العودة الى الصفحة السابقة
المسيحية والعالم

المسيحية والعالم

جون نور


أعزائي المستمعين الكرام موضوع حلقتنا اليوم من برنامجنا حكم وأمثال من الكتاب المقدس هو المسيحية والعالم.

«لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (يوحنا16:3). قد تكون هذه الآية إحدى أشهر آيات الكتاب المقدس التي تختصر الإنجيل. ففي هذه الآية تعلن المسيحية نفسها بأنها الخبر السار للعالم الحزين الذي هو بأمس الحاجة إليه، لان العالم غير المؤمن هو عالم هالك، والذي يؤمن بيسوع يصبح من عالم آخر له حياة أبدية، إن علاقة المسيحي مع العالم الذي يعيش فيه مرتبطة باختباره وبحصوله على الانتماء، وبتبنيه هدفا جديدا وسعيه نحو تحقيقه.

أعزائي المستمعين، المسيحي لا يحمل سوى رسالة حب وسلام في هذا العالم، وهو بسبب إيمانه وإتباعه المسيح، قد أصبح غريباً ونزيلاً في هذا العالم، تماماً مثل سيده ومعلمه، يقول الكتاب المقدس عن أبطال الايمان: «فِي الإِيمَانِ مَاتَ هؤُلاَءِ أَجْمَعُونَ، وَهُمْ لَمْ يَنَالُوا الْمَوَاعِيدَ، بَلْ مِنْ بَعِيدٍ نَظَرُوهَا وَصَدَّقُوهَا وَحَيُّوهَا، وَأَقَرُّوا بِأَنَّهُمْ غُرَبَاءُ وَنُزَلاَءُ عَلَى الأَرْضِ» (عبرانيين 13:11). لكن للأسف يوجد في العالم مسيحية مستوطنة، ومتصالحة مع شرور العالم ومغرياته، وهنالك مسيحية تجاهد للحصول على الغنى والسلطة والشهرة التي هي من سمات العالم المعادي لله ولوصاياه، «لأَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ: شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ، لَيْسَ مِنَ الآبِ بَلْ مِنَ الْعَالَمِ» (1يوحنا 16:2). فإيانا وهذه المسيحية!

إن الباب الواسع في كلمة الله يرمز إلى الحياة العالمية، والذي تختاره الأكثرية الساحقة من البشر. قال الرب يسوع: «اُدْخُلُوا مِنَ الْبَاب الضَّيِّقِ، لأَنَّهُ وَاسِعٌ الْبَابُ وَرَحْبٌ الطَّرِيقُ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْهَلاَكِ، وَكَثِيرُونَ هُمُ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ مِنْهُ! مَا أَضْيَقَ الْبَابَ وَأَكْرَبَ الطَّرِيقَ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْحَيَاةِ، وَقَلِيلُونَ هُمُ الَّذِينَ يَجِدُونَهُ!» (متّى 13:7-14). إن بركات السير مع الرب وحياة التقوى، لا تقارن بأفراح العالم الزائلة والملوثة بالخطية، إن الشركة مع القديسين الذين عاشوا منفصلين عن العالم بسلوكياتهم ومبادئهم لا تقارن بمشاركة العالم فسقه وفجوره. إن رئيس هذا العالم، بحسب تعليم كلمة الله هو إبليس، وهو لم يتوان حتى عن أن يجرب يسوع بأسلوب يكشف مدى عمق معرفته في ما يقدم ويمارس في هذا العالم، إذ قال ليسوع، بعد أن أراه جميع ممالك العالم ومجدها، «أُعْطِيكَ هذِهِ جَمِيعَهَا إِنْ خَرَرْتَ وَسَجَدْتَ لِي» (متّى 9:4). الأمر واضح، وهو إما حياة الانفصال عن العالم، وإما الشركة معه، ليس من خيار ثالث. لم يحث الرسول بولس أهل أفسس على عدم مشاركتهم أهل العالم بشرورهم فحسب، لم يقل لهم فقط «فَلاَ تَكُونُوا شُرَكَاءَهُمْ» (أفسس 7:5)، بل على رفع الصوت ضد أعمالهم، «وَلاَ تَشْتَرِكُوا فِي أَعْمَالِ الظُّلْمَةِ غَيْرِ الْمُثْمِرَةِ بَلْ بِالْحَرِيِّ وَبِّخُوهَا» (أفسس 11:5). وطالب شعب الرب بالسلوك بتدقيق، وافتداء الوقت، وعدم السكروالخلاعة وأمثال ذلك، كما طالبهم بالطاعة للرب والخضوع له، والتأهب لمواجهة رؤساء وسلاطين روحية شريرة، تعمل بنجاح في هذا العالم.

