العودة الى الصفحة السابقة
الطريق إلى الملكوت

الطريق إلى الملكوت

جون نور


إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله} (يو 3:3).

تحوي هذه الآية موضوعاً من أهم موضوعات المسيحية - إن لم يكن أهمها - ألا وهو موضوع الميلاد الثاني. وقد حدده ربنا يسوع المسيح له المجد بوضوح تام إذ قال: {إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله}. من هذا يتبين أن حقيقة الميلاد الثاني هي الأساس الذي يرتكز عليه كل رجائنا في الأبدية. إنها ألف باء العقيدة المسيحية، وما لم يفهم الإنسان هذه الحقيقة فإنه سيكون من الصعب عليه أن يدرك حقائق أخرى كثيرة في الكتاب المقدس. والفهم الصحيح لهذا الموضوع يعين الإنسان على تفهم صعوبات كثيرة قد تصادفه في كلمة الله، فبعد الحصول على الميلاد الثاني تصبح كل الأمور، التي كانت غامضة وغير مفهومة، في منتهى الوضوح.

أتى نيقوديموس وهو احد رؤساء الدين اليهودي إلى المسيح وهو يحمل في فكره المضطرب موضوعات كثيرة تقلقه وتشغل باله، وإذا بالمسيح له المجد يقول له: {ينبغي أن تولد ثانية}. لقد عومل بطريقة تختلف اختلافاً كلياً عما كان يتوقع، لكني أعتقد أن تلك الليلة كانت أعظم ليلة في حياة نيقوديموس، فالميلاد الثاني هو أعظم بركة يمكن أن نحصل عليها في هذه الحياة.

وفي الكتاب المقدس توجد آيات أخرى كثيرة تبدأ بعبارة {إن لم} أقتبس منها ثلاثة:

{إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون}(لو 3:13).

{إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السماوات}(مت 3:18)

{إن لم يزد بركم على الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السماوات}(مت 20:5)

وهذه الآيات كلها تؤدي إلى نفس المعنى الذي قصده الرب يسوع المسيح من قوله لنيقوديموس.حاجة إلى التجديد}. لنذكر أن نيقوديموس كان من أتقى رجال أورشليم، ولم يذكر الكتاب أي شيء ضده، ومع ذلك فقد كان في حاجة إلى التجديد.

التجديد لا يعني الذهاب إلى الكنيسة. او فعل كل ما هو صالح، او الصلاة بانتظام، فليس كل من يصلي قد اختبر التجديد، بل إن صلاة الشرير مكرهة لدى الرب.

{إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله}، هذا هو الأساس الوحيد الذي ينبغي أن نستند عليه في اختبارنا، لمن وجه الرب يسوع المسيح هذه الكلمات؟.. لنيقوديموس؟ ومن هو نيقوديموس؟… هل كان سكيراً مقامراً أو لصاً؟ كلا، لقد كان بكل تأكيد أحد الرجال الأفاضل في أورشليم. كان مشيراً، محترماً، عضواً في مجلس السنهدريم. كان له مركز عظيم بين أبناء شعبه. كان رجلاً مستقيماً من أحسن الناس خلقاً. ومع ذلك، ماذا قال له السيد؟…{إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله}.

عندما صرخ الرب يسوع المسيح على الصليب قائلاً {قد أكمل} فإنه كان يعني ما يقول. فكل ما على البشر أن يعملوه الآن هو أن يقبلوا عمله على الصليب. لا يوجد رجاء لأي إنسان يحاول أن يعمل لكي يخلص. الكثيرون يسألون كما سأل نيقوديموس قائلين: {كيف يمكن أن يكون هذا}؟. لقد كان ذلك الكلام غريباً على أذنيه، وبالنسبة للكثيرين في أيامنا هذه فإن الحديث عن الميلاد الثاني غريب على آذانهم، وهم يطالبون قائلين: {عليك أن تثبت لنا هذا الأمر، وإلا فلا تطلب منا أن نصدقه}. وأما أنا فأقول بكل صراحة إنني لا أستطيع أن أثبت حقيقة الميلاد الثاني، {الريح تهب حيث تشاء وتسمع صوتها لكنك لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهب، هكذا كل من ولد من الروح} (يو 8:3).

أنا لا أفهم كل ما يتعلق بالريح، فعندما تسألني أن أشرح لك طبيعتها فأنا لا أستطيع. قد تهب هنا من الشمال وفي مكان آخر من الجنوب، وعندما ارتفع عن الأرض بمئات الأقدام فقد أجدها هناك تهب في اتجاه عكسي لما هي عليه هنا على الأرض، وأنت تسألني أن أشرح لك كيفية حدوث هذه التيارات الهوائية، لكن هل بسبب عدم تمكني من الإجابة على سؤالك، وبسبب عدم فهمك لطبيعة الريح تقول: {لا يوجد ذلك الشيء الذي يسمونه الريح}؟!. لو سمعتك طفلة صغيرة وأنت تقول هذا فإنها تحدث الناس عنك قائلة: {أنا أعرف عن الريح أكثر مما يعرف ذلك الرجل، فأنا أحس بها تهب وتداعب شعري، وقد أطارت مظلتي من يدي منذ عدة أيام، ألم ترها وهي تطيح بقبعة ذلك الرجل من على رأسه في الشارع؟ ألا تراها وهي تداعب أغصان الأشجار في الغابة وتلاعب أعواد القمح في الحقول}.

قد تقول لي إنه لا يوجد ذلك الشيء الذي يسمونه الريح، وقد تؤكد لي أنه لا يوجد ذلك الاختبار الذي يسمونه الميلاد الثاني، لكنني أحسست بروح الله يعمل في قلبي تماماً وبالتأكيد كما أحسست بنسمات الريح وهي تداعب وجهي. أنا لا أستطيع أن أفسر هذا الأمر، لكن كم من أشياء كثيرة لا أستطيع أن أفهمها ومع ذلك فأنا أصدقها. أنا أرى العالم لكنني لا أستطيع أن أعرف كيف أوجده الله من العدم، لكن هذا لا يدفعني أن أنكر وجود تلك القوة الخالقة التي يعترف بها الجميع.

خرج بعض الشبان في رحلة إلى الريف، وفي بداية الرحلة اتفقوا على ألا يصدقوا أي شيء لا يستطيعون فهمه. سمعهم رجل متقدم في الأيام فقال لهم: {سمعتكم تقولون إنكم لن تصدقوا شيئاً لا تستطيعون أن تفهموه}، فأجابوا: {نعم، الأمر كذلك}، قال لهم: {حسناً، في قدومي إلى هنا هذا الصباح رأيت بعض البط والخراف والأبقار وكلها تأكل العشب، فهل يستطيع أحدكم أن يخبرني كيف يتحول نفس العشب إلى ريش وصوف وشعر؟ أليست هذه حقيقة}؟، فأجابوا قائلين: {نعم إنها كذلك، ولكننا لا نعرف كيف يتم هذا الأمر}. وأنا أيضاً، عندما أرى الناس يتغيرون وتصلح حياتهم المعوجة، أجدني ملزماً أن أصدق موضوع التجديد رغم أنني لا أفهمه. أستطيع أن أرى الغرقى في طين الحمأة ينتشلون وتثبت أرجلهم على صخر الدهور وتوضع في أفواههم ترنيمة جديدة، تلك الألسنة التي كانت تشتم وتجدف الآن تهلل وتسبح، الأشياء العتيقة قد مضت والكل قد صار جديداً. إنهم لم يصلحوا فقط بل تجددوا وأصبحوا {خليقة جديدة في المسيح يسوع}.