العودة الى الصفحة السابقة
التذمر الديني

التذمر الديني

جون نور


أعزائي المستمعين الكرام موضوع حلقتنا اليوم من برنامجنا حكم وأمثال في الكتاب المقدس هو عن التذمر الديني.

إن الإنسان صاحب العقل الفارغ غالباً ما ينصب نفسه قاضياً سيما في الأمور الدينية، كما يُقال في المثل العامي: «الفاضي يعمل قاضي». فمع أنه لا يعرف شيئاً لكنه يعتقد أنه أحكم إنسان، فجهله هو أساس وقاحته وعناده. ومع أنه لا يميز الفرق بين الـ (أ) وبين العصا، إلا أنه يتصرف كما لو كان يمتلك حكمة سليمان. اسمعه وهو يتحدث بعد حضوره موعظة أو محاضرة، تجده يندد بأخطاء فيها لا أساس لها من الصحة فإذا كانت العظة او المحاضرة بليغة بحيث لا يصل فهمه إلى مستواها تراه يقدم كلمات المدح والثناء، أما إذا لم تعجبه فإنه ينهش فيها من كل جانب.

اعزائي المستمعين إن الحكماء في هذا العالم قليلون، فهم كالأشجار المغروسة هنا وهناك في سياج الحديقة، فمتى تكلموا معاً فجميل أن نستمع إليهم، أما الحكماء في أعين أنفسهم، المتكبرون بأفكارهم الباطلة، فإن كلامهم الفارغ يشبه النقيق.

فكما أن الإناء ينضح بما فيه، هكذا المتذمرون لا يخرجون إلا الريح من جعبتهم الفارغة. نعم إن الوعاظ لا يمكن أن تكون عظاتهم كاملة، فأفضل الحدائق قد تكون فيها بعض الأعشاب، وأنقى أنواع القمح قد يشوبها شيء من التبن، إلا أن من يحبون المماحكات يستطيعون أن يكتشفوا الأخطاء لكيما يظهرون معرفتهم الشخصية. إنهم لا يريدون أن يريحوا ألسنتهم، فهم إذا رأوا الحشيش الأخضر تذمروا من كونه لا يحمل لهم ظلاً، وإذا نظروا إلى السماء قالوا إنها بحاجة إلى الغسل حتى تكون أكثر نقاءً.

إن تصلف البعض يشبه ذكر النحل الذي يلدغ دون أن يعطي عسلاً، فهم يثورون على كل من لا يرى حقائق الكتاب من خلال منظارهم الخاص ولو أن مكيال هجماتهم على الآخرين اختلط بملء حفنة من الحياة الصالحة لأضحى هذا محتملاً، الذين لا ينادون بالمعتقدات الصحيحة كما يتوهمون، بينما إذا هم أزعجوا الخراف أو سرقوا بمكرهم واحداً أو اثنين من الأرانب، فمن ذا الذي يتجاسر أن يلومهم؟ إنهم يدعون أنفسهم الشعب العزيز في عينيّ الرب، ولديهم ما يكفي للمحافظة على تعليمهم صحيحاً، إن هؤلاء هم الثعالب الصغيرة والتي تفسد الكروم يجب أن نقتنصها من كل حقول الخدمة، لا لنستفيد منها، لأنها بلا فائدة، إنما لنخرجها من الكروم حتى لا تفسدها. نعم، إن معتقداتهم لا خطأ فيها، إنما الخطأ في الروح الذي فيهم.

إن سكان القرى يقبلون كلمات الحق الإلهي سواء أكانت بأسلوب بسيط أو بلغة منمقة، فهم كالإنسان الجائع الذي لا تهمه طريقة وضع اللحم في الطبق، لكنه يريد اللحم اللذيذ الذي يمده بالغذاء والفائدة. حين يقول البعض بأنهم لا يستطيعون أن يسمعوا الرسالة فإني أذكر المثل القديم القائل: «لا يوجد من هم أكثر صمماً من أولئك الذين لا يريدون أن يسمعوا» وحين أجد أن بعض الخدام الشبان قد انكسرت قلوبهم بسبب الكلمات القاسية والتعليقات المفشلة، أذكرهم بقصة الرجل وابنه وحماره، وما وصلوا إليه حين حاولوا إرضاء جميع الناس، فلا يجب أن نبالي كثيراً بكلام الناس لأنه كالريح التي تصفر حين تمر من ثقب الباب دون أن تعني شيئاً.

لقد سمعت البعض يعيبون على خدمة أحدهم مع أنها كانت بلا عيب، فمع أن الخادم قد أعطى الموضوع حقه، إلا أنه بسبب عدم تعرضه لموضوع آخر أعتبر مخطئاً، وهل يمكن للعظة الواحدة أن تستوعب كل الحقائق الكتابية؟ إن المنشار لا يصلح أداة لحلق الذقن، فهل نلقي به في سلة المهملات؟. ما فائدة تصيد الأخطاء؟ إني لا أحب أن أرى إنساناً أعطاه الله فماً جميلاً وقد استخدمه لمهاجمة الآخرين.

إنه لأمر مرعب أن نرى الأسرة المسيحية السعيدة تتحطم بسبب تقولات أولئك الذين يتصيدون الأخطاء فيتكلمون لعلة أو لغير علة، وهكذا يستغل الشيطان هذا الأمر لإيجاد الانقسام في كنيسة المسيح. هذه هي الحقيقة، إن العجلة الخربة في العربة هي التي تحدث جلبة (تزييقاً) أكثر من غيرها، وأحمق واحد يستطيع أن يعدي الكثيرين ويجعل الجماعة تقف ضد خادمها الأمين، والواقع إن من يسبب كل هذه المشاكل هو شخص لا نصيب له في الخدمة الروحية، فهو يتشاجر على القمح الذي ليس له، ويهدم البناء الذي لم يساهم في تشييده.

إن خطية التذمر سريعة العدوى، فمن يتذمر يكون (واعتذر عن هذا التشبيه) يشبه الكلب الذي إذ ابتدأ ينبح فإنه يقود كل كلاب القرية إلى التشبه به، لذا فإن أفضل شيء هو الابتعاد عن الشخص المتذمر. على أن هذا المرض لا يصيب الفم فقط بل إنه يصيب القدم أيضاً، فمن يلطخ سيرة الآخرين نجده بعد قليل وقد تمرغ في الوحل. إن ثمر الروح هو محبة، وشتان بين هذا الثمر وبين ثمر التذمر.

عزيزي المستمع أصلي أن يعطيك الرب الحكمة لكي تبتعد عن خطية التذمر التي دمرت وتدمر حياة الكثيرين من الناس. اقتني الحكمة والفهم التي يعطيها الرب لأولاده الذين يسيرون ويعملون بحسب مشيئته آمين.