العودة الى الصفحة السابقة
السلوك المسيحي أسسه ومصادره

السلوك المسيحي أسسه ومصادره

جون نور


أعزائي المستمعين الكرام موضوع حلقتنا اليوم من برنامجنا حكم وأمثال في الكتاب المقدس هو السلوك المسيحي.

إن السلوك المسيحي يشغل مكاناً ذا أهمية عظيمة في تعاليم العهد الجديد، ذلك لأن السلوك المسيحي يرتبط بالنعمة وعمل الله في الفداء. وترجع أهمية ذلك السلوك في أنه يؤول أولاً وأخيراً لمجد الله، لا لمجد أنفسنا، وللشهادة لربنا يسوع في مشهد رفضه في هذا العالم. وهذا السلوك له أسسه كما أن له مصادره.

أما مصادره فهي:

النعمة:

فالنعمة تظهر كمصدر للسلوك، كما يقول الرسول بولس إلى تيطس «لأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَتْ نِعْمَةُ اللهِ الْمُخَلِّصَةُ، لِجَمِيعِ النَّاسِ (وهذه صفتها) مُعَلِّمَةً إِيَّانَا أَنْ نُنْكِرَ الْفُجُورَ وَالشَّهَوَاتِ الْعَالَمِيَّةَ، وَنَعِيشَ بِالتَّعَقُّلِ وَالْبِرِّ وَالتَّقْوَى فِي الْعَالَمِ الْحَاضِرِ، مُنْتَظِرِينَ الرَّجَاءَ الْمُبَارَكَ وَظُهُورَ مَجْدِ اللهِ الْعَظِيمِ وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (تيطس 11:2 – 13). فالنعمة هنا تستعلن كمصدر للسلوك المسيحي، فالإنسان فينا لا يستطيع أن يفعل شيئاً من ذاته، والناموس بوصاياه حكم على الإنسان بفساده وعجزه وعصيانه، لأن الناموس يفترض أن الإنسان له إمكانية للسلوك بمقتضى وصاياه، لكن ماذا كانت النتيجة؟ استعلنت حالة الإنسان وما فيه من ضعف حتى الموت، وحكم عليه كمعتدي، وأصبح واقعاً تحت اللعنة.

على العكس من ذلك نجد أن النعمة تفترض أن الإنسان ليس له إمكانية لعمل شيء، بل وفي فساده لا يخرج منه أي شيء صالح، وهو ميت بالذنوب والخطايا، لكنها تتعامل معه فتحييه وترفعه إلى مركز التبني، ولا تهبه هذا المركز فقط بل تجعل الله في صفة ليعمل فيه، فيكتب بولس للقديسين في فيلبي «لأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَامِلُ فِيكُمْ أَنْ تُرِيدُوا وَأَنْ تَعْمَلُوا مِنْ أَجْلِ الْمَسَرَّةِ» (فيلبي 13:2).

والمصدر الآخر للسلوك المسيحي، وهو الخليقة الجديدة. فالرسول يكتب إلى القديسين في أفسس قائلاً: «لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَال صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا» (أفسس 10:2). فالله في غنى نعمته جعلنا عمله، وخلقنا تلك الخليقة الجديدة في المسيح يسوع، وأعد لتلك الخليقة الأعمال الصالحة، وهكذا فقاطرة السكك الحديدية لا يمكن أن يسير بدون القضبان التي أعدت لها. فالقاطرة بدون القضبان لا يمكن أن تسير، والقضبان بدون القاطرة ليس لها فائدة، وهكذا فإن الخليقة الجديدة لا تستطيع إلا أن تسلك في الأعمال الصالحة التي لها، فما أمجد إلهنا في محبته الكثيرة!

لكن أيضاً هناك أساسان للسلوك المسيحي:

عمل الفداء:

