العودة الى الصفحة السابقة
أوضاع الصلاة الأوضاع الجسدية أثناء الصلاة

أوضاع الصلاة الأوضاع الجسدية أثناء الصلاة

القس. جون نور


يتكرر هذا التساؤل كثيراً عن الشكل أو الوضع الجسدي الذي ينبغي أن يكون عليه المُصلي أثناء الصلاة. وتتعدد أيضاً الآراء بشأن الوضع الأكثر أو الأفضل تعبيراً عن احترامنا لله أثناء الصلاة. فهناك مَن يرى أن الصلاة {وقوفاً} هي الأكثر تعبيراً عن التوقير والاحترام لله. غير أن هناك من يرى أن وضع السجود أكثر تعبيراً عن الخضوع وتبجيل الله عن غيره من الأوضاع.

تُرى ماذا يُعلّم الكتاب بشأن الوضع الجسدي الأنسب والأفضل للصلاة؟ هل يعلم الكتاب بأن هناك وضعاً جسدياً مُعيناً للمُصلي يجعل الصلاة مُرحباً بها ومقبولة لدى الله أفضل من وضع جسدي آخر؟!!

المبدأ والتعليم الكتابي يوصي ويعلم بما هو أبعد وأعمق من {الشكل الخارجي} أياً كانت صورته! والرب يسوع يعلم المرأة السامرية قائلاً {لكن تأتي ساعة وهي الآن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق. لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له. الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا}(يوحنا 22:4 – 24). إن السجود لله {بالروح والحق} (أخطر وأعمق) في تحديد قوة العلاقة وخضوع الفرد المصلي لله (من) الوضع الجسدي أو المظهر الجسدي الذي قد يكون خادعاً مرات كثيرة!! ولعل هذا يبدو واضحاً أيضاً في العهد القديم حينما ترنم داود قائلاً: {لأنك لا تُسر بذبيحة وإلا فكنت أقدمها. بمحرقة لا تُرضى. ذبائح الله هي روح منكسرة القلب المنكسر والمنسحق يا الله لا تحتقره} (مز 16:51، 17) ويقدم لنا الكتاب صوراً متعددة للأوضاع الجسدية للصلاة، غير أن الكتاب لم يعلّم تعليماً مباشراً عن الوضع الأفضل أو الأكثر قبولاً لدى الله. ويبدو واضحاً أن كُتّاب الأسفار في العهد القديم لم يهتموا كثيراً بذكر الأوضاع أثناء الصلاة أو مكانها أو توقيتها بقدر اهتمامهم بالصلاة نفسها وأهميتها والحاجة التي دعت إليها. غير أننا لا نستطيع أن ننكر أنه من الأهمية بمكان عظيم أن يظهر المصلي بالشكل الجسدي اللائق بكرامة وعظمة الله السيد والمتسلط على كل الأرض وحتى تكتمل الصورة الكتابية بالنسبة للأوضاع الجسدية للصلاة فإننا نذكر الأوضاع المختلفة بحسب ذكرها وإشارة الكتب المقدسة إليها:

الوضع وقوفاً:

يذكر البشير مرقس قول السيد لتلاميذه وهو يدعوهم ويحفزهم ليكون لهم إيمان بالله{ومتى وقفتم تصلون فاغفروا إن كان لكم على أحد شيء لكي يغفر لكم أيضاً أبوكم الذي في السماوات زلاتكم}.

ويذكر سفر الملوك الأول صلاة سليمان الملك الحكيم عند تدشين الهيكل وكيف أنه صلى هذه الصلاةوهو واقف أمام مذبح الرب.. وبسط يديه إلى السماء}(1ملوك 22:8).

ويقدم لنا نحميا النبي صورة جميلة لتوبة بني إسرائيل وتقديس ذواتهم للرب قائلاً:.. ووقفوا واعترفوا بخطاياهم وذنوب آبائهم..

