العودة الى الصفحة السابقة
الصوم المقبول

الصوم المقبول

القس. جون نور


الكتاب المقدس يتحدث في (إنجيل متى 9:6 – 25) عن ثلاثة أشياء متلازمة تقرب الإنسان من الله وهذه الثلاثية هي:

  1. الصلاة (مت 9:6 – 15).

  2. الصوم (مت 16:6 – 18).

  3. الصدقة (مت 19:6 – 25).

وهذه الثلاثية ارتبطت ببعضها بتنظيم واضح مُفصّل في الكتاب المقدس، بينما تُرك البعض الآخر بدون خطوط أو قواعد مفصلة، ولا شك أن للرب حكمة خاصة في هذا الشأن. ومن يقرأ نبوة أشعياء (إصحاح 58) يلاحظ أن هذه الأمور الثلاثة متلازمة أيضاً فالصوم مهم للتقرب إلى الله، ولتسميع الصوت في العلاء وللإحساس بالآخرين ومشاركتهم في احتياجاتهم حيث يقول في العدد السابع «تكسر للجائع خبزك وأن تدخل المساكين التائهين إلى بيتك وإذا رأيت عرياناً أن تكسوه وأن لا تتغاضى عن لحمك»(أش 7:58).

وفي هذا الإصحاح من نبوة أشعياء وفي (مت 6) تحذير واضح ضد الرياء ومن العجب أن الناس يستهويها الرياء أكثر مما تستهويها الحقيقة ويستهويها مدح الناس أكثر مما تستهويها مخافة الله.

لذا لا بد للصوم المقبول أن يؤسّس على هذه المبادئ الأساسية حتى يصبح مقبولاً لدى الله وفعّالاً في حياة الصائم: وسأتكلم بعد الفاصل عن الصوم بقلب موحد.

أولاً: الصوم بقلب مُوحّد:

إن مبدأ القلب الموحد ليس بجديد «لا يقدر أحد أن يخدم سيدين لأنه إما أن يُبغض الواحد ويحب الآخر أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر» (مت 24:6). وهذا ما سبق ونبه إليه النبي إيليا الشعب على جبل الكرمل قائلاً: «حتى متى تعرجون بين الفرقتين إن كان الرب هو الله فاتبعوه وإن كان البعل فاتّبِعُوه» (1مل 21:18). هذا هو عين ما يطلبه الله منا حينما نصوم أن نكرس صُومنا للرب، وللرب وحده – لا لشيء إلا – لأن الرب لا يعطي مجده لآخر (إش 8:42).

لقد اعتاد اليهود للأسف أن يصوموا طَوالَ الصباح عن الأكل في يوم عيد الكفارة، وعند المساء كانوا يأكلون ويشربون ويسكرون ويلعنون ويتخاصمون. بل اعتادوا أيضاً في هذا اليوم أن يُسخّروا الفقراء والغرباء للخدمة في حقولهم، حتى لا يعملوا هم عملاً ما بحسب الوصية (لا 29:16). وكانوا يفتخرون للأسف بأنهم حفظوا الوصية، لكن من الواضح أنهم عاشوا بقلب مُنقسم وبحياة متناقضة. وعلينا أن ندرك أنه لا المظهر الجسدي ولا الملبس المتقشف ولا نوعية الطعام الذي نأكله يمكن أن يوضع كأساس للتقرب إلى الله، فالمراءون على استعداد أن يقدموا عشرات المظاهر التقوية التي تفتقر إلى الحقيقة تماماً، وأنبياء البعل كانوا أكثر إخلاصاً منا في ندائهم وتقربهم لبعلهم «فصرخوا بصوت عال وتقطعوا حسب عاداتهم بالسيوف والرماح حتى سال منهم الدم» (1مل 28:18). أما المبدأ الأساسي الثاني حتى يصبح الصوم مقبولاً لدى الله ثانياً: الرغبة الحقيقية في التقرب إلى الله:

لن تعتمد أ الرغبة الحقيقية في تقربنا إلى الله على أعمال برنا، لكنها ستعتمد دائماً على استجابتنا الصادقة لعمل نعمته في حياتنا، فنحن لن نقترب إلى الله أكثر لأننا أطلنا أيام أصوامنا، أو لأننا لبسنا خيشاً أو أسمالاً بالية أو نكسنا رؤوسنا في الأرض، بل لأننا بقلب صادق وبرغبة حقيقية نعبر عن حبنا لله، فالرب لا يريد شعباً «قد اقترب إليّ بفمه وأكرمني بشفتيه أما قلبه فأبعده عني» (أش 13:29)؛ لأن «الرب لا يطيق الإثم والاعتكاف» (أش 13:1).

ثانياً: الرحمة وفعل الخير:

الصوم يرفع ويرهف درجة إحساسنا بالآخرين. ولا بد أن نعترف أنه لكثرة اعتيادنا على الطعام والشراب والكماليات في حياتنا أننا فقدنا إحساسنا بأهمية هذه البركات، أو شكرنا الله لأجلها، لذلك فإن الرسول بولس يطرح علينا قضية الإحساس بالآخرين من خلال ممارساته هو «قد تعلمت أن أكون مكتفياً بما أنا فيه أعرف أن أتضع وأعرف أن أستفضل في كل شيء وفي جميع الأشياء قد تدربت أن أشبع وأن أجوع وأن أستفضل وأن أنقص» (في 11:4، 12). الصوم يعطينا الإحساس بقيمة هذه البركات لأنفسنا، وبضرورتها للآخرين الذين لا يملكونها – بل أن الصوم لا يحرك مشاعرنا فقط تجاه الإحساس بالآخرين واحتياجاتهم، لكنه يضع علينا أيضاً واجباً ومسئولية روحية وجسدية تجاههم، بأن نقتسم معهم البركات التي أفاض بها الله علينا:

  • إعانة الضعفاء والمساكين المقيدين بقيود الشر والخطية أو المستعبدين لها على التحرر من هذه القيود.

  • الغفران لمن يسيئون إلينا (مت 43:5 – 44).

  • تشارك الكثيرين فيما أعطاك الله بارتياح وعن طيب خاطر «لأني جعت فأطعمتموني.. يا رب متى رأيناك جائعاً فأطعمناك.. الحق أقول لكم بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم»(مت 35:25، 37، 40).

  • لا تتغاضى عن لحمك: وهي تعني عدم التغاضي عن أقربائك كما يوضحه العهد القديم في (تك 14:29) حينما قال لابان ليعقوب: «أنت لحمي» (تك 14:29)، غير أن هذا المفهوم اتسع جداً بتعليم المسيح عن السامري الصالح حينما سأل فريسي يسوع عن: «مَن هو قريبي؟» (لو 29:10)، فأجابه المسيح أن قريبه هو الذي «صنع معه الرحمة» (لو 37:10). وبكل تأكيد فإن صوماً مثل هذا لا يمكن أن يُسمّى إلا بالصوم المقبول، ولا بد للصائم مثل هذا الصوم أن يتمتع بكل بركات السماء.

«حينئذ ينفجر مثل الصبح نورك وتنبت صحتك سريعاً. ويسير برك أمامك ومجد الرب يجمع ساقتك حينئذ تدعو فيجيب الرب. تستغيث فيقول هأنذا. ويقودك الرب على الدوام ويُشبع في الجدوب نفسك. وينشط عظامك فتصير كجنة ريا وكنبع مياه لا ينقطع مياهه. ومنك تُبنى الخرب القديمة. تقيم أساسات دور فدور فيسمونك مُرَمِم الثُغرة. مُرجع المسالك للسُّكنى».(أش 8:58 – 12).