العودة الى الصفحة السابقة
أفكار مختارة

أفكار مختارة

جون نور


أعزائي المستمعين الكرام موضوع حلقتنا اليوم من برنامجنا حكم وأمثال من الكتاب المقدس هو أفكار مختارة حول موضوع الإبن الضال (لوقا 15: 11 - 24).

«إِنْسَانٌ كَانَ لَهُ ابْنَانِ. فَقَالَ أَصْغَرُهُمَا لأَبِيهِ: يَا أَبِي أَعْطِنِي الْقِسْمَ الَّذِي يُصِيبُنِي مِنَ الْمَالِ».

هذا الإلتماس من الابن أظهر عدم اقتناعه بحالته التي كان يحياها. وهنا تظهر رغبة الإنسان في أن يكون سيد نفسه دون الله. وهذه بداية كل الخطايا.

لم يعمل الأب شيئاً يؤنب به إبنه أو يصده. لقد تركه فقط يزرع، ثم بعد ذلك يحصد. «وَبَعْدَ أَيَّامٍ لَيْسَتْ بِكَثِيرَةٍ جَمَعَ الابْنُ الأَصْغَرُ كُلَّ شَيْءٍ وَسَافَرَ إِلَى كُورَةٍ بَعِيدَةٍ».

هنا نرى الإبن الضال وقد صار غنياً. نعم لقد تحول إلى ضال من اللحظة التي أعطى فيها القفا لأبيه إلى أن صار يطعم الخنازير.

إن الإنسان يصل إلى عمق البعد عن الله تدريجياً. هي رحلة، ولكن البعض يسرع فيها ويسبق غيره. وعلى أي حال لا بد أن يصل الجميع إلى النهاية المظلمة.

بعيداً عن أبيه، وبعيداً عن قيود البيت، ولكنه أيضاً بعيد عن التأثيرات الطيبة. لقد ذهب قلبه أولاً إلى هناك، ثم بعد ذلك جسده. والطريق إلى تلك الكورة دائماً في إنحدار. التشرد والبعد عن الله هو حال الإنسان هناك. إن البعد لا يُقاس بالخطوات، بل بمقدار البعد عن المحبة والشوق إلى الله.

«وَهُنَاكَ بَذَّرَ مَالَهُ» كانت لديه ثروة. كانت الثروة في يده، ولم تكن في عقله أو في قلبه، والغبي هو الذي يتكل على الأولى فقط.

كثيراً ما تتكرر هذه القصة حرفياً في حياة الناس. فالأكثر حدوثاً هو أن يترك الناس إلههم متجهين إلى الشهوات الحسية التي لا تضبطها أفكار الله، بل يوجهها الإضطراب المادي فقط. العيش المسرف هو الطريق المميت لإجهاد النفس، وإنهاك العقل، وتحطيم الثروة، وإهلاك الإنسان.

«فَلَمَّا أَنْفَقَ كُلَّ شَيْءٍ» دون أن يربح في مقابل ذلك شيئاً. وربما تم إنفاق كل شيء في وقت قصير.. «حَدَثَ جُوعٌ شَدِيدٌ فِي تِلْكَ الْكُورَةِ» وكان الجوع هو السبب الظاهر في تفكير الابن للرجوع الى أبيه. قد يسمح الله للظروف التي يمر بها البشر أن تعترضها طريق الخطية. فالمجاعات، والكوارث الأخرى، هي رسل إلهنا وراء أولاده الضالين.

وأشد أنواع الجوع ألماً وأسى ليس جوع الجسد، بل جوع النفس «فَابْتَدَأَ يَحْتَاجُ».

إبتدأ يتحقق أن مسرات الخطية هي إلى لحظة. لقد كان له كل شيء، وتمتع بكل ما يمكن أن يقدمه العالم لإنسان، ولكن بعد ذلك وجد نفسه يحتاج!. وعندما يشعر الضال بالحاجة لا بد أن يحدث له أمر من إثنين: إما أن ييأس، أو أن يتوب.

«فَمَضَى وَالْتَصَقَ بِوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْكُورَةِ» طلب الشاب أن يتحرر من سلطان أبيه، فأوقع نفسه تحت نير الغريب! «فَأَرْسَلَهُ إِلَى حُقُولِهِ لِيَرْعَى خَنَازِيرَ».

