العودة الى الصفحة السابقة
اتخاذ قرار حاسم

اتخاذ قرار حاسم

جون نور


يبدو أمراً غريباً عند كثيرين من الناس فكرة ضرورة اتخاذ قرار حتى يصبح أحد مسيحياً. ويذهب البعض إلى أنهم مسيحيون لأنهم ولدوا في بلاد مسيحية، أو في بيت مسيحي أو تسجلوا في طائفة مسيحية، ويذهبون في زعمهم إلى حد القول: {على كل حال، لسنا من الدين الفلاني ولا من المذهب الفلاني، ولكننا مسيحيون}!، بينما يزعم البعض الآخر، أنهم إذ قد حصلوا على ثقافة مسيحية، وتعلموا أن يقبلوا العقيدة المسيحية والمقاييس المسيحية للسلوك والتصرف، إذاً لا حاجة لهم إلى مزيد. ولكن مهما كان حسب الإنسان ونسبه، ومهما كانت تربيته وثقافته، فإنه مضطر إلى تحديد موقفه بالنسبة للمسيح: هل يقبله أم يرفضه؟! ولا مناص للبقاء على الحياد، ولا يقدر أي إنسان آخر سواي أن يحل هذه المشكلة لي، وعلي أن اقرر لنفسي.

ولا يكفي أن نوافق على كل ما جاء في هذا الكتاب، وقد نتفق على قوة الأدلة على لاهوت المسيح، وأنه في الواقع ابن الله، كما نؤمن أنه جاء وعاش ومات مخلصاً للعالم، وقد نعترف بأننا خطاة ونحتاج إلى مخلص مثله. أي من هذه الأمور لن يجعل منا مسيحيين حتى ولو اجتمعت جميعها معاً. فالاقتناع العقلي شيء والعزم الأدبي الصادق شيء آخر. والإيمان بحقائق خاصة عن شخص المسيح وعمله ضروري مبدئياً، بينما الإيمان الحقيقي يترجم هذا الإيمان العقلي إلى ثقة وتصديق، ويجب أن يقودنا الاقتناع العقلي إلى تسليم وخضوع شخصي.

في الكتاب المقدس الكثير من الآيات التي توضح فكرة القرار أو العزم الذي يجب أن يتخذ والخطوة الواجب اتباعها لذلك. هلم إلى إحداها، فالمسيحيون بوجه عام يحبونها، وقد نطق بها السيد المسيح لكثيرين من طالبيه، وهي الآية التي كانت سبب تسليم قلبي إليه، وتحوي كلماته شخصياً، ألا وهي: {هاأنذا واقف على الباب واقرع، إن سمع أحد صوتي وفتح الباب ادخل إليه وأتعشى معه وهو معي} (رؤيا 20:3).

القلب البشري أو النفس البشرية هنا مشبه بالبيت، ولكل واحد منا حياته الخاصة التي يحياها، وبيته الخاص الذي يديره، وأنا ملك في بيتي وبالحري في قلعتي، كما أنك ملك في قلعتك. زد على ذلك أن تخوم قلعتنا وحدودها مقدسة ومحمية، ولا نسمح لكائن من كان أن يدخل بدون إذن منا. إن ربنا يسوع المسيح واقف على الباب الخارجي لبيوتنا، أو بالحري بيوت شخصياتنا، قارعاً طالباً الدخول، والقرار الذي يجب أن نقرره بسيط جداً، ألا وهو هل نسمح له بالدخول أم نرفضه؟

وأرى، إجلاء للحقيقة وتوضيحاً للقرار الذي يجب أن نأخذه، أن اطرح أسئلة عن هذا البيت وعن صاحبه الساكن فيه، وعن الضيف الزائر.

السؤال الأول: من يسكن في البيت؟

ولعل أفضل جواب هو: {كل إنسان}، ويرمز البيت إلى كل قلب، وساكنه هو الفرد صاحبه، أنت أو أنا. ولكن من نحن؟ ولماذا يزورنا يسوع المسيح؟

نحن خطاة ويزورنا لأننا خطاة، وقد جاء إلى بابنا لا لأننا نستحق أن يزورنا، ولكن لأننا في حاجة إليه.

