العودة الى الصفحة السابقة
القبر الفارغ

القبر الفارغ

جون نور


تبدأ قصة القيامة في الأناجيل الأربعة، بزيارة بعض النساء للقبر باكراً جداً في صباح يوم أحد القيامة، وكم كانت حيرتهن شديدة إذ لم يجدن جسد الرب في القبر، وهذا معناه طبعاً، أن القبر كان فارغاً. وما هي إلا أيام قلائل، حتى بدأ الرسل ينادون ويكرزون بأن يسوع قد قام، وهذا هو جوهر رسالتهم وكرازتهم. ولم يكن من المعقول، أن الرسل يجاهرون بهذا الأمر، وليس بينهم وبين القبر سوى مسيرة دقائق معدودة. لكن الحقيقة الواقعة هي أن القبر كان فارغاً، ولا بد من تقديم تفسير لهذه الوقائع.

التفسير الأول لحقيقة القبر الفارغ

  • التوجه خطأ إلى قبر آخر

    هذه نظرية تقول إن النساء ذهبن خطأ إلى قبر آخر، وكان الظلام باقياً، وقد تملكهن الحزن، الأمر الذي يجعل من السهل أن يرتكبن خطأ.

    ولو بدا هذا القول مقبولاً ظاهرياً، إلا أنه يحتاج إلى فحص وتدقيق، فلم يكن الظلام حالكاً بل كما قال يوحنا (1:20) {إن النساء أتين والظلام باق}. وقال متى: {عند الفجر} (1:28). وقال لوقا: {في أول الفجر} (1:24). أما مرقس فيقول بصراحة: {أتين إذ طلعت الشمس} (2:16). زد على ذلك، لم تكن النسوة غبيات، وعلى الأقل عرفت اثنتان منهنّ، أين وضع يوسف ونيقوديموس الجسد (مرقس 47:15، لوقا 55:23) وراقبتا كل عملية الدفن لأنهما {كانتا جالستين تجاه القبر} (متى 61:27). والاثنتان كلتاهما (مريم المجدلية ومريم أم يوسف) رجعتا عند الفجر، وجاءتا بسالومة معهما (مرقس 1:16)، وأيضاً بيونا {والباقيات} (لوقا 10:24). فلو أن واحدة ضلت الطريق أو أخطأت القبر، لاستطاعت الباقيات أن يصلحن خطأها أو يهدين ضلالها. ولو أخطأت مريم في المرة الأولى وذهبت إلى مكان غير المكان المقصود، لما أخطأت مرة أخرى عند رجوعها في وضح الصباح حيث بقيت في البستان إلى أن التقت بيسوع.

    فضلاً عن ذلك، لم يكن الحزن العاطفي هو الذي جاء بهن إلى القبر، وإنما أتين بهمة أخرى {حاملات الحنوط الذي أعددنه {ليدهن جسد يسوع لأن حلول السبت قبل ذلك بيومين، لن يترك لهن فرصة لإعداد الحنوط والأطياب اللازمة. وليس من السهولة بمكان، أن مثل هؤلاء النسوة اللواتي افرزن أنفسهن لهذا العمل، ليس من السهولة أن يخدعن، ولو أنهن اخطأن القبر، فهل يمكن لبطرس ويوحنا اللذين ركضا ليتحققا الخبر، أو لغيرهما ممن لحقوا بهما، وأيضاً يوسف الذي من الرامة ونيقوديموس، هل يمكن أن جميعهم يرتكبون الخطأ نفسه؟

  • الإغماء والغيبوبة:

    يذهب أصحاب هذه النظرية إلى القول، إن يسوع لم يمت فوق الصليب، لكن أغمي عليه، ثم أفاق في القبر، وخرج منه في ما بعد، وأظهر لنفسه لتلاميذه.

