العودة الى الصفحة السابقة
يسوع المسيح الإله المتجسد

يسوع المسيح الإله المتجسد

القس. جون نور


لماذا يؤمن المسيحيون أن المسيح يسوع هو الله؟

هذه الفكرة لم تكن استنتاجاً شاذاً قد توصل إليه مفكر مسيحي واحد قد ضل طريقه، ولكنها عبرت عن حكم كل المسيحيين الذي نراه في معرفتهم المباشرة لحياة المسيح وموته وقيامته أو في الشهادة التي قدمها العهد الجديد عنه. مع انه كانت هنالك وعلى مدى زمن طويل حوارات ومجادلات وحوارات دينية حول هذا الموضوع.

لذا نجد بطبيعة الحال في وقتنا الحالي عدداً من التحديات لفكرة أن يسوع هو الله المتجسد، وواحد من الاحتجاجات التي تسمع بشكل متكرر بخصوص عقيدة التجسد هو أنها غير منطقية، فقد شددت بعض الديانات في العصر الحالي على أن كون يسوع إلهاً هو أمر لا يمكن قبوله.

أولاً دعونا نسأل أنفسنا عن السبب الذي يجعلنا كمسيحيين نتكلم عن يسوع؛ لماذا هو خاص ومختلف؟ لماذا أبرزت المسيحية هذا الشخص – وهذا الشخص فقط – كالأعظم بين البشر؟ إن الجواب التقليدي هو أن القيامة من الأموات قد أظهرت أن يسوع المسيح له الطبيعة الإلهية، وبهذا رسخت حقيقة مكانته وهويته المتميزتين اللتين تميزانه عن البشر الآخرين.

بالتأكيد كان هناك كثير من الناس ممن تميزوا سلوكهم وشخصياتهم، مثل سقراط في العالم القديم أو غاندي في التاريخ الحديث، مع كوننا نحترم هؤلاء إلا إن حقيقة فرادة يسوع بالنسبة للمؤمن المسيحي إنما هي مؤسسة على «من هو» وليس على «ما قاله أو عمله». وبكلمات أخرى يميل المسيحيون نحو اعتبارهم تعليم يسوع وحياته هامين بسبب معرفتهم لشخص المسيح وليس بسبب التعليم أو حياته بحد ذاتها.

يظهر التجسد بالنسبة للمسيحية التقليدية أن الله جاء ليكون بيننا كواحد منا مخاطباً وداعياً إيانا بشكل شخصي. لا يهم كثيراً متى حدث ذلك في التاريخ، ولكن النقطة الهامة هي أن هذا ما حدث. وهكذا يخبرنا هذا التجسد عن شيء هام بخصوص ماهية الله وطبيعته. ولكن إذا تركنا فكرة التجسد فسنحصل بدلا من يسوع على صورة لمعلم يهودي في الزمن القديم، قد ميزته تعاليمه وأسلوب حياته في زمنه فقط ولكن علاقته بزمننا قليلة الأهمية. سيصبح أمراً صعباً – وكثيرون سيعترفون أنه أمر مستحيل تماماً – أن نبرر ونفسر الوضع المميز الذي كان ليسوع عند المسيحيين، فإذا لم يكن يسوع مركز الإيمان المسيحي فإنه سيصبح في هوامشه.

لا يتعامل المسيحيون مع يسوع – كما يعترف كثير من نقاد التجسد – كشخص بعيد في الماضي ولكن كالرب الحي والموجود. إنهم لا يعتبرونه كمعلم قديم من الماضي، كمعلم يهودي أو هندوسي ميت، لكنهم يعرفونه كالرب القائم من الأموات الذي يعبدونه والذي به يعرفون الله الحي. إن عقيدة التجسد تحفظ هذه الأفكار الأساسية التي بدونها يغرق يسوع في عالم النسيان معروفاً فقط كالمؤسس التاريخي لديانة يبدو أنها قانعة الآن بالعيش بدونه. إن تركنا لإيماننا بالتجسد هو ترك لمركزية يسوع في الإيمان المسيحي.

أما النقطة التالية التي أريد ذكرها فتتعلق بمفهوم الصليب. يرى البعض أن الصليب يجب أن يفسر على أنه ليس سوى إظهار لمحبة الله، فإن فكرة التجسد يجب أن تترك إذ أنها تناقض منطقي. إن فكرة موت المسيح على الصليب تعلن كل محبة الله لنا وهي مؤسسة على معرفة وإدراك أن الذي مات هو ليس سوى ابن الله الذي مات على الصليب (يوحنا 16:3، غلاطية 4:1، 20:2، تيطس 14:2). إن يسوع المسيح، الله المتجسد؛ قد أحبنا وبذل نفسه لأجلنا على صليب الجلجثة. وعندما كنا خطاة بعد، نزل الله وبذل نفسه ليصلب من أجل محبته لبشرية خاطئة (رومية 8:5).

ولكن إن كنا ننكر أن الله المتجسد هو من مات على الصليب، فماذا تكون فائدة الصليب فيما بعد؟

يعتقد كثير من نقاد التجسد بأن فكرة يسوع هو الله وإنسان في وقت واحد هي عقيدة غير منطقية وعشوائية قد اخترعها بعض المفكرين ذوي الأذهان غير السليمة في فترة شهدت تفكيراً غير مضبوط. وإن شرط الإيمان بلاهوت المسيح للدخول في المسيحية أو عضوية الكنيسة هو أمر سخيف. ثم ألا يجب أن تكون عضوية الكنيسة مفتوحة للجميع؟ لماذا يجب أن يجبروا على الإيمان بهذا المرسوم التسلطي وغير المنطقي قبل انضمامهم إلى الكنيسة؟ ثم إنه لا توجد أية جمعية أو ناد يطلب مثل هذا الطلب السخيف من الذين يطلبون العضوية. والجواب المسيحي لهذه الثورة العصرية هو أنها تعتمد على فهم خاطئ.

إن البشارة المسيحية السارة تعلن وتشدد على أن الله الحي – الله نفسه الذي خلق الكون وخلقنا – هو نفسه ذهب إلى صليب العار بسبب محبته لنا مع أننا خطاة. لذلك إن أنكرت التجسد تصبح محبة الله المعلنة غير أكيدة..

عندما نسأل مثل هذه الأسئلة نبدأ بتتبع الطريق الذي يقودنا إلى الفهم المسيحي المميز لله، أي الثالوث الأقدس. رغم إن الطريق طويل قبل الوصول إلى هناك، ولكن بإدراكنا أن يسوع المسيح هو الله المتجسد فإننا نضع أقدامنا بثبات على الطريق التي تقودنا إلى هذه العقيدة التي هي أكثر العقائد المسيحية التي بقبولها نصرح ونعلن عن حقيقة إيماننا.