العودة الى الصفحة السابقة
المَسيح ابن الله

المَسيح ابن الله

القس. جون نور


«فأجاب سَمعان بُطرس وقال أنتَ هو المَسيح ابن الله الحَي» (متّى 16:16)

كان يسوع المُعلّم الناصري يسير صامتاً وهو يُلقي نَظرات مُتأمّلة على الجَبل الذي يطلّ على مَدينة قَيصرية فيلبس. وكَان التلاميذ الإثنا عشر يسيرون خَلفه صَامِتين أيضاً. لقد اعتادوا ذلك الصَمت. كانت المَرحلة الأخيرة على وشك المَجيء. وها هو الصليب يطلّ من بُعد على ذلك الركب الصامِت إن صَح أن نَدعو جَماعة سَائِرة على الأقدام ركباً!

وبغتة التفت المُعلّم إلى التَلاميذ وقَال: «مَن يَقول الناس إني أنا ابن الإنسان؟».

والتفت التَلاميذ بعضهم إلى بَعض، لقد سمعوا الناس يِتحدّثون عَن مُعلّمهم كَثيراً. بل لقد سمع هو بَعض مَا قَالوه.. لكن هل مِن اللائِق أن يُخبِروه بِكُل شَيء. لقد قال البَعض عَنه أقوالاً رَديئة شِرّيرة. قَالوا إنه مُختلّ مَجنون وقَالوا إنه سَامري وبِه شَيطان وقالوا إنه مُضلّ وقالوا إنه لَيس مِن الله.

أما جمهور الشَعب فإنه يَتحدّث عَن يَسوع كَثيراً. ويَذكره بكل مجده. ويهرع إليه أينما كَان، يستمع لجواهر السماء التي يُلقيها من فمه ويتناول بركات الشفاء من يديه الكريمتين ويذكر فضله ذكر الشاكر المُمتن. هذا الشعب تضاربت أقواله في يسوع. قال توما، يا معلم إن البعض يقولون إنك نبي عظيم قد افتقد الله به شعبه. وقال فيلبس، نعم إنهم يقولون أنك إرميا النبي العَظيم!

وقال متى، ويقول آخرون إنك أشعياء!! واختلطت أقوال التلاميذ.

وكان حَقاً على يسوع أن يُسرّ فقد وضعه الجمهور في أعلى مَكان. فهو في نَظرهم نبي كبير بل مَجموعة من الأنبياء.

سمع المُعلّم حديث التَلاميذ دون أن يَتجلّى على وجهه ما يُعبّر عن سروره. ثم التفت إليهم وقال، وأنتم من تقولون أني أنا ابن الإنسان، نعم ماذا تقولون أنتم؟

وصمت التلاميذ لحظة قصيرة قصيرة جداً!

إنهم لا يجسرون أن ينطقوا به بسهولة! فصمتوا!! ولكن ذلك الصمت قطع بصوت انطلق كقذيفة من فم تلميذ أنت المسيح ابن الله الحي! ولم يكن ذلك التِلميذ غير صَديقنا بُطرس!!

ونظر المُعلّم إلى بُطرس وقال: «طوبى لك يا سمعان بن يونا. إن لحماً ودماً لم يُعلن لك. ولكن أبي الذي في السماوات!».

ثم أعلن أنه بِمُقتضى إقراره أصبح أساساً، صخراً تُبنى عليه كنيسة المسيح. أي أن الصخرة الحقيقية الأساس الأصلي للكنيسة هو المسيح نفسه وعلى ذلك الأساس توجد أسس أخرى، أحجار حيّة. وبطرس، على هذا القياس، بطرس الذي آمن بالمسيح ابن الله هو صخرة يبني المُعلّم عليها كَنيسته!!

وقال السيد لبطرس أن أبواب الجحيم لن تقوى على كنيسة المسيح وأن السيد سيمنح التلاميذ مفاتيح ملكوت السماوات فما يحلّونه على الأرض يكون محلولاً في السماوات وما يربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماوات!

ولا بد أن الخيال حملهم إلى تلك المملكة المُنتظرة فساروا فيها يَتأمّلون قصورها وأمجادها. وظلّوا في خيالهم حتى ردتهم كلمات يسوع إلى اليَقظة. نعم فقد تَكلّم المُعلّم كلاماً غَريباً!!

«إن ابن الإنسان ينبغي أن يذهب إلى أورشليم! ويتألم كَثيراً من الشيوخ ورؤساء الكَهنة والكَتبة!! ويُقتل!!! وفي اليوم الثالث يَقوم!» يا لها من كَلِمات!

أما أن ابن الإنسان يذهب إلى أورشليم فإعلان مَعقول. هناك كرسي الملك. ينبغي أن يذهب إلى أورشليم ليجلس عَلى عَرش داود أبيه.

ولكن أن يذهب لِيتألّم كَثيراً ويُرفض من الشيوخ ويُقتَل، فهذا ما لا قُبل لفهمه!! سمع التلاميذ هذه الكلمات وارتاعوا!

هكذا كان التلاميذ يهمسون في داخلهم ولكن أحداً منهم لم يجرؤ أن يُجابِه يسوع بهذه الأفكار ما عدا بطرس. فإنه أخذ يسوع إلى جانب وابتدأ ينتهره قائِلاً حاشاك يارب لا يكون لك هذا!

ألقى بطرس كلماته أمام التلاميذ. ويبدو بأن التلاميذ هزّوا رؤوسهم مُوافقين. ورأى السيد خلف تلك الكلمات، الجسدانية والأنانية فانتهر بطرس قائِلاً:

«اذهب عني يا شيطان! أنت معثرة لي! لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس!!».

ودعا يسوع الجمع إليه والتفت إلى الجمع والتلاميذ معاً وألقى إعلاناً أعجَب:

«إن أراد أحد أن يأتي وَرائي! فليُنكر نفسه!! ويَحمِل صَليبه!!! ويتبعني! فإن من أراد أن يُخلّص نفسه يُهلِكها!!! ومن يُهلِك نفسه من أجلي يَجِدها!!!».

قدّم يسوع في تلك الكلمات إعلاناً لم يسمع العالم بِمِثلِه. إن الموت في سَبيل المسيح حياة خَالِدة. أمّا الهروب مِن المَوت فإنه مَوت وشر موت. «وماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه أو ماذا يُعطي الإنسان فداء عن نفسه!».

سمع بُطرس هذه الكَلِمات

وسمعها التَلاميذ

ومع أنهم لم يَفهموها تَماماً في ذلك الوَقت إلاّ أنهم وعوها قلوبهم. وعِندما جاء الوقت عاشوها فقدموا حياتهم ذبائِح من أجل رِسالة سيدهم. فمات يَعقوب وبُطرس وغيرهما.

واحتمل القِدّيسون أقسى الاضطِهادات وتَلاشَت أجسامهم تَحت السيف وفي النار!

وقال الناس أنهم مَاتوا!

ولكنهم لَم يَموتوا!

بَل عَاشوا!!

ولا زالوا يَعيشون!!