العودة الى الصفحة السابقة
الحياة المسيحية معناها أن يحيا المسيحي بالإيمان في قلبه

الحياة المسيحية معناها أن يحيا المسيحي بالإيمان في قلبه

القس. جون نور


سئل يسوع في القديم: {يا معلم أين تمكث؟} (يو38:1). وإجابة على هذا السؤال أخذ يسوع السائلين من شاطئ الأردن المزدحم إلى مظلة بسيطة مصنوعة من الأعشاب حيث كان يقيم مؤقتاً. أما إذا سألناه الآن نفس السؤال فإنه لا يشير إلى قبة السماء العالية، ولا إلى الابنية الفخمة، بل يشير الى القلوب السعيدة، التي تحبه، وتثق فيه، وتطيعه. إنه يقول {هاأنذا واقف على الباب وأقرع. إن سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل إليه}(رؤ20:3). لقد وعد يسوع بأن يحل داخل قلب كل مؤمن، كما يقيم الساكن في البيت، كدم الحياة ونشاط الحياة في كل عضو في الجسد مهما كان صغيراً.

الحياة المسيحية معناها هو أن يسكن المسيح في قلوبنا بالإيمان،. ليس لأننا صالحون بل لأننا نؤمن، وبالإيمان قد فتحنا كل أبواب ونوافذ طبيعتنا البشرية، وهو دخل الى قلوبنا.

إن السموات، بل وسماء السماوات، بكل أنوارها وأمجادها، لا تسعه. بل لعله لا يستريح هناك بقدر ما يستريح مع الانسان المنسحق والمتواضع الروح الذي يتكل عليه ويثق فيه. عندما كان الرب يسوع على الأرض قال:{الكلام الذي أكلمكم به لست أتكلم به من نفسي لكن الآب الحال في هو يعمل الأعمال} (يو10:14). ويسوع يريد أن يكون فينا كما كان الآب فيه حتى تصير مخارج حياتنا قنوات يسكب نفسه عن طريقها على البشر، على أساس أنه مختبئ فينا.

إن غنى الجذور المدفونة في الأرض يظهر في ألوان الزهور ورائحتها. والجمال المختبئ في شعاع النور يظهر في سبعة ألوان قوس قزح.

وهكذا عندما نقبل حقيقة حلوله في داخلنا، عميقاً جداً، ونجعل أحد أهداف حياتنا أن نقترب منه، نحس بمجد يبهج حياتنا، ويضفي نوراً على الأشياء العادية، ويجعل الأرض كأنها قطعة من السماء.

عندما يدرك هذا السر، سر حلول الله في القلب، ويستخدم، فإنه يغني الحياة جداً. إن كانت كل كنوز الحكمة والعلم والقوة والنعمة موجودة في يسوع، وصار هو مالئاً كل كياننا، فواضح أننا نحن أيضاً نصبح أغنياء جداً.

لكي تكون دائماً ساهراً على نفسك، لا تشترك قط في انتقاد الآخرين بقسوة أو بغير مبرر، ولا تنطق قط بكلمة متعجلة، أو ترد الإهانة بمثلها، ولا تشكو قط إلا لله، ولا تسمح للأفكار القاسية أو أفكار الشكوك أن تستقر في قلبك. كن دائماً متفائلاً حتى في أسوأ الظروف دون تذمر أو شكوى… هذا كله يحتاج إلى الصبر الذي لن تستطيع أية فلسفة أن تمنحه.

لا يمكننا أن نحيا حياة كهذه إلا إذا تعلمنا كيف ننتفع بغنى حلول المسيح فينا. سمع أحد المؤمنين مرة يقول وسط عاصفة من المناقشة: يا حمل الله، اجعلني هادئا. ونحن نستطيع أن نذهب إلى أبعد من هذا ونقول: أيها الرب يسوع اجعل صبرك ينبع في كينبوع ماء عذب في بحر مالح.

هذه صورة لما نمتلكه نحن الذين نعتمد على حلول ربنا المجيد في داخلنا كملك، ومخلص. إنه يزيدنا من كل نعمة لكي يكون لنا اكتفاء لكل الطوارئ، ولكي نزداد في كل عمل صالح وبقوته، النابعة فينا بصفة دائمة، نستطيع أن نؤدي أعمالاً كأولئك الذين وهبوا أعظم المواهب العقلية والطبيعية، وننجو من تجارب الزهو والكبرياء التي تحيط بنا.

إن نعمة الطهارة وضبط النفس، ونعمة الصلاة الحارة وفهم الكتاب المقدس، ونعمة محبة البشر والغيرة من نحو الله، ونعمة التواضع والوداعة والرقة واللطف والصلاح… هذه كلها متوفرة في المسيح، وإن كان المسيح فينا فكل هذه لنا أيضاً. ، ليتنا نتجاسر بأن نصدق هذا، ونقبله، وندلي جرة الإيمان في البئر العميقة التي فيها يحل المسيح في داخلنا، والتي فتحها الروح القدس في داخلنا.

اصرف كل يوم وقتاً قصيراً في هدوء وصمت، جالساً قدام الله في تأملات روحية عميقة، وأطلب من الروح القدس أن يعلن لك حقيقة حلول المسيح في داخلك. واطلب من الله أن يسر بأن يعلن لك ما هو غني مجد هذا السر (كو27:1).

احترم طبيعتك كهيكل يحل فيه الرب. كما يخلع الشرقيون أحذيتهم إذ يدخلون اماكن العبادة فاحرص جداً على أن لا يتدنس الجسد أو النفس بأي دنس. يجب أن لا تبقى البهائم في اروقة الهيكل كما فعل الكهنة اليهود في زمن المسيح ، دع المسيح يطردها.{أما تعلمون أنكم هيكل الله؟ هيكل الله مقدس الذي أنتم هو}.

قال يسوع المسيح: {إن كان أحد لا يبغض نفسه فلا يقدر أن يكون لي تلميذاً} والمقصود بالنفس هنا مركز حياة الذات بكل حركاتها وأوجه نشاطها، بكل قدرتها على الاختيار والعزيمة والجهاد دون الاعتماد على الله. هذه أكبر معطل لتمتعنا بالمسيح الحال فينا. إن كنا نسلم أنفسنا كل يوم للموت من أجل يسوع، إن كنا نحمل صليبنا ونتبع السيد ولو إلى قبره، فإننا نزداد إدراكاً بأننا قد حصلنا على حياة أغنى وأعمق وأكثر روحانية من حياتنا.