    تحف بهذه النظرية مشاكل عديدة، وهي في حد ذاتها باطلة أصلاً وفصلاً، يناقضها الدليل كل التناقض. لقد تعجب بيلاطس، أن يسوع مات كذا سريعاً، فدعا قائد المئة وسأله هل له زمان قد مات (مرقس 44:15، 45). ولما تأكد بيلاطس من ذلك، وهب الجسد ليوسف. ولعل قائد المئة استطاع أن يعطي بيلاطس التأكيد الكافي، لأنه شاهد بأم عينه، {واحداً من العسكر طعن جنبه بحربة وللوقت خرج دم وماء} (يوحنا 34:19). فأخذ يوسف ونيقوديموس الجسد؛ أنزلاه ولفاه بكتان، ووضعاه في قبر منحوت. فهل يمكن أن نصدق أنه كان طوال هذا الوقت في غيبوبة، وأنه بعد آلام ومرائر محاكمته والاستهزاء والصلب، استطاع أن يعيش مدة ست وثلاثين ساعة، في قبر منحوت في الصخر، لا تدفئة فيه ولا طعام ولا تضميد لجراحه الثخينة؟ أو أنه استطاع أن يستجمع قواه ويقوم بعمل فائق للطبيعة فيحل ذاته من الكتان (الكفن) ثم يرفع الحجر الكبير عن القبر، وكل ذلك في غفلة من الجند الروماني؟ وأنه وهو المتعب والضعيف والجائع، يقف أمام تلاميذه ويقنعهم بأنه قهر الموت؟ وأنه جاهر بموته وقيامته، وبأنه سيرسلهم إلى العالم أجمع، ووعدهم أن يكون معهم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر؟ وأنه سوف يمكث على الأرض، أربعين يوماً، ومن ثم يختفي، بينما لا نرى أحداً ظاهراً يطعمه أو يأويه، كما أن أحداً لم يره يموت بعد أن قام من القبر؟ فكيف نصدق هذه النظرية التي هي أبعد تصديقاً مما شك فيه توما؟

  • لصوص سرقوا الجسد.

    أشاع الأعداء، أن بعض اللصوص أتوا ليلاً وسرقوا جسد يسوع.

    ليس من دليل أو شبه دليل يؤيد هذا الزعم، فكيف نفسر مجيء اللصوص إلى القبر وكيف دحرجوا الحجر الكبير والمختوم بخاتم السلطات، في غفلة من الحراس الرومان الساهرين؟ ولا يمكن أن يتصور عقل كيف يجرؤ اللصوص على سرقة الجسد وترك الأكفان في موضعها، أو ما الذي دفعهم إلى هذا العمل؟

  • التلاميذ سرقوا جسد يسوع:

    يسجل لنا متى في إنجيله، أن اليهود ابتدعوا هذه الإشاعة، ونشروها حالاً بعد القيامة. {قولوا إن تلاميذه أتوا ليلاً وسرقوه ونحن نيام. وإذا سمع ذلك عند الوالي فنحن نستعطفه ونجعلكم مطمئنين}

    فالتلاميذ إن صح ذلك فهم كانوا ينادون، بما لا يؤمنون به؟ ولو أنهم سرقوا جسد المسيح، لكانت كرازتهم بالقيامة، تعني المناداة بالكذب والباطل. ولم يبلغ بهم الأمر حد الكرازة بالقيامة فحسب، بل احتمال الآلام والأهوال في سبيلها. فهل كانوا على استعداد للذهاب إلى السجون، وللجلد بالسياط. وللموت لأجل سرد قصة خيالية؟ لا شيء أوضح في الأناجيل وسفر الأعمال، مثل وضوح إخلاص الرسل وولائهم لسيدهم ورسالتهم. وإن كانوا مخدوعين، فلن يكونوا خادعين، والمراؤون والشهداء ليسوا من جبلة واحدة أو طبيعة واحدة.

إنها القيامة التي حولت جبن بطرس إلى شجاعة وجرأة، وحولت شكوك يعقوب إلى إيمان. إنها القيامة! هي التي أبدلت السبت بالأحد وأتت بالبقية اليهودية المختارة، إلى الكنيسة المسيحية. هي القيامة التي غيرت شاول الطرسوسي من فريسي ناموسي إلى رسول للأمم، وحولت اضطهاده المرير للمسيحيين إلى كرازة باسم المسيح.

هذه هي دلائل القيامة!

وبما أن القبر ظل فارغاً، والأكفان بقيت فيه موضوعة، والرب قد ظهر ورأوه، والتلاميذ تغيروا وتطوروا، فلا يبقى من دليل آخر سوى تأكيد الحقيقة المسيحية العظيمة! {الرب حقاً قام}