العودة الى الصفحة السابقة

الخليقة الجديدة

جون نور


«إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ» (2كورنثوس 17:5).

أعزائي المستمعين الكرام موضوع حلقتنا اليوم من برنامجنا حكم وأمثال من الكتاب المقدس هو الخليقة الجديدة.

أحس بالألم وأنا أصف حالة الخاطئ بدون المسيح لأنه في الواقع لا يقدر أن يفعل شيئاً إلا الخطية. بل حتى كل عمل صالح يعمله بدون الإيمان يعتبره الله خطية لأن «كُلُّ مَا لَيْسَ مِنَ الإِيمَانِ فَهُوَ خَطِيَّةٌ» (رومية 23:14). لذلك فكل محاولات البشر لتقديس أنفسهم، وإرضاء إلههم دون أن يأتوا إلى المسيح لا بد أن تفشل.

إن الدليل على أن للشخص أيماناً حياً بالمسيح وليس إيماناً ميتاً هو حياة التجديد أو الحياة المقدسة لأن الإيمان يعمل بالمحبة ليطهر القلب. وقد أشار أحد قديسي الله إلى ذلك بقوله: «لا تقل إنك ولدت من الله وإن الدم الملوكي السماوي يجري في عروقك إلا إذا أثبت ذلك بالحياة المقدسة».

إن الكتاب المقدس رسالة من الآب المحب الذي اشتقنا إليه طويلاً، وفيه يحدثنا عن عواطف قلبه من جهتنا ويدعونا بلطف إلى العودة إليه كخطاة لنتمتع بحبه وإحسانه، فإذا لم نجد سروراً في قراءته أو إذا كنا نهتم مثلاً بالمحاضرات التافهة عن أمور العالم أكثر من اهتمامنا به واعتبرناه جافاً لا جاذبية فيه، بهذا نؤكد أن محبة الله ليست فينا.

نعم عزيزي المستمع اعرف إرادة أبيك السماوي عن طريق الكتاب ودراسته كله، العهد القديم والعهد الجديد فكل الكتاب نافع. والعهد القديم هو العهد الجديد المعلن، والكتاب بجملته هو مرشدنا في عالم مظلم مضطرب. إنه يمسح دموعنا بكلمات التعزية ويبهج قلوبنا بمواعيده ويضيء بنور معرفته الثمينة كل ركن في حياتنا ونحن عابرون وادي ظل الموت.

أينما يوجد المؤمن الحقيقي، وبغض النظر عن جنسه وموطنه ولون بشرته ومكان معيشته وعاداته، وسواء كان من أقصى الشمال أو من أقصى الجنوب، من سكان المنطقة المتجمدة أو المنطقة الحارة، ترى فيه هذه المحبة لسيده وتكتشف أن محبته لفاديه أقوى وأعمق من محبة الوالدين ومحبة العالم ومحبة الحياة نفسها.

لما أحضر أحد المؤمنين الأتقياء أمام الإمبراطور تراجان الروماني لينكر المسيح وإلا قتل صاح بقوله: «ماذا؟ هل أنكر سيدي وحبيبي، ربي وإلهي؟ إن يسوعي هنا في داخل قلبي ولا يمكنني أن أنكره» ، فقادوه في الحال إلى ساحة الموت حيث استشهد لأجل المسيح.

هناك إحساسان قويان يوجدهما الإيمان بالمسيح في قلب المؤمن، الأول: إحساس الفرح، والثاني: الشعور بالحب. هذان الإحساسان يختبرهما كل من يتم إنقاذه من سلطة الشيطان والخطية إذ يكون شعوره الأول هو شعور الفرح لنجاته من موت محقق، والثاني هو شعور الحب والعرفان بالجميل لمن أنقذه. أما وقد خلص المسيح المؤمن من الدينونة الرهيبة فهناك شعور الفرح بالنجاة وشعور الحب لذاك الذي تفضل فخلصه خلاصاً أبدياً.

وهذا الحب المبارك هو السر الذي يجعل الشخص المتجدد يترك المسرات العالمية التي كان يحبها من كل قلبه لأنه لم يعد يجد فيها لذته وسروره. إذ أصبحت لذته الجديدة وسروره الجديد في شخص المسيح. يظن أصدقاؤه القدامى أن سر ابتعاده عن المسرات الماضية هي فقط لكيما يظهر بمظهر المتدين، ولم يعلموا أن المسيح قد سبى قلبه تماماً حتى لم يعد يتلذذ إلا به ولا يجد سروره إلا في شخصه. لقد ترك عادة الشرب من مواخير الشر لأنه الآن يشرب من نهر القداسة الذي يبهج النفس.

نعم عزيزي المستمع، لقد حذرك الرب من هذه الأمور ليس من جهة الرجوع إليها فقط بل حتى من مجرد النظر إلى الوراء والالتفات إليها. والحقيقة، إن محبتك لفاديك ابتدأت تفتر وأصبح قلبك بارداً كالثلج، ونصيحتي إليك أن تحمل هذا القلب البارد إلى شخص المسيح من جديد، ولا تطمئن حتى تراه يشعله بلهيب الحب المقدس فتصرخ إليه مرة أخرى «ربي وإلهي».

تصور عزيزي المستمع أن شخصاً غريباً زارك اليوم في منزلك، مظهره بسيط من كل وجه وعلى محياه علامات الرقة والخير، لكن مسحة من الحزن المقدس تبدو على وجهه كأن ذكريات قديمة تمر بمخيلته وهو ينظر إليك. اسمع! إنه يتكلم الآن وحديثه يلهب قلبك ويرفع أفكارك من العالم إلى السماء، فكأنك تستمع إلى أصداء السماء في حديثه، لا تندهش ولا تفكر في شخصية هذا الزائر الغريب المبارك فأنت الآن في محضر مخلصك وفاديك. إنه يظهر لك جروحه لتتأكد من شخصيته، وبعدها يسألك نفس السؤال الذي وجهه إلى بطرس، فينتابك ألم داخلي وتجيبه باضطراب. يا مخلصي القدير أنت تعرف أني أحبك.

أيها الاحباء، إن يسوع يتحدث إليكم كل يوم ويذكركم بالهالكين وكيف أنهم يعيشون معكم في نفس المنازل، ويأكلون معكم نفس الخبز ويختلطون بكم في كل يوم في الحياة العملية. إن كنتم تحبون الرب فإنكم تقدرون قيمة نفوسهم، وسواء أردتم أم لم تريدوا فأنتم مسؤولون عن هلاكهم، فحاولوا أن تخطفوهم من النار وتنقذوهم من الهلاك الأبدي.