والركوع وضع من أوضاع الصلاة القديمة المشهورة والمعروفة والتي يشير فيها المصلي إشارة رمزية للمُصلى إليه معلناً الخضوع والتسليم الكامل لسيادته ومشيئته ويبدو هذا واضحاً فيما يلي: توجد إشارة في سفر الملوك الأول إلى أن سليمان قد صلى أمام المذبح {واقفاً} أثناء تدشين الهيكل، إلا أنه يضيف أيضاً أنه قد استكمل صلاته ساجداً {وكان لما انتهى سليمان من الصلاة إلى الرب بكل هذه الصلاة والتضرع أنه نهض من أمام مذبح الرب من الجثو على ركبتيه..}(1ملوك 54:8، 2أخ 13:6).

ويرنم داود صلاته الحلوة للرب حاثاً شعب الله على إكرام وتعظيم وتوقير الرب قائلاً: {هلم نسجد ونركع ونجثو أمام الرب خالقنا. لأنه هو إلهنا ونحن شعب مرعاه وغنم يده}(مز 6:95).

وفي حديث الابن الرب يسوع المسيح مع الأب قبل الصلب يكتب البشير لوقا قائلاً: {إن الرب يسوع انفصل عن تلاميذه على جبل الزيتون نحو رمية حجر}{وجثا على ركبتيه وصلى..}(لوقا 41:22).

السجود وضع جسدي أكثر اقتراباً للأرض بالجزء العلوي للجسد مع وضع وملامسة الجبهة للأرض، وهي أكثر تعبيراً عن الاحترام والمهابة والتوقير، أو أكثر تعبيراً عن الخضوع والاستعطاف للملوك والسلاطين في العصور القديمة وحتى في أوقاتنا المعاصرة.

تُرى أيّ وضع تختار أثناء عبادتك؟! هل تختار الوضع واقفاً، أم راكعاً؟ هل تفضل أن تركع وتجثو أم تخر ساجداً قدام الرب؟! ألا تشتاق أن تقول مع كل المرنمين والمصلين {قدموا للرب يا قبائل الشعوب قدموا للرب مجداً وقوة.. اسجدوا للرب في زينة مقدسة. ارتعدي قدامه يا كل الأرض. قولوا بين الأمم الرب قد ملك}(مز 7:96 – 10).

عندما طلب التلاميذ من السيد المسيح أن يعلمهم كيف يُصلّوا، أتصور أن الإجابة جاءت مختلفة بعض الشيء عن تصوراتهم، فبدلاً من أن يعلمهم الوضع الأمثل، والشكل الأكثر قبولاً والألفاظ الأجمل وقعاً على الأذن، علّمهم أن يتحدثوا مع أبيهم السماوي ويتفاعلوا معه، وعلمهم أن يطلبوا مشيئته ويخضعوا لسيادته وسلطانه.

أن المظهر التعبدّي وحده لا يكفي، بل لا بد للأيدي المرفوعة بصورة ظاهرة قدام الناس أن تكون {أيادي طاهرة} أي لم تتدنس بالأعمال الشريرة والممارسات والسلوكيات الخاطئة، متفقاً في هذا مع ما قاله المرنم العظيم داود:{مَن يصعد إلى جبل الرب.. الطاهر اليدين والنقي القلب}وأكده أيضاً بالقول: {أغسل يدي في النقاوة فأطوف بمذبحك يا رب لأسمع بصوت الحمد وأُحدّث بجميع عجائبك}(مز 3:24، 4 و مز 6:26، 7).

قد تُجرّب وأنت تصلي قدام الناس بأن تنسى أنك تصلي لله، الإله الذي يفحص القلوب والكلى (مز 9:7، أر 20:11). وتهتم بصورتك الظاهرية فقط؛ لهذا قدم الرب يسوع أبلغ وأجمل تحذير لهؤلاء الذين يهتمون بتجميل صورتهم جيداً قدام الناس، دون اهتمام أو إدراك أو اختبار حقيقي لأهمية الصلاة لله وحده الذي حذر من هذا المسلك قائلاً: {ومتى صليت فلا تكن كالمرائين فإنهم يحبون أن يصلوا قائمين في المجامع وفي زوايا الشوارع لكي يظهروا للناس. الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم، وأما أنت فمتى صليت فادخل إلى مخدعك وأغلق بابك وصل إلى أبيك الذي في الخفاء فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية}(متى 5:6 – 7).

أتمنى أن تصلي الصلاة التي يحبها الله وهي صلاة الخفاء الصلاة التي تدور بينك وبين الرب فقط ولا يسمعها أحد إلا هو إن كانت لديك.