أعزائي المستمعين المسيحية الحقيقية لا تشبه العالم بمقاييسه ومفاهيمه، ولا تستطيع أن تتأقلم معه ولا حتى استيعابه، أو التطور معه للتماشي مع ما يقدم. تبقى المسيحية الحقيقية دعوة لدخول الباب الضيق، ودعوة عبّر عنها كاتب سفر العبرانيين بالتالي، «فَلْنَخْرُجْ إِذًا إِلَيْهِ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ حَامِلِينَ عَارَهُ» (13:13).

الولادة الجديدة هي عمل الروح القدس بالكامل، الذي يجدد القلوب الحجرية، وينير العقول المظلمة، ويبدل الإرادات المتمردة، ويدفع أصحابها للاعتراف والتوبة والإيمان. وهذا كله لا يلغي دور الكنيسة في نشر الإنجيل وتعاليم المسيح، والصلاة لأجل عمل الروح القدس. إذا، الله يستخدم كنيسته وشعبه في العمل التبشيري وفي الشهادة لاسمه. فالمسيحية التي نتحدث عنها في في الكتاب المقدس هي الأداة والمثال، وفي الوقت عينه، المكان الذي سيلجأ إليه الإنسان عند تركه نظام هذا العالم وعاداته واهتماماته، وإتباع المسيح. إذا اختلطت هذه المسيحية التي نتحدث عنها بالعالم، بشؤونه وهمومه التي هي أرضية محض، أو صارت جزءاً منه، هل يبقى أي معنى للتبشير، أو أي معنى لترك كل شيء وإتباع المسيح؟ ما معنى «وَكَانَ الرَّبُّ كُلَّ يَوْمٍ يَضُمُّ إِلَى الْكَنِيسَةِ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ» (أعمال الرسل 47:2)؟ وماذا يعني، «وَأَمَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ الْعَالَمُ لِي وَأَنَا لِلْعَالَمِ» (غلاطية 14:6) هناك دعوات كثيرة ترفع من أجل هدم الأسوار وبناء الجسور بين كنيسة المسيح والعالم. يبقى هذا الكلام غامضاً، إذ ليس واضحاً ما هو المقصود بالأسوار والجسور! إذا كان الهدف هو تسهيل وتوسيع البشارة والمساعدة، فهذا حق وضروري. أما إذا كان من أجل الاندماج والذوبان والوحدة مع العالم والعالميين الدنيويين فهذا انتحار. أولاد الله هم ملح الأرض ونور العالم. أولاد الله هم رائحة المسيح الذكية. هم الخراف في وسط الذئاب. هم على عكس الناس، الذين في الأيام الأخيرة، وبحسب وصف الرسول بولس، يصبحون محبين لأنفسهم، ومحبين للمال، ومتعظمين، ومستكبرين، وغير طائعين وغير شاكرين. فالدعوة للحفاظ على الهوية والرسالة والشهادة لا ولن تتغير. «لاَ تَكُونُوا تَحْتَ نِيرٍ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لأَنَّهُ أَيَّةُ خِلْطَةٍ لِلْبِرِّ وَالإِثْمِ؟ وَأَيَّةُ شَرِكَةٍ لِلنُّورِ مَعَ الظُّلْمَةِ؟ وأي اتفاق للمسيح مع بليعال؟ وأي نصيب للمؤمن مع غير المؤمن؟ وَأَيُّ اتِّفَاق لِلْمَسِيحِ مَعَ بَلِيعَالَ؟ وَأَيُّ نَصِيبٍ لِلْمُؤْمِنِ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِ؟ وَأَيَّةُ مُوَافَقَةٍ لِهَيْكَلِ اللهِ مَعَ الأَوْثَانِ؟ فَإِنَّكُمْ أَنْتُمْ هَيْكَلُ اللهِ الْحَيِّ، كَمَا قَالَ اللهُ: «إِنِّي سَأَسْكُنُ فِيهِمْ وَأَسِيرُ بَيْنَهُمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا، وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا. لِذلِكَ اخْرُجُوا مِنْ وَسْطِهِمْ وَاعْتَزِلُوا، يَقُولُ الرَّبُّ. وَلاَ تَمَسُّوا نَجِسًا فَأَقْبَلَكُمْ» (2كورنثوس 14:6-17).