العودة الى الصفحة السابقة
إرادة الله هي دائماً الأفضل

إرادة الله هي دائماً الأفضل

القس. جون نور


إن الرغبة في الحرية، من أعمق رغائب الإنسان. والتعطش للحرية، هذا التعطش الذي يوضح ما تلاقيه جماهير العالم من قلق وإضطراب في عصرنا الحاضر، ينتشر ويشتد بنوع خاص عند الشبيبة. فانتم معشر الشباب تريدون أن تتحرروا من كل قيد، وتميلون إلى الهياج والسخط على كل القوانين والأنظمة. من الواضح أن أشد الشباب رغبة وأكثرهم صياحاً للتحرر من سلطة الكبار وتأثير الكبار، هم أشدهم خضوعاً وتأثراً بسلطة أترابهم، وإنقياداً لآراء خلانهم، وتأثير الجماعات التي ينتمون إليها. فهذه الجماعة التي ينتمون إليها، تقرر الزي الذي يلبسونه، والموسيقى التي يفضلون الإستماع إليها، والكتب والمجلات التي يقرأونها والمحلات التي يرتادونها كما تقرر أنواع نشاطاتهم ومقاييسهم الأدبية بوجه عام.

وسواء إنطبق عليك هذا الأمر الأخير أم لم ينطبق، فأنت بلا شك من طلاب الحرية. فهل ترى تجدها في التخلص من كل قيد وشرط؟ هل يوجد فارق بين الحرية والإباحية؟ هل يمكن أن يصبح الإنسان عبداً لعادة التخلص من القيود؟

ترى كيف يجد إبن من أبناء الله حريته الأكمل؟ إنه يجدها داخل نطاق إرادة الله. هل يمنعه ذلك في بعض الأحيان من عمل أشياء يريد أن يعملها؟ إن الجواب بالإيجاب طبعاً. لكن الله لا ينتظر أبداً من أحد أبنائه أن يضحي بشيء، هو أفضل شيء بالنسبة له. إن الإنسان يصبح حراً، بكل ما في للكلمة من معنى، عندما يصير عبداً للمسيح، ويسلم إرادته لإرادة الله.

هذا لغز من أمجد ألغاز الإنجيل - حرية عن طريق العبودية. {إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً} (يوحنا 36:8). إن الحرية المشار إليها هنا، هي أساسياً التحرر من عبودية الخطية. ونحن أشد حاجة إلى هذه الحرية منا إلى أي شيء آخر. والسبيل الوحيد الذي به يستطيع المسيحي، أو غير المسيحي، أن يتحرر من عبودية الخطية، هو أن يصبح عبداً للمسيح، عبداً للبر (رومية 12:6 - 23). يقول بولس {فاثبتوا إذاً في الحرية التي قد حررنا المسيح بها ولا ترتبكوا أيضاً بنير عبودية}(غلاطية 1:5). هل أنت حر حقاً، أم أنت مستعبد لما تفسره بأنه حرية لك؟

يريد بعض الناس أن تكون لهم قوة على غيرهم من الناس. أما المسيحي الحقيقي فيريد أن تكون له قوة مع الناس. إنه يريد أن يؤثر فيهم للخير. تأثيراً يقودهم إلى الله. إن سر هذه القوة هو في حضور الله، لكننا لا نستطيع أن نتمتع بحضوره ما لم نسلك داخل نطاق إرادته.

قال المسيح المقام لتلاميذه{أقيموا في مدينة أورشليم إلى أن تلبسوا قوة من الأعالي} (لوقا 49:24). ما هو مصدر هذه القوة؟ الجواب نجده في كلام المسيح الذي نطق به بعد ذلك بقليل:{ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم}(أعمال 8:1).

ترى ماذا كان حدث لو لم يطيعوه ويمكثوا في أورشليم؟ ما كان الروح قد حل عليهم، وما كانت لهم قوة يوم الخمسين.

إن معظمنا لا يتمتعون بقوة في حياتهم لأنهم لا يقيمون في أورشليم حتى تأتي القوة. إن المكوث في التأمل والصلاة أمر من مخلصنا، مثل الشهادة. إننا في حاجة أن نذكر أن القوة الروحية ليست منا، ولا يمكن أن تكون بواسطتنا أو من داخلنا. إنها قوة تنطلق فينا. ولا يمكن أن تنطلق، إلا عن طريق قلوب طائعة وحياة ممتثلة. ما أعظم القوة المختزنة لنا الميسورة لنا، التي تنتظر انطلاقاً منا نحن أولاد الله جميعاً!

