العودة الى الصفحة السابقة
صليب الافتخار

صليب الافتخار

جون نور


{وأمّا من جهتي فحاشا لي أن افتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صلب العالم لي وأنا للعالم} رسالة غلاطية 14:6

الصليب!!.

ما أرهب هذه الكلمة وأمجدها!!..

هناك على رابية الجلجثة منذ قرابة ألفي عام ارتفع ربنا يسوع المسيح على الصليب، كان صليبه يقف متحدياً وسط القتام.. وألسنة اللهيب!!.. قتام الأبدية ولهيب الجحيم!.. فقد كان عمل الفداء العجيب هو الوسيلة التي غلبت الهاوية وأبطلت الموت وصرعت الجحيم..

لكن من عجب أن نرى كثيرين من البشر من المسيحيين وغير المسيحيين، لا يفهمون معنى {الصليب} ويقفون أمام عمل المسيح الكفاري موقف الحائرين، ولا عجب في ذلك فإن {كلمة الصليب عند الهالكين جهالة أمّا عندنا نحن المخلّصين فهي قوة الله} 1 كو 18:1.

تحدث شاب جامعي فقال: إنّ الديانة المسيحية ديانة عظيمة، ومسيحها مسيح عظيم فتعاليمه السامية ومعجزاته الخارقة لم يكن ولن يكون لها مثيل ولكنّ الذي يحيرني هو الصليب!.. فكيف يكون المسيح ابن الله، الله الظاهر في الجسد ويموت على خشبة؟

لو رُفع الصليب من المسيحية لأصبحت أعظم مما هي عليه بما لا يُقاس!.. مسكين أيها الشاب المثقف، فلو رُفع الصليب من المسيحية فماذا يبقى لها بعد ذلك؟ إنّ المسيحية هي الصليب، والصليب هو المسيحية، ولا مسيحية بدون صليب.

ولو أنّ المسيح جاء إلى العالم وعاش فيه بدلاً من الثلاث والثلاثين عاماً ثلاثة وثلاثين ألفاً من الأعوام يشفي مرضانا ويفتح عيون عمياننا ويقيم موتانا ثم صعد إلى السماء دون أن يصلب فإن مجيئه هذا ما كان يجدينا نفعاً فيما يتعلق بالأبدية!!..

يقول الرسول بولس {وأمّا من جهتي فحاشا لي أن افتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح}. كان للرسول أن يفتخر بنسبه وحسبه، وكان له أن يفتخر بثقافته وعلمه. وغير ذلك كثير ولكنّه نسي الكل بجانب الصليب!.. وأيّ فخر يا ترى في الصليب؟!. فالصليب كان دوما رمز اللعنة والعار ومظهر الضعف والضعة؟ أي فخر لك في الصليب؟!..

بالصليب صار لنا الغفران

ففداؤنا ومغفرة خطايانا كانا في المسيح وفي موته الكفاري عنّا على الصليب. فموت المسيح بالصليب لم يكن جزاء إثم أتاه، {فهو لم يفعل خطية ولا وجد في فمه مكر} (1 بط 22:2)، بل كان موتاً نيابياً عنا فكان في موته لنا الفداء!..

نحن أخطأنا لكن المسيح هو الذي عوقب عوضاً عنا!.. وعلى هذا الأساس ننال نحن بالإيمان به مغفرة خطايانا، ولو لم يكن المسيح قد مات ما كان من الممكن أن ينال إنسان على وجه الأرض مغفرة خطاياه، {فبدون سفك دم لا تحصل مغفرة} (عبرانيين 22:9). هل تذكر الخروف الذي فدى اسحق؟… إنّ هذا الخروف لم يكن سوى رمز للمسيح الذي فدانا، والذي حق للمعمدان أن يشير إليه قائلاً {هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم} (يوحنا 29:1).

وعندما يذكر الإنسان منا خطاياه ويحاول أن يعدها فيجدها أكثر من أن تعد، ويذكر أن جميع خطاياه هذه حملها المسيح في جسده على الصليب ونال بآلام الصليب عقابها، {أما من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح}!!..

بالصليب تم لنا الشفاء

يا أخي، ثق أنه لا سبيل إلى الشفاء من سموم الخطية الكامنة في قلبك ودمك سوى في صليب المسيح الذي قال عنه أشعياء النبي {وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا} (إش 5:53).

