العودة الى الصفحة السابقة
ينبغي أن تولد ثانية

ينبغي أن تولد ثانية

القس. جون نور


{إن كان أحد لا يولد من فوق. لا يقدر أن يرى ملكوت الله} إنجيل يوحنا 3:3

ينبغي أن تولدوا من فوق. هذه الكلمات التي نطق بها الرب يسوع، اعترضت طريق الكثيرين،. لقد أصيبوا بالفشل لأنّ هذا التغيير يفوق طاقتهم وقدرتهم، الولادة الجديدة هي ولادة من فوق، ولذلك فهي ليست في استطاعة البشر، وليس في قصدي أن أظهر حقاً، أو أخفي حقاً آخر، لكي أجلب للقارئ راحة كاذبة أو سعادة وهمية. لكنني أعلنها صريحة أنّ الولادة الجديدة معجزة تفوق الطبيعة البشرية، ولا يمكن للخاطئ أن يجريها بذاته، ومن العبث والغش أن أخدع القارئ أو أفرحه أو أمنيه بما يتنافى مع الحق.

لاحظ معي أن نفس الإصحاح الثالث من إنجيل يوحنا الذي فيه يعلن الرب يسوع هذه الحقيقة المدهشة، يحتوي أيضاً على إعلان أكثر إدهاشاً، وهو أنّ الخلاص بالإيمان!. اقرأ الإصحاح الثالث من إنجيل يوحنا بأكمله، ولا تكتفي بالجزء الأول منه. في العدد الثالث نقرأ {أجاب يسوع وقال له الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله}.

وفي عددي 14 و15 نجد هذه المشابهة{وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يُرفع ابن الإنسان لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية}.

وفي عدد 18 يتكرر نفس الحق المبارك بأكثر وضوح{الذي يؤمن به لا يُدان والذي لا يؤمن قد دين لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد}.

وواضح كل الوضوح أنّ هاتين الحقيقتين متفقتان معاً بما أنهما خرجتا من نفس الشفتين، ومدونتان في نفس الكلمة الموحى بها. فلماذا نخلق صعوبة بينما ليس هناك أية صعوبة على الإطلاق؟. إن كانت إحداهما تؤكد لنا أنّ الخلاص يتطلب عملاً لا يستطيع أن يعمله أحد إلا الله، وإن كانت الثانية تؤكد لنا أن الله يخلّصنا إن كنّا نؤمن بالرب يسوع، فيمكننا بكل ارتياح أن نستنتج أنّ الله يعطي لكل الذين يؤمنون بالمسيح كل ما يتطلبه الخلاص. إنّ الله يجري معجزة الولادة الجديدة لكل الذين يؤمنون بالمسيح، وإيمانهم هو أقوى برهان على أنهم وُلدوا ثانية.

نحن نثق في الرب يسوع لأجل ما لا نستطيع أن نفعله بأنفسنا ولو كان الأمر في متناول أيدينا، فما حاجتنا أن ننظر إليه؟. من جانبنا علينا أن نؤمن، وعلى الرب أن يخلقنا من جديد. الله لا يستطيع أن يؤمن عوضاً عنا، كما أننا لا نستطيع أن نجري خليقة جديدة بدلاً منه. يكفينا أن نطيع وصيّته المباركة وهو كفيل بأن يتمم فينا الولادة الجديدة، والذي استطاع أن يصل إلى الموت موت الصليب لأجلنا يستطيع أيضاً أن يعطينا كل ما نحتاج إليه لضماننا الأبدي.

على أن تغيير القلب وتجديده هو بعمل الروح القدس، ذلك العمل السري الذي لا يمكن إدراكه إلا عن طريق نتائجه. هناك أسرار عجيبة تدور حول الولادة الطبيعية، ومحاولة تفسيرها أو إدراكها يدخلنا في حلقة مفرغة من البحث والتفكير، فكم بالأحرى محاولة فهم أسرار روح الله؟. {الريح تهب حيث تشاء، وأنت تسمع صوتها، ولكنك لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهب. هكذا كل من ولد من الروح} (يوحنا 8:3). والذي نعلمه علم اليقين أنّ عدم إدراكنا لسر عمل الروح القدس لا يقف حائلاً دون الإيمان بالمسيح الذي يشهد له الروح القدس نفسه.

إذا طُلب من إنسان أن يزرع حقلاً، فليس في إمكانه أن يعتذر عن عدم زرعه للحقل بالقول إنّ الله لم يُفهمه كيف تنمو الحبة. وليس لأحد عذر في عدم القيام بواجباته بحجة أنّه إن لم يبنِ الرب البيت فباطلاً يتعب البناؤون (مزمور 1:127). من المؤكد أنه لا يوجد شخص يؤمن بالمسيح إّلا ويعمل فيه الروح القدس في الحال، وأنّ إيمان مثل هذا الشخص برهان على أنّ الروح القدس بدأ يعمل في قلبه.

الله يستخدم العناية الإلهية في معاملته مع البشر، لكنّهم لا يبالون بها، ومع أنّهم لا يقدرون أن يتحركوا بدون القوة الإلهية التي تهبهم الحياة والقوة، إّلا أنهم يسيرون في طريقهم دون اكتراث بالقوة التي تُعطى لهم يوماً بعد يوم من ذاك الذي بيده نسمة حياتهم وكل طرقهم. فالأمر إذاً بالنعمة وليس بالسعي والاجتهاد. وهكذا في الأمور الروحية، نحن نتوب ونؤمن، مع أننا لا نستطيع أن نفعل كلا الأمرين لو لم يمكننا الله من ذلك. نحن نبغض الخطية، ونثق بالمسيح، وحينئذ ندرك أنّ الله هو الذي عمل فينا لأن نريد وأن نفعل حسب مسرة مشيئته، ومن الغباوة أن نختلق أية صعوبة من جهة هذا الأمر.

هناك حقائق وإن كان يصعب شرحها بالكلام، إلا أنها سهلة الاختبار. لا يوجد أيّ تناقض بين الحق القائل بأن الخاطئ ينبغي أن يؤمن، وبين الحق القائل بأن الروح القدس قد عمل فيه لكي يؤمن، والحماقة وحدها هي التي تقود الناس لبلبلة أفكارهم من جهة أمور واضحة بينما نفوسهم وأرواحهم في خطر. لا يوجد شخص يرفض أن يدخل في قارب النجاة بحجة أنه يجهل الكثافة النسبية لجسم الإنسان. ولا يوجد جائع يرفع الطعام لأنه لا يفهم وظائف الهضم وعمليات التمثيل الغذائي نظرة جديدة وأنت أيها القارئ، إن كنت لا تريد أن تؤمن حتى تفهم كل الأسرار، فإنك لن تخلص قط، وإن كنت تسمح لنفسك بأن تختلق صعوبات وهمية تمنعك عن قبول الغفران المقدّم لك من إلهك ومخلصك، فإنك ستهلك في دينونة عادلة. فإياك أن تقتل نفسك بنفسك محمولاً بدافع الاستفهام عن أمور غامضة.