العودة الى الصفحة السابقة

الحسد

جون نور


أعزائي المستمعين الكرام موضوع حلقتنا اليوم من برنامجنا حكم وأمثال في الكتاب المقدس هو الحسد.

أعزائي المستمعين إن خطية الحسد تجرب الكبير والصغير، المتعلم والجاهل، الغني والفقير، المؤمن وغير المؤمن. وكل إنسان معرض للوقوع في هذه الخطية ما لم يتحذر ويسهر ويقاوم ويتغلب على جرثومتها القاتلة. فالحسد ينخر في عظام الإنسان مثل السوس، ويتلف كيانه ويقوده إلى الدمار. إن الحسد ينبع من الكبرياء والأنانية، من أجل هذا يقول الرسول بولس: «وَادِّينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِالْمَحَبَّةِ الأَخَوِيَّةِ، مُقَدِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي الْكَرَامَةِ» (رومية 10:12). ويقول أيضاً: «حَاسِبِينَ بَعْضُكُمُ الْبَعْضَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» (فيلبي 3:2). إن الحسد ينبع من الرغبة في الظهور والارتقاء على الآخرين، وينشأ من حب المديح وطلب الإكرام والمجد العالمي.

نعم أعزائي المستمعين في أغلب الاحيان يكون الانسان الحسود عاجزاً عن التفوق على الاخرين وغير قادر على مجاراتهم في التقدم والنجاح، من أجل هذا يحاول بكل قواه أن يحط من قيمة الآخرين كي يرتفع هو. إنه يسلك شتى الطرق وينتحل كل السبل للوصول إلى غرضه، دون اكتراث بما قد يصيب الآخرين من أضرار بسببه. وربما يتهور الحسود ليرتكب أكبر الجرائم، لأن نار الحسد تأكل في داخله وتدفعه للحقد والإجرام. إن الحسد يعمى عين الإنسان، ويجعله ينسى كل القيم الأخلاقية، والمبادئ الإنسانية، ويفرط في الشرف والنزاهة. بل إنه قد يحول الإنسان إلى وحش مفترس، فلا يرحم غيره، بل يفترى عليه دون وجه حق ويفترسه افتراساً.

اعزائي إن أشنع الجرائم التي سجلها التاريخ كانت نتيجة الحسد، فالحسد في قلب الكتبة والفريسيين جعلهم يتحدون معاً، مدبرين جريمة قتل وصلب المسيح له المجد، ذاك القدوس البار، حسب من الأشرار وصلب على خشبة العار!! لقد حسد قايين أخاه هابيل لأن الله قبل قرابينه، فقام وقتل أخاه البار.

أيضاً حسد شاول داود فحاول قتله مرات كثيرة، لكنه فشل في ذلك. وكان الحسد هو المحرك الأعظم لهؤلاء الذين اشتكوا على دانيال فألقى في جب الأسود، وعلى الثلاثة فتية فطرحوا في اتون النار. حقاً ما أشنع الحسد! إنه الذي حرك الملوك والرؤساء لقتل القديسين والأنبياء. يا لها من خطية بشعة لا تمحوها الأيام أو الأجيال.

الحسد هو دليل ضعف الشخصية، وهو مظهر من مركبات النقص في الإنسان. إنه يكشف عن فشل في الحياة وعدم تكامل في الشخصية. بل إنه يثبت طفولة الإنسان وعدم نضوجه في التفكير والأخلاق.

إن التاريخ ممتلئ بتلك الشخصيات التي قتل الحسد كل نبل فيهم، وحوّل حياتهم إلى جحيم. فشاول الملك كان مسروراً فخوراً حين عظمه الشعب وهتف له الجميع عندما رجع منتصراً من القتال، لكنه بعد قليل تغير فرحه إلى حزن واغتم جداً لأن الشعب هتف لداود الذي قتل جليات وانتصر عليه باسم رب الجنود، فردد الشعب: «ضَرَبَ شَاوُلُ أُلُوفَهُ وَدَاوُدُ رِبْوَاتِهِ» (1صموئيل 7:18). فيقول الكتاب: «فَاحْتَمى شَاوُلُ جِدًّا وَسَاءَ هذَا الْكَلاَمُ فِي عَيْنَيْهِ، وَقَالَ: «أَعْطَيْنَ دَاوُدَ رِبْوَاتٍ وَأَمَّا أَنَا فَأَعْطَيْنَنِي الأُلُوفَ! وَبَعْدُ فَقَطْ تَبْقَى لَهُ الْمَمْلَكَةُ فَكَانَ شَاوُلُ يُعَايِنُ دَاوُدَ مِنْ ذلِكَ الْيَوْمِ فَصَاعِدًا» (1صموئيل 8:18 – 9) يا للهول! لقد نخرت جرثومة الحسد في قلب شاول الملك، فبددت سلامه وأفراحه، وجعلت حياته جحيماً مريعاً، وفكر في قتل داود وحاول مراراً كثيرة أن يقضى عليه، لكن هيهات أن يحقق الرب للحسود أغراضه الشريرة وميوله الباطلة.

اذا ما هو علاج هذا المرض الوبيل الذي يقتل كل روحانية في الإنسان، ويحطم حياته الحاضرة والمستقبلة؟ وكيف نتغلب على الحسد الذي يحاربنا ويجعلنا نبغض الذين ينجحون في الحياة ويتقدمون علينا في المركز الاجتماعي؟ وكيف نهرب من هذا الوحش المارد الذي يريد أن يبتلعنا ويحطم سلامنا وأفراحنا؟

إن العلاج الوحيد لهذا المرض الخطير هو الموت عن الذات والملذات، وتكريس الحياة بجملتها للرب. فحين يكون شعارنا: «لأَنَّ لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ» (فيلبي 21:1)، عندئذ نتغلب على خطية الحسد. لأن الكتاب يقول: « وَلكِنَّ الَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا الْجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ. إِنْ كُنَّا نَعِيشُ بِالرُّوحِ، فَلْنَسْلُكْ أَيْضًا بِحَسَبِ الرُّوحِ. لاَ نَكُنْ مُعْجِبِينَ نُغَاضِبُ بَعْضُنَا بَعْضًا، وَنَحْسِدُ بَعْضُنَا بَعْضًا» (غلاطية 24:5 – 26).

إن علاج الحسد هو تكريس الحياة للرب، وطاعته بالتمام، وإتمام مقاصده الصالحة بكل أمانة بغير تذمر أو حسد.

اعزائي المستمعين إن من يحاول أن يرفع نفسه على الآخرين لن ينجح، لكنه يفشل في حياته، لأن السيد قال لتلاميذه: «فَمَنْ يَرْفَعْ نَفْسَهُ يَتَّضِعْ، وَمَنْ يَضَعْ نَفْسَهُ يَرْتَفِعْ» (متّى 23: 12). هذا ما فعله الرسول بولس حين قال: «مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ» (غلاطية 20:2). هذا هو أعظم سلاح للتغلب على خطية الحسد. فمن يصلب ذاته، ويموت عن شهواته، ويطلب مجد المسيح في حياته، لا يمكن للحسد أن يتطرق إلى قلبه، لأنه لا يطلب مركزاً عالمياً، أو شهرة زمنية، أو مجداً أرضياً، لكنه يبغي مجد الله في حياته ومماته.

ليعطيك الرب عزيزي المستمع نعمة في عينيه لكي لايحد الحسد مكانا له في حياتك امين