العودة الى الصفحة السابقة
الصليب يفسر الإنجيل

الصليب يفسر الإنجيل

جون نور


أن الأخبار السارة كانت في الطريق إلينا، فهذا واضح من الوقت الذي ولدت فيه مريم ابنها البكر، وأعطته بإرشاد السماء، اسم {يسوع}. هنا استعلنت المسرة للناس.

كان ذلك في أول خطوة من خطوات إرسالية نعمته. وخطوة فخطوة بدأت تتكشف البشارة السارة، وهو أي يسوع يجول يصنع خيراً بين الناس، ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس، ويقدم رسالة المحبة لعالم البغضاء. ولكننا لم نستطع أن نعرف إلى حد الكمال، مدى عظم رسالته، والبشارة التي كونت إنجيله المجيد، ألا بعد أن ارتفع الصليب وسفك الدم. والإنجيل هو الأخبار السارة التي تدور حول حامل خطايانا – التي تدور حول ذلك الموت، الذي هو الحياة الأبدية لنا. التي تدور حول ذلك الدم، الذي يطهر ضمائرنا من أعمال ميتة لنعبد الله الحي، ويصالحنا مع الله. هنا نرى في الصليب سحق عقب نسل المرأة، في عملية سحق رأس الحية. وهذه أعظم الأخبار السارة للبشرية.

إن الصليب هو توافق كل سؤال يثيره العهد القديم وشرائعه. إنه تسوية كل المتطلبات ضد الخاطئ، وهذه هي الأخبار السارة. الصليب هو نقطة الالتقاء بين الإنسان الخاطئ وبين الله، حيث هناك سفراء السلام يدعون الشارد ليرجع ويحيا، والثائر ليتصالح مع الله. هنا ختم عهد المصالحة، ودفع الدين، وقدمت الفدية. أليست هذه هي الأخبار السارة العظيمة؟ وهل توجد بشارة أعظم من هذه؟.

نحن افتدينا لكي نطيع الأمر، وتحررنا لكي نخدم. كما ورد قول الله لفرعون: {أطلق شعبي ليعبدوني} – والصليب يحدد لنا الخدمة ويظهر لنا طبيعتها. إنها ليست عبودية الإلزام المذلة، بل خدمة المحبة والحرية، ولكنها أيضاً خدمة العار، والهوان، والضيقات.

لقد صلبنا مع المسيح … وهذا يحدد مقامنا كقديسين. إننا أتباع مصلوبون لمسيح مصلوب. وبصليب ربنا صلب العالم لنا، وصلبنا نحن للعالم. ولكن علينا، علاوة على هذا، أن نحمل صليبنا كل يوم، ونتبع مسيحنا. وليس صليبه هو الذي نحمله. لأنه من يستطيع أن يحمل صليب فداء البشرية، ألا فادي البشرية وحده؟. هو وحده، وليس سواه، الذي يستطيع أن يقوم بهذا. أما نحن فلنا صلباننا، التي تدعونا إلى إنكار النفس، واحتمال المشقات، ووادي الاتضاع، وصخور التجارب، وبرية إنكار الناس لنا، تماماً كما احتمل سيدنا. نعم، إنه صليبنا الخاص، الذي علينا أن نحمله. وهو صليب لم نصنعه نحن، لأن الصلبان التي نصنعها لأنفسنا هي بسبب شرورنا التي نقترفها. ومع ذلك فهو صليبنا الشخصي. ولكل واحد صليبه الخاص، صليب هو شعار الفخار للتلمذة الصادقة. علامة أصلية للخدمة الحقيقية. أما صليبه الذي حمله المسيح من أجلنا، فقد حدث وتم، وقال فيه {قد أكمل}، ولا يمكن أن يحمل مرة أخرى. لا يستطيع أحد آخر أن يحمله، ألا يسوع وحده. وكما أن له الصليب ليحمله عنا، فإن لنا – مع الفارق – الصليب الذي نحمله من أجله، ولذلك فإن علينا، في دخولنا لدائرة خدمة المسيح، إن نحسب الكلفة. وفي اتباعه، علينا أن نصطبغ بالصبغة التي اصطبغ بها. وفي التمثل به، علينا أن نشرب الكأس التي تجرعها. علينا أن نحمل صليبنا، ولا نتراجع. لقد كان هذا شعار الفخار في خدمته لنا، وينبغي أن نقبل صلباننا كشعار الفخار في خدمتنا له.

إن العالم يرى في الصليب صخرة عثرة له، وذلك في طريقين: فهو يجعل أولئك الذين يحملونه موضوع كره واحتقار الآخرين، وهو – في حد ذاته – موضوع الكره والاحتقار. وهكذا، فإنه في الوقت الذي يوجد فيه القديسين، يعزلهم ويفصلهم عن العالم. إنه العلم الذي ضده يلتف المقاومون والمعاندون، وهو العلم الذي يلتف حوله القديسون.

وهناك أعداء لصليب المسيح، وهناك أعداء للمسيح نفسه. وعن هؤلاء وأولئك يتحدث الرسول بأن {نهايتهم الهلاك}. وهكذا فإن الصليب هو الحياة، وهو في نفس الوقت الموت. هو الخلاص، وفيه أيضاً العثرة والهلاك. إنه الصولجان الذهبي، والقضيب الحديدي. هو عصا الراعي المحب، وهو سيف المنتقم الناري. إنه شجرة الحياة وكأس البركة، وهو كأس غضب الله وسخطه.

لا تحاول أن تتنصل من المسئولية فيما تسميه بالحياد، محاجاً نفسك بأنك ما دمت لست مجدفاً، ولا مستبيحاً، فأنت لست بالعدو للصليب. تذكر ما يقوله رب الصليب: {من ليس معي فهو عليّ}، فصداقة هذا العالم هي عداوة لله. إن الصليب سوف يكون شاهداً عليك في يوم الدين، حينما يجلس المصلوب ملكاً دياناً على عرش القضاء.

لدى المسيحيين الأولين، تقليد يقول إن علامة الصليب المضيئة سوف تظهر في السحاب حينما يجيء رب المجد ثانية، كسابق يشير لمجيئه. وسواء كان هذا خيالاً أم حقيقة فإن علامة الصليب، في ذلك الوقت، سوف تكون مصدر رعب بالغ لأعداء الصليب. إنها لن تكون علامة خلاص، بل رمزاً لدينونة رهيبة … لن يكون لأولئك سماح الصليب، بل ستكون لهم دينونة الصليب. أن يأخذوا من الصليب غفرانه، بل ستكون لهم لعنته ودينونته وهوانه، وتلك المحبة التي استعلنت طيلة فترة المراحم ستتحول إلى غضب الإله الناقم، والنور الذي شع منه بالحنان والهدى سيتحول إلى ظلمة الردى. وشمسهم ستغيب ولا نور ينير، وقمرهم لن يكون!.

هنا سيبدأ الليل الأبدي في سجن العذاب الأبدي!.