«وَكَانَ يَشْتَهِي أَنْ يَمْلأَ بَطْنَهُ مِنَ الْخُرْنُوبِ الَّذِي كَانَتِ الْخَنَازِيرُ تَأْكُلُهُ» لم يستطع أن يشبع جوعه الجسدي، ولم يقدر أن يشبع جوعه الروحي أيضاً.

كانت للخنازير حالة أفضل مما لذلك الإبن، لقد باع نفسه للشيطان، وكان الثمن هو الخرنوب! إن المسرات الجسدية قد تملأ الكيان الجسدي، ولكنها لا تشبع الروح أبداً.

وبالرغم من إسرافه حتى الإفلاس لم يقدر أن يربح صديقاً مخلصاً واحداً!!

«فَرَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ» لقد استفاق، وابتدأ يتأكد من أمرين: الأول هو حالته الرديئة في الحاضر، والثاني هو المستقبل الأكثر ظلاماً الذي ينتظره. فبالرغم من كل شيء يبقى في نفس الإنسان شيء أفضل من الغباء والإسراف والشهوة الحيوانية، وهو أنها لا يمكن أن تشبع بالخطية والسقوط.

«أَقُومُ وَأَذْهَبُ إِلَى أَبِي وَأَقُولُ لَهُ: يَا أَبِي، أَخْطَأْتُ إِلَى السَّمَاءِ وَقُدَّامَكَ» وأقول له: «لَسْتُ مُسْتَحِقًّا بَعْدُ أَنْ أُدْعَى لَكَ ابْنًا. اِجْعَلْنِي كَأَحَدِ أَجْرَاكَ».

ذهب كإبن، وفضل بكل سرور أن يعود كأجير. وفي كلمة الله نعلم أن الله لا ليرفض الضال الذي يعود إليه بقلب كسير متواضع.

بعد أن شعر بانحطاطه صمم أن يعمل. وهنا تحولت التوبة إلى إيمان وعمل.

وإذ كان لم يزل بعيداً رآه أبوه قبل أن يراه هو! إن للحب نظر حاد، وعين الرحمة أسرع من عين التوبة. وحتى عين الإيمان تعتبر معتمة إذا قورنت بعين محبة الله، الله الذي يحب الخاطي الراجع قبل أن يراه.

لا يوجد أعمق مما تصل إليه محبة الأب. وركض! ووقع على عنقه وقبّله!

إن الله يتعجل حين يرحب بالضال العائد!. ما أبطأ خطوات التوبة، ولكن ما أسرع أقدام الغفران!. لم يتأخر لحظة، ومع أن أنفاسه كانت تلهث إلا أن محبته لم تجهد.

يوجد كثيرون مثل هذا الإبن، ولكن لا يوجد كثيرون مثل هذا الأب «فَقَالَ لَهُ الابْنُ: يَا أَبِي».

إن أكثر علامات التوبة وضوحاً هي معرفتنا لله كأبينا.

«أَخْطَأْتُ إِلَى السَّمَاءِ وَقُدَّامَكَ، وَلَسْتُ مُسْتَحِقًّا بَعْدُ أَنْ أُدْعَى لَكَ ابْنًا»

لم يأبه والده بالكلام، بل قال لعبيده: «أَخْرِجُوا الْحُلَّةَ الأُولَى وَأَلْبِسُوهُ، وَاجْعَلُوا خَاتَمًا فِي يَدِهِ، وَحِذَاءً فِي رِجْلَيْهِ، وَقَدِّمُوا الْعِجْلَ الْمُسَمَّنَ وَاذْبَحُوهُ فَنَأْكُلَ وَنَفْرَحَ، لأَنَّ ابْنِي هذَا كَانَ مَيِّتًا فَعَاشَ، وَكَانَ ضَالاًّ فَوُجِدَ».

نعم عزيزي المستمع إن السماء تفرح بخاطئ واحد يتوب ويرجع إلى الآب.

وهنا يقول الكتاب «فَابْتَدَأُوا يَفْرَحُونَ« ولم يحدثنا الكتاب أن هذا الفرح الذي ابتدأ قد انتهى.

إن تغيير النفس كاف لأن يحدث فرحاً أبدياً في قلوب الأبرار وفي قلب الله.