العودة الى الصفحة السابقة
المحبة العظمى

المحبة العظمى

جون نور


«وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا» (رومية 8:5).

أعزائي المستمعين الكرام موضوع حلقتنا اليوم من برنامجنا حكم وأمثال من الكتاب المقدس هو المحبة العظمى.

يتحدث الناس كثيراً عن المحبة وهم في ذات الوقت يفتقرون إلى المحبة. فالعالم قد امتلأ إلى شطوطه من البغضة وكراهية الناس بعضهم لبعض، حتى في نطاق العائلة المحدود. فمع أن الكتاب المقدس يوصي الرجال أن يحبوا نسائهم «أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا» (أفسس 25:5، 28)؛ لكن بكل أسف حتى هذا، أي المحبة في نطاق العائلة، أصبحت وكأنها شيئاً نادراً، فكم كثرت في هذه الأيام نسبة الانفصال بل والطلاق أيضاً؟! وكم من شباب في هذا الجيل يلعنون يوم مولدهم، ويسألون لماذا نحن ضحية الأسر المنقسمة؟! ناهيك عن الحروب والانقسامات وسفك الدماء ونزع الحق والظلم الذي جعل علامات الوجوم تخيم على الوجوه، والكل في دهشة يتساءل: «أين المحبة؟ وأين من يحب؟ وأين من يُقال عنه المحب؟! وبسبب افتقار البشر إلى المحبة صار الإنسان يبغض حتى نفسه!!

وإن كان ما في العالم من بغضة وكراهية يدهشنا، لكن لنذهب باحثين عن المحب الحقيقي، بل أقول لنذهب إلى المحب الحقيقي الذي يبحث عنا لأنه أحبنا، وسيظل يحبنا ويبحث عنا. فلنصغ إلى القول الرائع الذي تكلم به رب المجد يسوع مع نيقوديموس رئيس ومعلم إسرائيل: «لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (يوحنا 16:3). وفي هذه العبارة الرائعة نرى عظمة الإعلان عن الله وعن محبته للبشر.

اعزائي المستمعين الكرام هذه المحبة كائنة في الله من الأزل قبل أن تكون أزمنة، وإن كان قد أظهرها لنا في الزمان لأن «اَللهُ مَحَبَّةٌ» (1يوحنا 16:4)، فهي كائنة فيه، بل المحبة هي طبيعته، بل يمكننا أن نقول إن الله هو المحبة، والمحبة هي الله، ولا يمكن أن نجد المحبة بعيداً عن الله.

ولأن المحبة تحتاج إلى برهان وإعلان، وإلا ما كنا نعرف أبداً أن الله محبة، لذلك أعلنها الله وبينها وأظهرها لنا من خلال التجسد والصليب.

نعم تمت هذه المحبة في تجسد ابنه الوحيد: «اَللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ» (يوحنا 18:1)، ويقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين «اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ» (عبرانيين 1:1 و2).

لقد أعلن الله لنا عن محبته بطريقة فريدة. يقول الرسول يوحنا «بِهذَا أُظْهِرَتْ مَحَبَّةُ اللهِ فِينَا: أَنَّ اللهَ قَدْ أَرْسَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ إِلَى الْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ. فِي هذَا هِيَ الْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا» (1يوحنا 4: 9 و10) يا له من إعلان عظيم ورائع!! الله يظهر محبته للبشر، لا بالكلام بل بالعمل والحق، في الوقت الذي فيه لا نجد من يحب من بين البشر.

وفي هذه الآية يمكننا أن نلاحظ الآتي:

الله في القول «ولكن الله». الله القدوس، الله العظيم، الله القدير، الله العادل، الله الديّان، وقل فيه كيفما شئت في صفاته وعظمته، فكلمة الله تؤكد عنه أنه هكذا، لكن هنا في هذه المناسبة لم يعلن لنا أن الله بيّن غضبه وإن كان هذا سيعلن في المستقبل «لأَنَّ غَضَبَ اللهِ مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ النَّاسِ وَإِثْمِهِمِ» (رومية 18:1)، لكن يقول الروح القدس لنا: «وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا» (رومية 5: 8)، وكان لا بد من استعلانها في مشهد خراب الإنسان الذي لا يصلح معه إلا المحبة والنعمة اللتان بهما يرجعه الله إليه.

وهنا نرى سمو الإعلان فالله لم يتكلم إلينا كلاماً عن محبته، لكنه أعلن وأظهر هذا الحب من خلال بذله لابنه الوحيد «اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ، بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ» (رومية 32:8). لم يشفق على ابن محبته، مسرة قلبه، وحيده، موضوع لذته وشبعه، بل بذله لأجلنا!!

نعم إنها المحبة الحقيقية التي بلا رياء، إنها المحبة العظمى التي لا تقارن بها محبة أخرى. إنها عملت وضحت لأجل الخطاة، والآن هي بذاتها تسعى نحوهم لتجتذبهم إلى الله المحب . فهي نادت وتنادي وتظل تنادي: فلنصغ الآن إلى نداء المحبة:

«تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ» (متّى 28:11).

«إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ. مَنْ آمَنَ بِي، كَمَا قَالَ الْكِتَابُ، تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ» (يوحنا 37:7 – 38).

إنها المحبة التي تذهب لأجل الضال حتى تجده لتسعده وتفرحه (لو 15).

إنها المحبة التي تعطي الحياة الأفضل لأنها دبرت هذا في الصليب (يوحنا 10:10)

إنها المحبة التي أتت لكي تطلب وتخلص ما قد هلك (لوقا 10:19).

إنها المحبة التي ترحب وتسعى وتطلب ولا ترفض أحداً (يوحنا 37:6).

هل تبحث عن محب لك؟! أقول لك كف عن البحث فالمحب قريب منك جداً، هو يبحث عنك ويريد أن يصل بمحبته إليك، فقط تعال بكل خطاياك واثقاً فيه وفي محبته. إنه يرغب فيك، فلا تتراجع، بل تقدم وأطلبه ليدخل إلى حياتك، هذا الشخص الذي قالوا عنه، بعد أن لمسوا فيه ذلك، إنه «مُحِبٌّ لِلْعَشَّارِينَ وَالْخُطَاةِ» (لوقا 34:7).