العودة الى الصفحة السابقة
مصدر الإيمان المسيحي

مصدر الإيمان المسيحي

جون نور


قرأت عن الدكتور هاري دريمر، عن حادثة جرت له حين كان يحاضر حول خيمة النبي موسى الشهيرة في البرية. وأشار إلى أن موسى النبي قدَّم الحل لمشكلة، طالما أزعجت المهندسين الذين يعملون في الصحراء. فقد تمكن موسى من تشييد بناء مستقر على أساس رملي.

في نهاية المحاضرة نهض مهندس من الحضور وقال: {أود أن أعلق على ما قاله المتكلم في موضوع الخيمة}. أستطيع أن أوافق على ذلك الجزء من محاضرته، خصوصاً بسبب حادثة واقعية جرت مؤخراً. لقد ابتكر صديق لي نموذجاً لمبنى بسيط، يقيم فيه عمال البناء وهو يصلح للصحراء. واستخدم صديقي نفس هذه الفكرة، أي بناء صفين من الألواح الجدارية المشبكة بالعصي والمسامير ذات العرى. وتقدم بطلب امتياز اختراع، فرفض المكتب المختص أن يمنحه إياه. ورفع دعوى إلى المحكمة الفيدرالية، ليجبر مكتب منح الامتيازات، على منحه حق البراءة، ولكنه خسر القضية. وجاء في حيثيات الحكم أنه ما دام موسى قد استخدم هذه الفكرة منذ 3500 سنة فإن طلب امتياز الاختراع جاء متأخراً جداً.

وجلس المهندس في مقعده وسط ضحكات الاستحسان وتصفيق الزملاء، وأوضح بذلك وبصورة غير مقصودة عصرية هذا الكتاب القديم اي الكتاب المقدس. أي أن أقدم مجلد حفظه الإنسان يوازي في عصريته تطبيقات مهندسي القرن العشرين.

للكتاب المقدس، أهمية بالغة، لا مثيل لها بالنسبة للمسيحي، لأنه يعتبره كلمة الله، والمصدر الوحيد لإيمانه. وهو يجد في هذا الكتاب إعلاناً واضحاً عن محبة الله للإنسان، كما يجد الوسائل الناجعة للتقرب إلى الله القدوس.

حاول أعداء المسيحية عبثاً، أن يدمروا الكتاب المقدس. بل إن امتلاك نسخة منه، ما زال يعتبر في بعض البلدان جريمة خطيرة. ومع ذلك فإن آلاف الناس، فضلوا أن يموتوا على أن يتخلوا عن الكتاب الذي أحبوه. وفي كثير من الأحيان، حاولت الكثير من الدول المعادية للمسيحية أن تحرض على حرق كميات كبيرة من الكتاب المقدس ، على سبيل السخرية منه، وبغية إفنائه.

وفي محاولة قام بها الإمبراطور الروماني دوقليستيان لمحو المسيحية، أصدر مرسوماً يقضي بالموت، على كل من يملك نسخة من الكتاب المقدس. وأفرط في قسوته، حتى أنه لم يستثن أفراد أسرته من حكم الإعدام، إذا لم يخبروا عن مثل هذه المخالفة القانونية. وبعد سنتين قال الإمبراطور متفاخراً: لقد استأصلت الكتابات المسيحية استئصالاً تاماً. إلا أنه حين عرض الإمبراطور قسطنطين، بعد ذلك، مكافأة سخية مقابل الحصول على نسخة واحدة من الكتاب المقدس، قُدمت له خمسون نسخة خلال أربع وعشرين ساعة.

يحتل الكتاب المقدس اليوم، أعظم مرتبة بين الكتب من حيث سعة انتشاره وقراءته في كل أنحاء العالم. لقد قلل الفيلسوف الملحد الشهير فولتير، من شأن الكتاب المقدس، وتنبأ بأن المسيحية ستأفل وتموت في أقل من قرن أو نحو ذلك. وكم هو رائع أن يصبح البيت نفسه الذي عاش فيه فولتير، مخزناً لجمعية الكتاب المقدس في فرنسا. ومن هذا المكان توزَّع آلاف مؤلفة من الكتب المقدسة.

إن كل من قرأ الكتاب المقدس أو درس دراسة مستفيضة عنه، سوف يعترف بسهولة، بأن الكتاب المقدس كتاب فريد. لقد صمد القسم الأقدم من الكتاب المقدس لمدة تزيد عن ثلاثة آلاف سنة، بينما طُمست، بمرور الزمن، كتابات أخرى كانت معاصرة له. ولا يمكن أن يتساوى به كتاب آخر من حيث تعاليمه الأخلاقية والأدبية. وعلى مر التاريخ، ظل تأثيره محسوساً في حياة الأفراد والمجتمعات. وحيثما انتشر هذا الكتاب، تبعته حتما الاستنارة والتقديم. ولا ينفرد الكتاب المقدس بكونه كتاباً غير عادي من حيث قوته واستحالة تدميره فحسب، لكنه فريد أيضاً من حيث تأليفه. لقد كُتبت الكتب الأخرى من قبل أناس – بعضهم عباقرة. لكن الكتاب المقدس يدعي، بأنه كُتب من قبل رجال كانوا تحت قيادة روح الله نفسه.

لقد تكلم الناس وكتبوا، ولكنهم كانوا مقودين بالروح القدس، روح الله. اشترك في الكتاب المقدس أربعون رجلاً مستخدمين ثلاث لغات. وجاء هؤلاء الرجال على مستويات معيشية مختلفة، فكان منهم الملك والراعي والنبي والجابي والطيب وصياد السمك. وانقضت ألف وستمائة سنة قبل أن يكمل الكتاب .هذا هو الكتاب الذي يبني عليه المسيحيون الحقيقيون إيمانهم .

لقد قيل الكثير، في إمكانية تحريف الكتاب المقدس الا ان الأدلة التي يقدمها علم الآثار عموماً، تزيد ثقتنا بالدقة التي نُقل بها النص، عبر القرون، حتى وصل إلينا. كما أظهرت أيضاً أن النقل تمّ بأمانة غير عادية، هذا إذا استثنينا بعض التغييرات الطفيفة، لا في ما يتعلق بمادة الكتابة الرئيسية فحسب، بل حتى في ما يتعلق بالكلمات أيضاً. مما لا يدع مجالاً للشك في التعليم الذي نقله إلينا النص الكتابي.

وما زالت الآثار، تثبت النص الكتابي. وكثيراً ما ضحك المشككون من بعض الحوادث المثيرة للشك المدونة في الكتاب. لكن ضحكاتهم أُسكتت مرة بعد مرة بفضل الاكتشافات الآثارية المؤيدة للكتاب المقدس.

هذا هو الكتاب الذي يؤمن به المسيحيون والذي هو مصدر ايمانهم، والذي يستطيع أن يدحض أي اتهام بالتحريف او بالتغيير، فهو يحوي بين طياته كلمة الله الحية والفعالة والتي هي امضى من كل سيف ذو حدين .وكلمته هذه قادرة ان تغير حياتك وتجعل منك انسان آخر، إن قبلت المسيح وعشت حسب إنجيله.