العودة الى الصفحة السابقة
متى نصلي؟

متى نصلي؟

القس. جون نور


يتخذ البعض من عبارة الرب يسوع المسيح في عظته الشهيرة على الجبل {ومتى صليت..} (متى 6:6)، ذريعة لعدم الالتزام بمواعيد محددة للصلاة، والسبب في ذلك أن الرب يسوع نفسه لم يحدد وقتاً، ولم يلتزم بوقت لصلاة من المواقيت التي أشار إليها العهد القديم صراحة أو ضمناً. لهذا أصبحت عبارة {متى صليت..} عند بعض المتعبدين لا تزيد عن (متى شعرت بشوق أو رغبت أو كنت تواجه ظروفاً صعبة أو تجربة مؤلمة أو ظروفاً مُلحة تدفعك للصلاة)، غير أن أمور العلاقة مع الله لا يمكن أن تتحرك وفق مفاهيم فوضوية أو احتياجات انتهازية فقط، بمعنى أن تظهر {كلمات متى صليت} وتختفي حينما يكون أو لا يكون هناك احتياج واضح.

وضع اليهود الأتقياء مواعيد محددة للصلاة، فكانت أوقات الصلاة هي الساعة الثالثة والسادسة والتاسعة حسب التوقيت اليهودي، أي الساعة التاسعة صباحاً والثانية عشرة ظهراً والثالثة بعد الظهر حسب توقيتنا الحالي، وكان على اليهودي أن يتوقف أينما كان في هذه المواعيد ليصلي.

ويذكر كتاب {المجموع الصفوي} أن الرسل في عصور الكنيسة الأولى علّموا المؤمنين بأهمية الصلاة سبع مرات في اليوم الواحد، وهذه الصلوات هي:

صلاة الساعة الأولى، الثالثة، والسادسة والتاسعة، والحادية عشرة، والثانية عشرة ظهراً، ومنتصف الليل.

وقد أشير إلى هذا التوقيت عدة مرات في العهد القديم للتعبير عن اشتياق وإخلاص الراغب في التعبد لله قبل أن يزدحم وقته بمعارك الحياة اليومية الروتينية.

وفي سفر أيوب ينصح بلدد الشوحي صديقه أيوب قائلاً:{فإن بكّرت أنت إلى الله وتضرعت إلى القدير.. فإنه الآن يتنبه لك ويسلم مسكن برك}(أي 5:8).

ويصلي داود صلاته الحلوة وهو متعطش لله في برية يهوذا المؤلمة فيقول{يا الله إلهي أنت. إليك أُبكر. عطشت إليك نفسي. يشتاق إليك جسدي في أرض ناشفة ويابسة بلا ماء} (مز 1:63).

ويكتب الحكيم في سفر الأمثال عن الأشواق النابعة من قلوب المؤمنين ومحبة الرب لهم فيقول{أنا أحب الذين يحبونني والذين يبكرون إليّ يجدونني}(أم 17:8).

والسطر السابع: بمعنى أن تظهر أو تختفي كلمة متى حينما يكون أو لا يكون هناك احتياج واضح.

إن حياتنا لن تصلح إلا إذا أعطينا الباكورة – باكورة اليوم للرب – قبل أن تُشوّش وتلوث أفكارنا بكل ما يحيط بنا، وبالرغم من أن هذه الآيات تحكي عن أهمية اللقاء المبكر مع الله ولا شك أن تبكير المصلي يعبر عن أشواق وجهاد ورغبة في تكريس وقت أطول للتحدث مع الله والإصغاء إلى صوته وإرشاده.

توقيت الصباح أو صلاة الصباح

وهو التوقيت المعتاد للصلاة في حياة غالبية المؤمنين. نحن لا نتحدث عن الصلوات التلغرافية السريعة الممزوجة بضجيج الحياة، ولكننا نتحدث عن الأفراد الذين يضعون يومهم كله بين يدي الله في حديث متصل لا ينقطع. وهذا يبدو واضحاً في ترنيمة سليمان التي يصرخ فيها للرب قائلاً في ضيقة نفسه {انتظرتك يا رب انتظرت نفسي. نفسي تنتظر الرب أكثر من المراقبين الصبح}.(مز 6:130).

الوقوف قدام الرب كل صباح فيه تجديد للقوى الروحية وفيه تدعيم للعلاقة بين المخلوق وخالقه، هو يكلمني وأنا أسمعه وأنا أكلمه وهو يسمعني {يا رب بالغداة تسمع صوتي. بالغداة أوجه صلاتي نحوك وأنتظر}(مز 3:5).

والوقوف المستمر قدام الله يساعدني على أن أضع قدامه لحظة بلحظة كل أمور حياتي بمصاعبها واحتياجاتها المختلفة، يقول المرنم: {أما أنا فإلى الله أصرخ والرب يخلصني. مساء وصباحاً وظهراً أشكو وأنوح فيسمع صوتي} (مز 17:55، 16). وهو نفس ما صنعه دانيال حينما تآمر ضده جميع وزراء المملكة والشحن والمرازبة والمشيرين والولاة {حيث ذهب إلى بيته وكواه مفتوحة في عليّة نحو أورشليم فجثا على ركبتيه ثلاث مرات في اليوم وصلى وحمد قدام إلهه كما كان يفعل قبل ذلك}(دانيال 10:6).

ويكتب لوقا في سفر الأعمال أن اليهود كانت لهم عادة الاجتماع للتعبد في الصباح أيضاً إذ يكتب{وصعد بطرس ويوحنا إلى الهيكل في ساعة الصلاة التاسعة}(أع 1:3).

غير أنه من الواضح أن توقيتات الصلاة المنفردة لم يكن لها موعد محدد أو ثابت كالصلوات الجماعية أثناء العبادة.

توقيت المساء أو صلاة المساء

كان النبي دانيال يصلي ثلاث مرات في اليوم (دا 10:6)، وكان الرسول بطرس يصلي ظهراً (أع 9:10)، وكان داود يصلي في المساء لأن أحداث الغد أو بداية اليوم بالنسبة لليهود لا تبدأ إلا مع غروب الشمس لليوم السابق لشروق الشمس، واعتاد داود في هذا الوقت أن يأتي لله بمشاكل يومه وما جرى فيه حتى يقدر أن ينام قبل أن تختمر مشاكل يومه في رأسه فتدمر غده، فكان يصلي في الصباح ليبدأ يوماً جديداً بروح جديدة ومحبة جديدة وغفران جديد، وكان يصلي في الظهيرة ليستمد قوة جديدة من الله فلا تغرب الشمس على غيظه ولا يحتل إبليس مكاناً في قلبه (أف 26:4، 27). لقد علم داود يقيناً انه{.. عند المساء يبيت البكاء وفي الصباح ترنم}(مز 5:30).

ما أريد أن أقوله انك تقدر أن تأتي إلى الآب في كل وقت وفي كل حين لان يسوع حاضر في كل حين ليشفع فينا ونقدر أن نقترب إلى الآب به في كل حينٍ.