إن الله لا ينتظر منا أن نفعل شيئاً لا يعطينا القوة على إتمامه. إنه يعطينا القوة إذا نحن اعتمدنا عليه لنوالها. كثيرون منكم يعرفون هذا ولا شك من اختبارهم الشخصي. فكم من مرة، عندما كنت تتهيأ أن تتكلم، أو تعلم، أو ترنم، أو تشهد، شعرت بحاجتك إلى معونة الله. وصرفت وقتاً طالباً منه أن يمنحك القوة التي تحتاج إليها. فشعرت نتيجة لذلك بقوته تسري فيك، وتفيض منك. وفي أوقات أخرى لم يكن لديك شعور عميق بحاجتك. واعتمدت على حكمتك ومواردك. فكانت النتيجة أن عرفت في أعماق قلبك أنك قد فشلت بقطع النظر عما ظنه الناس عن نجاحك. ما دمنا نعرف أنه يمكننا أن نحصل على قوة الله. فلماذا نقصر كثيراً في البقاء في حضرته إلى أن ننال قوته؟

لنذكر العبارة التي قالها يسوع{بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً} (يوحنا5:15)، والتي قالها بولس{أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني}(فيلبي 13:4).

بدون المسيح لا نستطيع أن نفعل شيئاً. ولكن بالمسيح نستطيع أن نفعل أي شيء ينتظر منا أن نفعله. وهنا رجاؤنا وظفرنا. إن المسيحي الذي يسير بحسب إرادة الله، أشبه بسفينة شراعية، قد بسطت قلاعها بطريقة صحيحة للريح، أو بطائرة اخترقت الهواء ووصلت إلى مجرى منه يحملها، فذلك المسيحي يملك قوة خارج طاقته الذاتية تسير به إلى الأمام.

ربما كنت في نزاع عنيف مع نفسك، بشأن إرادة الله لحياتك. ولكن عندما اتضحت لك بجلاء وصممت أن تتممها، حصلت على سلام لم تعرفه من قبل. إن أعمق سلام، بل أكمل سلام يحصل عليه أي واحد من أبناء الله، هو السلام الذي يأتي إلى نفسه، عندما يستطيع أن يقول بكل صدق وإخلاص {ليس ما أريد أنا بل ما تريد أنت} (متى 39:26). هذه النقطة يمكن أن تكون جثسيماني النصرة له، وفيها يكتشف أن سر السلام الذي يفوق كل عقل (فيلبي 7:4) يقوم في إدراك حضور المسيح المقام. ولا يمكن أن ندرك حضوره ما لم نسلك في إطاعته. وهذا ينطبق ليس على عمل حياة الإنسان فقط، بل على كل قرار يتخذه في كل دوائر حياته اليومية.

إننا بسبب محدودياتنا لا نستطيع أن ندرك إرادة الله لحياتنا تمام الإدراك. ولهذا نجد الله، في بعض الأحيان، يكيف ويضبط إعلان إرادته لنا، بحيث يتفق ذلك مع طاقتنا على فهم إرادته، نحن أولاده، إنما نحن لا نزال أولاداً ناقصين لم نبلغ الكمال بعد. ولا يزال كثيرون منا أبعد بكثير عن الإدراك الذي يجب أن يكونوا عليه، وكم نظل أطفالاً في المسيح، في حين ينبغي أن نكون بالغين، أو على الأقل نامين نحو البلوغ، سواء كنا رجالاً أم نساء، نضع نصب عيوننا هدف حياتنا الأسمى وهو {البلوغ إلى قياس قامة ملء المسيح} (أفسس 13:4). إننا جميعاً نقصر بشكل مؤسف عن إدراك المقياس الأعلى. وهذا يعني، ضمن ما يعني، إن إرادة الله في حياتنا يجب أن تكون اختباراً نامياً دائماً.

والله يعلم أيضاً في حكمته أن اكتشاف إرادته هو اختبار دائم، أو سلسلة متصلة من الاختبارات في حياتنا. فعلينا أن نأتي إليه مرة بعد أخرى، طالبين الحكمة والقوة. وهذا عامل مهم في نضوجنا الروحي. فلو كنا نستطيع أن نرى إرادة الله لحياتنا، إلى منتهى الطريق، كنا نجرب أن نعتمد على أنفسنا أكثر من اعتمادنا على الله، في نوال القوة لعمل إرادته.

ما أكثر المسيحيين المتقدمين في السن، ممن يستطيعون أن يشهدوا، إنه لم يكن من الأفضل لهم أن يروا كل الطريق أمامهم من البداية. وربما لم يكن لهم من الإيمان ومن الشجاعة ما يجعلهم يستجيبون لدعوة المسيح بالرضى والقبول. بل قد يكون بينهم من ينكص على أعقابه، ويحرم من البركات المجيدة في الشركة معه، كما فعل الشاب الغني.

لكن مهما كانت ظروفنا في الحياة، فإن الله يمكننا من جمع الحطام والبدء من جديد في البناء. فنستطيع أن نقول أن معرفتنا لإرادة الله ليست متدرجة فقط بل قابلة أيضاً للتعديل بمقتضى كل اختبار جديد.

وعلى قدر طاعتنا لقيادة الروح القدس الآن، نستطيع أن نتأكد من قيادته لنا في المستقبل. إن الطاعة لإرادة الله في قرارات الحياة اليومية تزيد إدراكنا لإرادته.

تقدم لنا حياة بولس إيضاحاً رائعاً لإرادة الله، تعلن بطريقة مستمرة وتدريجية في حياة الإنسان. فعندما التقى بولس بالرب المقام، وتمتع بذلك الاختبار الفائق الخارق في طريق دمشق، أمر أن يدخل المدينة، فيعلن له ما يفعله.