً أُخرى مقاومة وأحياناً ثالثة أسئلة مُحرجة! وكان المعلم يسمع أسئِلتهم ويكشف خبث طويتهم ثم يُجيب على أسئِلتهم إجاباته الخَالِدة!!

وها نحن نراهم يجتمعون حوله ويَسألونه سؤالاً بقصد أن يجرّبوه. وكان سؤالهم: «هل يحلّ للرجل أن يُطلّق امرأته لكل سبب؟»، وهو سؤال يبدو بريئاً في ظِاهِره ولكنه نظير أسئِلتهم الكَثيرة للمعلم كان يحمل بين جوانِحه نِيّاتهم السَيئة. فقد سَألوه هذا السؤال لِيُجرّبوه!!

كان معلمو اليهود يَبيحون الطَلاق لأسباب كَثيرة، كأنّ تَكون المَرأة عَقيماً لا تَلِدّ، وإن كانت لا تلد له ذكوراً فله الحق في أن يُطلّقها. وكذلك إذا لم تكن منسجمة معه في مَزاجِه. وإذا لم تُحسِن طهي طَعامه أو تحسن حِياكِة قَميصه. أو إذا تأخرت في تَلبية رغبة من رَغائِبه. بل كانت تطلق لأتفه الأسباب، كأن يكون خِصاماً مع أهلها أو غضباً لسبب بعيد عن البيت. كان الرجل يطلق امرأته وهو في الحقل أو في السوق.. وكان معلموهم يبيحون الطلاق لهذه الأسباب ولِغيرها!

وقد عمل هذا على تقويض دعائم البيت فانحلّت الرُبط الزَوجية وضعفت الروابِط الوالِدية وانتشرت خطيّة الزِنا!

وكان الفريسيّون يعلمون أن تعاليم يسوع ثورة على تقاليد الآباء ولذلك سألوه هذا السؤال حتى يكون لهم ما يشتكون به عليه!

ولكن يسوع لم يجب بشيء من عِنده بل أعادهم إلى الكِتاب أي كتابهم الذي يومنون به . فقال: «أما قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكراً وأنثى. وقال من أجل ذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسداً واحداً. إذاً ليسا بعد اثنين بل جسد واحد فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان!!».

كان جواب يسوع جواباً محكماً لأنه استند على الكتاب استناداً كلياً. ولم يجد الفرّيسيون على الجواب مأخذاً. ولكنهم لم يقفوا عند هذا الحد بل سألوه فلماذا أوصى موسى أن تعطي المرأة كتاب طلاق فتُطلّق؟؟ لقد أباح موسى الطَلاق ولم يضع لذلك إلاّ شَرطاً واحِداً أن تُعطى المُطلّقة كِتاب طَلاق!!

أمّا يسوع فلا يطعن في قول موسى ولا يحاول أن يُبيّن لهم أن الحياة الروحية تجتاز عِدّة أطوار وأن بناء كيانها الروحي يَتطلّب خطوات كثيرة. إنه لا يحاول شيئاً من ذلك وإنما يُبيّن لهم أن موسى لم يسمح لهم بالطلاق لأنه رَاضٍ عن ذلك وإنما لِقساوة قلوبهم. كانوا يطلّقون المرأة ويتركونها فلا يُطلّقونها لِتتزوّج ولا يحتفظون بها زَوجة. ولذلك أمرهم موسى أن يَعطوا المُطلّقة كتاب طلاق حتى تَستَطيع أن تثبت أن عِلاقتها الزَوجِيّة قد انتَهت فَتَستَطيع أن تَتزوّج!!

لذا وضع يسوع أسمى تَعليم عن الرِباط الزَوجي فَقال:

«إن من طَلّق امرأته إلاّ بسبب الزِنى وتَزوّج بأخرى يَزني» ذلك لأن الطَلاق لغير عِلّة الزِنى طلاق باطل لا يرضى الله عَنه. وزواج الرجل من امرأة أخرى وزوجته لا تزال مرتبطة به زنى. وزواجها هي من آخر بينما هي في نظر الله لا تزال زوجة لزوجها الأول زِنى!

وسمع التلاميذ هذا الكلام ولم يَستَريحوا إليه كَثيراً!! علاقة الرجل بالمرأة كانت في نظرهم عِلاقِة الشَخص بالشَيء أو على الأكثر علاقة السيد بالعبد. ولذلك لم يحسّوا بارتِياح إلى حَديث المُعلم عن قوّة الرِباط الزَوجي وقُدسيّته. وقالوا له بكل صَراحة إن كان هكذا أمر الرجل مع المَرأة فلا يُوافِق أن يَتزوّج. كان كلام مُعلّمهم فوق مُستَوى تَفكيرهم. لم تكن المَسيحيّة قَد تَغلغلت بعد في قُلوبهم وأذهانهم. ولكنهم بَعد وَقت طَويل تَعلّموا وفَهِموا. وها نحن نَسمع بطرس بعد ذلك بِسنوات يَقول: «كذلك أيها الرِجال كونوا سَالِكين بِحَسب الفِطنة مع الإناء النِسائي كالأضعَف مُعطين إيّاهُن كَرامة كَالوارِثات أيضاً مَعكُم نِعمة الحَياة لكي لا تُعاق صَلواتكم!!».

إن الله نفسه هو الذي أسس شريعة الزواج منذ آدم وحواء.فعندما خلق الله العالم رأى كل شيء في الجنة حسناً ما عدا وجود آدم وحده: «فقال الرب الإله ليس جيداً أن يكون آدم وحده، فأصنع له معيناً نظيره» (تكوين 18:2). فتمم هذا. وأخذت حواء منه، وأعطيت إليه لتكون له معينة ورفيقة. وأعتقد أنه لهذا السبب - كما يردد كثيراً - «خلقت المرأة من أحد أضلاع آدم، لا من قدمه لئلا يطأها، ولا من رأسه لئلا ترأسه، ولا من يده لئلا يتحكم فيها، بل من جنبه لكي تكون بجانبه، ومن تحت ذراعه فيحميها، وبالقرب من قلبه فيحبها».

هذه إرادة الله في موضوع الزواج خلقهما ذكراً وأنثى رجل واحد لامرأة واحده وخلق الله المرأة معيناً ورفيقاً للرجل وليس متاعاً يتخلى عنه.