العودة الى الصفحة السابقة

تطويبات المسيح

جون نور


في الموعظة على الجبل قدم المسيح له المجد للجموع الحياة المثالية في المسيحية. وتتلخص هذه الحياة في الأمور الآتية:

أولاً – الشعور بالمسكنة:

«طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ» (متّى 3:5). إن المساكين بالروح هم أولئك الذين يشعرون بحاجتهم المستمرة للرب. إنهم يشعرون بعدم أهليتهم أو استحقاقهم لرحمة الله. إنهم يشعرون بنقائصهم أمام الله ولا يعتدون ببرهم الذاتي ولا يفتخرون بأي شيء عندهم أو لهم. إنهم يقولون مع الرسول بولس: «فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ سَاكِنٌ فِيَّ، أَيْ فِي جَسَدِي، شَيْءٌ صَالِحٌ» (رومية 18:7). هؤلاء يظللهم الرب بمراحمه، ويحفظهم بعنايته، ويقدهم بروحه، ويدخلهم إلى مجده.

ثانياً – الشعور بالندامة:

«طُوبَى لِلْحَزَانَى، لأَنَّهُمْ يَتَعَزَّوْنَ» (متّى 4:5) إن الحزن المقصود هنا هو الحزن على الخطية وعدم الأمانة من جهة الرب وعدم الطاعة لوصاياه. هذا الحزن هو حسب مشيئة الله، ويقول عنه الرسول بولس: «لأَنَّ الْحُزْنَ الَّذِي بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ يُنْشِئُ تَوْبَةً لِخَلاَصٍ بِلاَ نَدَامَةٍ، وَأَمَّا حُزْنُ الْعَالَمِ فَيُنْشِئُ مَوْتًا» (2كورنثوس 10:7). إن حزن العالم يسبب المرض والقلق والفشل، وهو ليس حسب مشيئة الله. أما الحزن على الخطية فهو يولد التوبة ويجلب التعزية الإلهية. إن الحياة المثالية تتصف بالحزن على أقل شيء يتعارض مع مشيئة الله. فالشخص الذي عنده ضمير يستيقظ يحزن عندما تصدر منه أقل غلطة ويتألم عندما يقع في أي خطأ. هذا الشعور بالحزن يسر قلب الله فيسكب روح التعزية على الإنسان التائب ويسمعه كلمة الغفران ويطيب قلبه ويملأه سلاماً.

ثالثاً – شعور الوداعة:

«طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ، لأَنَّهُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ» (متّى 5:5). إن الوداعة ليست الضعف. إن الوداعة صفة من صفات الرب يسوع إذ قال: «لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ» (متّى 28:29). إن الكتاب يصف الوداعة بالقول: «زِينَةَ الرُّوحِ الْوَدِيعِ الْهَادِئِ، الَّذِي هُوَ قُدَّامَ اللهِ كَثِيرُ الثَّمَنِ» (1بطرس 4:3). إن الوداعة تملك على قلوب الناس لأنها لا تتعالى عليهم بل هي تزين النفس، وتحمل الروح، وتجعل الإنسان مرضياً ومطوباً أمام الله والناس إن الودعاء يرثون الأرض، يعيشون في سلام، يتمتعون ببركات الله في الحياة الحاضرة والمستقبلة.

رابعاً – الشعور بالجوع:

«طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ، لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ» (متّى 6:5). إن الحياة المثالية تتميز بالجوع والعطش إلى البر، إلى القداسة، إلى الحياة الأفضل. مبارك كل من عنده هذه الرغبة المقدسة. إن من يتعطش لنعمة الله ومن يشتاق لبركات الروح القدس لا يمكن أن يخيب رجاؤه. إن الله يهبه بكثرة وبوفرة كل ما يشتاق إليه، بل اكثر مما يطلب أو ينتظر حسب غناه في المجد. هذا هو اختبار القديسين في كل العصور. إسمع داود النبي حين يقول: «لأَنَّهُ أَشْبَعَ نَفْسًا مُشْتَهِيَةً وَمَلأَ نَفْسًا جَائِعَةً خَيْرًا» (مزمور 9:107).

خامساً – روح الرحمة:

«طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ» (متّى 7:5). الحياة المسيحية تتصف بالرحمة، بالشفقة على الآخرين الذين لا يستحقون الرحمة، بإظهار روح الحب والحنان الذي كان في المسيح، ذاك الذي كان يتحنن على الجموع. ما أسعد الإنسان الذي يمتلئ قلبه بالرحمة من جهة الآخرين، فلا يسرع بالحكم على أحد حتى ولو كان هذا الشخص مداناً ومخطئاً. إن الرحمة هي صفة من صفات الله، فهو إله كل رحمة، وأولاد الله ينبغي أن يكونوا رحماء لأن أباهم السماوي رحيم. إن من يرحم الناس في حكمه وتصرفاته ومعاملاته يحصد رحمة من الله في كل أعماله وحياته.

سادساً – القلب النقي:

«طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللهَ» (متّى 8:5). لا يستطيع الإنسان أن يعاين الله ويتمتع بالشركة معه والحديث معه ما لم يكن له القلب النقي والفكر الطاهر والكيان المقدس. لقد صلى داود قديماً قائلاً: «قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يَا اَللهُ، وَرُوحًا مُسْتَقِيمًا جَدِّدْ فِي دَاخِلِي» (مزمور 10:51).

سابعاً – خدمة المصالحة:

«طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ» (متّى 9:5). إن أعظم صانع سلام هو المسيح الذي صنع سلاماً بيننا وبين الله بدم صليبه. إن صنع السلام يتطلب التضحية وإنكار النفس. إن الحياة المثالية التي ينبغي أن يحياها كل مسيحي تتوفر فيها خدمة المصالحة بين الناس. بين الإنسان وأخيه، وبين الإنسان والله. إن الله وضع فينا «كَلِمَةَ الْمُصَالَحَةِ. إِذًا نَسْعَى كَسُفَرَاءَ عَنِ الْمَسِيحِ، كَأَنَّ اللهَ يَعِظُ بِنَا. نَطْلُبُ عَنِ الْمَسِيحِ: تَصَالَحُوا مَعَ اللهِ» (2كورنثوس 19:5 – 20).

ثامناً – تحمل الاضطهاد:

«طُوبَى لِلْمَطْرُودِينَ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ» (متّى 10:5). إن الذين يعيشون بالتقوى في هذه الحياة يضطهدون. إن العالم يقابل الإحسان بالإساءة والمحبة بالبغضة، وعمل الخير بالشر. إن إبليس ينجح في تحريك الأشرار لاضطهاد الأبرار، لأن الظلمة تبغض النور. إن المسيح له المجد جاز في هذا الاختبار، فتحمل اضطهاد المضطهدين وافتراءات المفترين، وشر الأشرار. تحمل كل هذا بصبر ولطف. «الَّذِي إِذْ شُتِمَ لَمْ يَكُنْ يَشْتِمُ عِوَضًا، وَإِذْ تَأَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُهَدِّدُ» (1بطرس 23:2). لقد وعد المسيح تلاميذه قائلاً: «طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ. اِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا، لأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُمْ هكَذَا طَرَدُوا الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ» (متّى 11:5 – 12).

هذه الحياة المثالية رأيناها في شخص المسيح، وكل مسيحي ينبغي أن يحيا هذه الحياة ويظهر المسيح في حياته أمام الناس.