فموت المسيح على الصليب لم يهب البشر مغفرة خطاياهم فحسب بل أعطاهم الشفاء من داء الخطية الوبيل حتى تكون لهم المقدرة على عدم الرجوع إلى الخطية مرة أخرى. فبالإيمان بالمسيح المصلوب يتحصل الإنسان على الطبيعة الجديدة بالروح القدس والتي بها يستطيع أن يميت أعمال الجسد.

بالصليب تمت المصالحة مع الآب

حين دخلت الخطية أفسدت ما بين الإنسان وخالقه، فطردت آدم وحواء من الفردوس وصار خصام بيننا وبين السماء!!..

لكنّ يسوع وفي وقت احتضاره على الصليب أمسك بيدي أنا الأثيم الفاجر وأمسك بيد الآب السماوي الغاضب ووضع اليدان على قلبه حيث فاضت ينابيع الدم والحب ونكس الرأس وأسلم الروح فصار سلام بيني وبين الآب وتم الصلح بيني وبينه ولأجل ذلك فإني أرنم مع الرسول هاتفاً: {وأمّا من جهتي فحاشا لي أن افتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح}!!..

بالصليب صارت لنا الغلبة على العالم

في العالم شهوات ثلاث هي شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة. وهذه الشهوات العاتيات تحاربنا بشتى الطرق الإبليسية كل يوم، ونحن أمامها لا شك مهزومون، إلا إذا التجأنا لصليب المسيح، فصليب المسيح صلب العالم لنا فلم تصبح له القوة للانتصار علينا وصلب فينا الميول الفاسدة نحو العالم فلم تعد تعمل فينا الأهواء الردية.. وبذلك تم لنا الانتصار.

وأنت عندما تختبر عملية الموت والصلب عن العالم لا يسعك إلا أن ترنم مع الرسول قائلاً: {وأمّا من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلاّ بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صلب العالم لي وأنا للعالم}!!.

بالصليب صارت نجاتنا من الدينونة

يوماً ما، في زمن نوح، غرق عالمنا هذا بالطوفان إذ فاض عليه الماء فهلك. لكن نوحاً وأفراد أسرته نالوا النجاة بواسطة الفلك… ويوماً ما سيغرق عالمنا بطوفان النار إذ تنصب جامات غضب الله على الفجار… ولكن قوماً سينجون… هؤلاء هم الذين دخلوا فلك النجاة. وفلك النجاة هذا هو صليب ربنا يسوع المسيح!. لأن دائرة الصليب سبق أن احترقت بنيران غضب الله حتى أنّ قلب يسوع ذاب كالشمع أمام اللهيب ولصق لسانه بحنكه من العطش، وهذه البقعة هي التي ستنجو وحدها من نيران دينونة الله.

إنني أدعوك للدخول إلى دائرة الصليب حتى تكون في مأمن من الهلاك.. وأنت إذا تيّقنت من النجاة في حمى الصليب، لا شكّ أنّك سترنم مع الرسول {أمّا من جهتي فحاشا لي أن افتخر إلاّ بصليب ربنا يسوع المسيح}.

بالصليب صار لنا الدخول إلى السماء

إنّ السر في وجود سكان السماء أمام عرش الله هو أنهم غسلوا ثيابهم وبيضوها في دم الخروف!.. فحمل الله الذي ارتضى أن يُسمّر بالصليب وتفجّرت من جسمه ينابيع الدماء والحب كان بهذه الكفارة العظمى يفتح للبشر أبواب السماء، وأضحى صليبه المجيد قنطرة العبور من الموت إلى الحياة!.. وأن واحداً من البشر كائناً من كان لن تستطيع قدمه أن تطأ أعتاب السماء ما لم يأت إليها عن طريق الصليب!..

وكل مؤمن، عندما تنتهي رحلته من هنا، وينضم إلى زمرة اللابسين الثياب البيض، سوف يعرف الرب يسوع بالجروح التي في يديه… فإنها ستظل بطول الأبدية تعلن عمل الفداء العجيب!..

قد لا يعجبك في المسيح صليبه… ولكنك الآن وقد أدركت السبب… أنه احترق هناك من أجلك… ولأنه حمل خطاياك، صار لا صورة له ولا جمال!.. بعد أن أدركت ذلك لا بد وأنك تحب الصليب وتتعبد للمصلوب… وتردد مع الرسول قائلاً {أمّا من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح}!!..