السؤال الثاني: من هو الضيف؟

إنه يسوع الذي يشهد له التاريخ، فليس مجرد شخصية خيالية ولا بطلاً روائياً. إنه رجل الناصرة الذي تثبت دعاواه وطبيعته وقيامته، إنه ابن الله، وفضلاً عن ذلك، فهو المخلص المصلوب. وما اليد التي تقرع على الباب، إلا يده المثقوبة، والرجل التي تقف على العتبة إلا تلك التي دقت فيها المسامير. أنه هو هو ذاك الذي مات من أجل خطايانا فوق الصليب. المسيح المقام من بين الأموات، ، وما أصعب أن نفهم كيف أن شخصاً مثله، له كل هذا الجلال والمجد، يتنازل ويزور فقراء عمياناً وعراة مثلنا؟

السؤال الثالث: ماذا يعمل؟

إنه واقف، جاء هو إلينا، إلى باب بيتنا، وربما جاء منذ وقت طويل، فهل تعرف كم سنة تركته واقفاً ينتظر؟

ولا يقتصر المسيح على وقوفه بل {يقرع}. لقد جاء ووقف. ونلاحظ أن صيغة الفعل {يقرع} هي صيغة المضارع، وهذا يعني استمرار قرعه على الباب، فإنه لا يتركنا في حيرة أو غفلة بل يعرفنا بوجوده وحضوره، كما يعرفنا بقصده.

ماذا يريد أن يفعل؟

إنه يطلب الدخول. لهذا يقف على الباب، لا على النافذة. ، وعلينا أن نقرر فتح الباب له وندعوه لكي يدخل. قد يصعب علينا تصديق القول أنه يبغي الدخول، لكنها حقيقة واقعة. إن هذا عينه ما يريده. ذاك الذي لا يسكن في هياكل مصنوعة بالأيادي والذي لا تسعه السماوات ولا سماء السماوات، يرضى أن ينحني لكي يدخل الكوخ الحقير في قلوبنا الخاطئة.

ولكن لماذا يريد الدخول؟

لقد رأينا، فيما سبق، الأسباب لذلك؛ لأنه يريد أن يكون مخلصاً ورباً لنا. فقد مات لكي يكون مخلصنا. فإذا ما قبلناه، فسوف يمارس فوائد موته لنا شخصياً. وسرعان ما يدخل البيت حتى يبدأ عمله الأول بتنظيفه وتجديده وتزيينه وتأثيثه. أو بعبارة أخرى، سوف يطهرنا ويغفر لنا ويمحو كل ما علمناه في الماضي. وأيضاً يريدنا أن نعطيه نفوسنا. كنا غرباء فأصبحنا أحباء، كان بيننا باب مغلق، أما الآن فإننا نجلس على المائدة الواحدة معاً.

يقول يسوع: {إن سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل إليه}. يجب على كل إنسان أن يتخذ قراره بنفسه، ويخطو هذه الخطوة بشخصه. لا يمكن لإنسان غيرك أن يفعل هذا عنك،يمكنك أن تأخذ هذه الخطوة مرة واحدة فقط، لأنه عندما يدخل يسوع فسيغلق الباب ويضع المتاريس من الداخل إن المسيح نزل إلى العالم ومات من أجل خطاياك، وها هو قد جاء ووقف خارج باب بيت حياتك قارعاً، ولا من مزيد بعد ذلك، وعليك أنت أن تأخذ الخطوة التالية، وها يده على الباب تقرع، فهل تمد يدك إلى المزلاج لتفتح؟

ويقول الروح القدس: {اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم} (عبرانيين 7:3، 8). أرجوك ألا تؤجل فتح باب قلبك ليسوع، بل افتحه الآن!