العودة الى الصفحة السابقة
أيوجد سلام على الأرض؟

أيوجد سلام على الأرض؟

جون نور


طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون (الإنجيل بحسب متىّ 9:5)

لقد مرّ أكثر من ألفي سنة منذ ان أنشدت الملائكة أنشودة السلام وقت ولادة المسيح، ومع ذلك لا يزال السلام يبدو وكأنه قد هجر العالم. تطلّع إلى الدول الكبيرة والصغيرة وإلى حركة التسلّح فيها، تجد أنّه لا أثر للسلام بينها. اقرأ الصحف اليومية تجد ما يفزعك. ألقِ نظرة على المحاكم تجد العجب. تأمل في الخصومات والحسد والأحقاد في كل مكان. وإن حكمنا بحسب مقاييسنا وجدنا أنّه لا يزال الوقت طويلاً لكي يهل علينا الفجر بنوره. فأسلحة الدمار تهدد العالم ومشاورات السلام بطيئة جدا في كل مشكلة . لكن لا بدّ أن يشرق الفجر، لأنّ كل مجهودات السلام العالمية، وكل الجهود التي تبذل لكي تطبع السيوف سككاً والرماح مناجل، تبشر بالخير، عندما نلجأ بإيماننا وحياتنا إلى ملك السلام .

يجب أن ندرك أنه عندما نزل يسوع من عرشه في السماء، وجاء إلى عالمنا، وتهللت الملائكة قائلين {المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة} (لوقا 14:2)، فإن يسوع وضع في قلبه أن يعيد السلام إلى هذا العالم الذي مزّقته الخطية، وهكذا يحقق رغبة الآب نحو سلام الذين على الأرض. وعندما مات المسيح على الصليب كان هدفه أن يحقق رغبة قلب الآب نحو إيجاد السلام في العالم.

إذا نظرنا لأنفسنا فقط فإنه لا رجاء لأيّ واحد فينا وذلك لما فينا من ضعف لإتمام هذا العمل العظيم وهو صنع السلام في العالم. لكن قوتنا تتضاعف جداً عندما ننظر إلى الله، ونحيا في شركة كاملة مع المسيح ونفتح كل قلوبنا لعمل الروح القدس، وعندئذ نستطيع أن نتعاون مع الله، ونتمم على الأرض ما يقصد أن يعمله فيها.متممين رغبته وقوله. طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون}. (متى 8:5 ).

لقد صنع الله السلام بسفك دم ابنه الوحيد. هذه الحقيقة التي قدمها لنا العهد الجديد عجيبة جداً. عندما صار كل عالمنا، وكل الجنس البشري، في عداوة مع الله كان عجيباً جداً أنّه بذل كل ما يمكن للقضاء على سبب العداوة، رغم ما كلّفه ذلك من تضحية كبيرة. وكان الثمن الذي دفعه هو الدم. لا يمكن للعقل أن يدرك معنى إتمام السلام بدم الصليب. نحن نعلم أنّ الدم هو النفس أو الحياة، وأنّه عندما سُفك دم حمل الله على الصليب، فكان معنى هذا أنّ حياة ابن الله قد سُكبت. لقد كان هو ذبيحة الخطية، وصار هو آدم الأخير الذي يُعطي البشر حياة. وكان الثمن الذي دُفع هو الآلام المريرة، التي كان يرمز إليها الدم المسفوك.

ينبغي أن ندرك أنّ الله هو مركز السلام، وهو {إله السلام}، ومن طبيعته انتشرت ولا زالت تنتشر دوائر السلام في كل العالم. لقد كانت العداوة قائمة بيننا وبينه، لكنّه جذبنا إليه، وكأبناء له امتلأنا من سلامه. {وليملك في قلوبكم سلام الله} (كو 15:3). لن نستطيع أن نصنع السلام في العالم إلا إذا تعلمنا نحن أنفسنا سر السلام. فلندع الرب يسوع المسيح ينطق بكلمته لنا {سلام لكم} (يوحنا 21:20). لندعه يرينا يديه وجنبه. لندعه ينفخ في وجوهنا روح السلام ويقول {اقبلوا الروح القدس} (يوحنا 22:20). لندع هذا السلام يقف حارساً على أبواب قلوبنا. لنحرص على أن لا ندع القلق والهموم والانزعاجات تتسرب إلى القلب

لا تدع مطالب العالم تتغلب عليك. احمل في قلبك دوماً الروح الوديع الهادئ. وليكن لك الوجه الفرح المبتسم. لا تسمح بأن تكون في صوتك لهجة ثائرة، لتكن كل تحركاتك متوافقة مع سلام الله الكامل. سر في العالم بخطواتٍ متئدةٍ هادئةٍ، ناشراً جو سلام الله. وعندما يحين وقت الليل عُد إلى حضن أبيك السماوي، بعد أن تكون قد أتممت كل شيء، بتصرفاتك، ونظراتك، وكلماتك، وسلوكك، لكي تبعث السلام لهذا العالم المضطرب. عُد إلى إله السلام، واستودع نفسك المتعبة لمريح المتعبين والثقيلي الأحمال، وحدثّه عن انزعاجك الشخصي وانزعاج الآخرين. إحنِ رأسك على صدره، واسترح هناك، فَتُعطى السلام من إله السلام، ويعينك على أن تقوم في الغد بمهمة مماثلة. وبهذا تظلل على أحزان ومتاعب هذه الأرض بسلام السماء.

سوف يأتي الوقت، ولا يمكن أن يكون بعيداً، حين يجتمع كل أبناء الملكوت في بيت الآب، ويطأون ديار قصره. فلنحاول بأن نتصور. العدد الوفير ممن يتبعونه إذ يمرون في طريقهم إلى بيت الآب أولاً: المساكين بالروح، ثم الودعاء، الحزانى، والجياع والعطاش إلى البر.

ليس من شيء في المسكونة كلها يشبه التمثل بالله مثل السعي لصنع السلام، ليس بالتظاهر، بل بالقضاء على العوامل التي تبعث المنازعات والخصومات في العالم.

فهنيئاً لكم يا أخوتي إن كنتم واحداً من هؤلاء. لكي ينطبق عليكم قوله المبارك {طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون}.

الله يريدك ان تكون رسولا للسلام في هذا العالم ضع حياتك بين يدي الرب ليملئك بسلامه العجيب ويكون سلامه فيك منارة يهتدي بها من ضلوا الطريق .