فالفداء هو الأساس الذي يتحرك عليه الله من نحونا ليعمل فينا وينشئ فينا غيرة للسلوك الحسن والأعمال الصالحة. فبعد أن يكتب الرسول بولس إلى تيطس متكلماً عن النعمة كمصدر للسلوك، والتي تعلمنا كيف نسلك كما سبق القول، يقول أيضاً عن الرب يسوع «الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا (عمل الفداء) لِكَيْ يَفْدِيَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، وَيُطَهِّرَ لِنَفْسِهِ شَعْبًا خَاصًّا غَيُورًا فِي أَعْمَال حَسَنَةٍ» (تيطس 14:2). كما أننا نجده يكتب للعبرانيين قائلاً: «وَإِلهُ السَّلاَمِ الَّذِي أَقَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ رَاعِيَ الْخِرَافِ الْعَظِيمَ، رَبَّنَا يَسُوعَ، بِدَمِ الْعَهْدِ الأَبَدِيِّ، لِيُكَمِّلْكُمْ فِي كُلِّ عَمَل صَالِحٍ لِتَصْنَعُوا مَشِيئَتَهُ، عَامِلاً فِيكُمْ مَا يُرْضِي أَمَامَهُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي لَهُ الْمَجْدُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ» (عبرانيين 20:13، 21). فنحن نجد الله هنا، على أساس عمل المسيح الفدائي وإكراماً له، يكملنا في كل عمل صالح حتى نصنع مشيئته، بل أيضاً، ويا للمجد، هو يعمل فينا ما يرضي أمامه، والواسطة التي يستخدمها هو شخص ربنا يسوع. فما أعظم عمل الفداء!

لكن هناك أيضاً أساساً آخر للسلوك المسيحي وهو إدراك الحق. فإدراك الحق والتعليم الصحيح ينشئان فينا تقوى حقيقية لا مجرد صورة لها. فالحق الصحيح هو الذي يمنطق الأحقاء، فنسلك بالتالي في طريق البر. فالحق والتقوى شيئان مرتبطان ببعضهما تماماً، وأنا لا أستطيع أن أقول عن شخص أنه تقي وهو لا يدرك الحق أو لا يقدره.

فالسلوك المسيحي الصحيح لا بد أن يزين تعليم مخلصنا الله في كل شيء فقد يكون التعليم صحيحاً ونقياً، ولكن إن لم يكن مصحوباً بالسلوك المسيحي القويم فلن يكون له تأثير على الذين هم من حولنا، بل ولن نستطيع أن نجتذبهم إلى الحق، فالغرض من السلوك القويم هو تزيين التعليم، لكنه أيضاً يمجد أبانا الذي في السماوات. ألم يقل سيدنا الكريم «يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ» (متّى 16:5). فالأعمال الصالحة والسلوك المسيحي لا يؤولان إلى تمجيدنا نحن، بل تمجيد أبينا السماوي، على الرغم أن تلك الأعمال تظهر أمام الآخرين أننا نعملها، لكن هؤلاء الآخرين يرجعونها إلى مصدرها. والغرض من السلوك أيضاً هو أن نكون شهادة لمجد سيدنا وسط عالم شرير رفضه واحتقره.

إذاً فمسؤوليتنا تجاه السلوك المسيحي مسؤولية عظيمة، خاصة وهو يرتبط بشهادتنا على الأرض ونحن نجتاز هذا العالم الذي وضع في الشرير. بل وسوف يستعلن هذا السلوك عندما نظهر مع المسيح في المجد، فالعروس َ«أُعْطِيَتْ أَنْ تَلْبَسَ بَزًّا نَقِيًّا بَهِيًّا، لأَنَّ الْبَزَّ هُوَ تَبَرُّرَاتُ الْقِدِّيسِينَ» (رؤيا 8:19). وأمام فشلنا في مسؤوليتنا هذه، نشعر بالخزي والعار، وأمام الحالة الروحية والأدبية التي تنحدر كل يوم عن سابقه، نشعر بالأسى والحزن، بل وأمام الشرور الأدبية التي تجتاح القديسين كالتيار الجارف، ماذا نفعل؟

هلم بنا نتطلع إلى أمانة الرب وكفايته لنا كي يجعلنا بحسب فكره، ولنتطلع إليه ونتذكر المكتوب «وَالْقَادِرُ أَنْ يَحْفَظَكُمْ غَيْرَ عَاثِرِينَ، وَيُوقِفَكُمْ أَمَامَ مَجْدِهِ بِلاَ عَيْبٍ فِي الابْتِهَاجِ، الإِلهُ الْحَكِيمُ الْوَحِيدُ مُخَلِّصُنَا، لَهُ الْمَجْدُ وَالْعَظَمَةُ وَالْقُدْرَةُ وَالسُّلْطَانُ، الآنَ وَإِلَى كُلِّ الدُّهُورِ. آمِينَ» (يهوذا 24 و25).

دعونا أعزائي المستمعين نسلك بالحق في حياتنا الروحية لأن السلوك بالحق هو ثمر إيماننا وسلوكنا امام الله والناس.