العودة الى الصفحة السابقة
السلوك في المحبة، كأولاد نور

السلوك في المحبة، كأولاد نور

جون نور


أعزائي المستمعين الكرام موضوع حلقتنا اليوم من برنامجنا حكم وأمثال من الكتاب المقدس هو السلوك في المحبة، كأولاد نور.

الاختبار المسيحي يبدأ أولاً بتعلم الحق، ثم ينتهي بالضرورة بأسلوب سلوك. حينما أعرف بماذا تؤمن وتقتنع، حينئذ أستطيع أن أدرك كيف ستسلك وتعمل. وليس كما يعلم البعض إننا نريد سلوكاً وليس مهماً ما تؤمن أو تعلم به.

لقد قال الرب عن خروف الفصح: «تأكلونه؛ رَأْسَهُ مَعَ أَكَارِعِهِ وَجَوْفِهِ» (تكوين 12: 9). فيجب أن نتغذى على «الرأس» الذي هو مركز الأفكار، ومن ثم سيكون لنا «الأكارع» أي أسلوب السلوك. وفوق الكل سنتغذى على «الجوف» الذي هو أحشاء المسيح.

وإذا أردنا أن نلخص الإعلان في رسالة أفسس في ثلاث كلمات موجزة، نستطيع أن نقول «جلوس ... سلوك ... وقوف» ولزيادة التوضيح نقول «جلوس مع المسيح ... سلوك كما يليق ... وقوف بثبات».

إن معظم المؤمنين يخطئون عندما يحاولون أن يسلكوا أولاً قبل أن يجلسوا، إذ أن هذا يخالف الترتيب الإلهي الصحيح. قد يكون المنطق البشري هو كيف نبلغ الهدف إن كنا لا نسير؟ وكيف ندرك ما نسعى إليه بدون مجهود؟ وهل يستطيع الإنسان أن يصل إلى أي مكان بدون أن يتحرك؟ لكن يا أحبائي أليست الحياة المسيحية شيئاً عجيباً؟ فإن كنا من البداية سنحاول أن نعمل شيئاً، فلن نحصل على شيء. وإذا أردنا أن نصل إلى شيء، فسيفوتنا كل شيء. ذلك لأن المسيحية لا تبدأ بعمل عظيم من جانبنا، لكن العمل العظيم قد تم. ولذلك فرسالة أفسس تبدأ بالبركة «مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ...» (أفسس 1: 3) وتنتهي بالسلوك «أَنْ تَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلدَّعْوَةِ الَّتِي دُعِيتُمْ بِهَا...» (أفسس 4: 1) وهكذا توضع الأمور في نصابها الصحيح.

والآن دعونا نتأمل بشيء من التفصيل في هذه الثلاثية المباركة: سلوكنا في المحبة، وكأولاد نور، وبالتدقيق:

«اسْلُكُوا فِي الْمَحَبَّةِ كَمَا أَحَبَّنَا الْمَسِيحُ أَيْضًا وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، قُرْبَانًا وَذَبِيحَةً للهِ رَائِحَةً طَيِّبَةً» (أفسس 2:5).

إن الأعداد الأخيرة من الأصحاح الرابع من رسالة بولس الرسول الى تيطس، والذي ينهي فيها الرسول قائمة تحريضاته للقديسين بما عليهم أن يخلعوه وأن يلبسوه، يركز على أن يكونوا «لُطَفَاءَ... شَفُوقِينَ... مُتَسَامِحِينَ» (أفسس 4: 32). إلا أنه هنا يرتفع إلى درجة أعلى وأسمى، فيطالبهم أن يسلكوا في المحبة. وهذه الصفة، أي المحبة، ليست لنا بالطبيعة من «آدم»، ولكنها صفة إلهية يتمتع بها الأولاد الذين ولدوا من الله، وبالتالي يحملون صفاته. فنحن قد أصبحنا ضمن العائلة الإلهية... محبوبين منه وبالتالي صارت لنا الصفات الإلهية التي له. وعليه فإننا لا نتصنع المحبة ولا نقلدها، ولكنها صفة متأصلة فينا «كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِاللهِ كَأَوْلاَدٍ أَحِبَّاءَ» (أفسس 5: 1).

كثيراً ما نرى أطفالاً صغاراً يحاولون أن يلعبوا في الساحة لعبة «القصر الملكي». وتتصور إحدى الفتيات الصغيرات – وقد ارتدت حلي لامعة رخيصة – أنها أميرة، وتحاول أن تتصرف بكل ما لها من قدرات كأميرة، ولكن في النهاية ما هذا سوى تمثيل وخداع ولا يرقى لمستوى الحقيقة. ولكن على النقيض من ذلك، إذا رأينا فتى صغير يتتبع خطوات أبيه عن قرب، فيستطيع أن يسلك، بدون رياء وتكلف وتصنع، بنفس سلوك أبيه. إن هذا الصبي يحمل ذات الملامح والصفات التي للأب، ولذلك فهو يمتلك ذات حياته وطبيعته التي تجعل تصرفاته حقيقية.

ويقدم لنا الرسول مثالاً عظيماً في المحبة العملية «كَمَا أَحَبَّنَا الْمَسِيحُ أَيْضًا وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا» (أفسس 5: 2). في المسيح ظهرت طبيعة الله في ملء الكمال. في المسيح تترجمت المحبة إلى عمل، وما أعظم العمل الذي نبع من قلبه المحب، إنه قدم نفسه لله قرباناً وذبيحة، كما يُشار إلى ذلك في سفر اللاويين 1. إن عظمة وعمق هذه المحبة تجعله يقف فيها متفرداً، ولكن نحن مدعوون أن نحب كما هو أيضاً أحب، وأن نظهر المحبة بأسلوب عملي.

«لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ قَبْلاً ظُلْمَةً، وَأَمَّا الآنَ فَنُورٌ فِي الرَّبِّ. اسْلُكُوا كَأَوْلاَدِ نُورٍ (النور) لأَنَّ ثَمَرَ الرُّوحِ هُوَ فِي كُلِّ صَلاَحٍ وَبِرّ وَحَقّ» (أفسس 8:5، 9).

«فَانْظُرُوا كَيْفَ تَسْلُكُونَ بِالتَّدْقِيقِ، لاَ كَجُهَلاَءَ بَلْ كَحُكَمَاءَ، مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ لاَ تَكُونُوا أَغْبِيَاءَ بَلْ فَاهِمِينَ مَا هِيَ مَشِيئَةُ الرَّبِّ. وَلاَ تَسْكَرُوا بِالْخَمْرِ الَّذِي فِيهِ الْخَلاَعَةُ، بَلِ امْتَلِئُوا بِالرُّوحِ» (أفسس 15:5 – 18).

إن سلوكنا وسيرنا يجب أن يكونا مصحوبين بالحكمة.. هذه الحكمة التي من جهة تقتنص كل فرصة سانحة لخدمة الرب، ومن جهة أخرى تفهم مشيئته ودواعي سروره. إن الخدمة المرضية للرب ليس أننا ننفذ العمل كيفما اتفق، ولكن أن ننجزه بناء على رغبة ومشيئة الذي نخدمه.

وهناك ارتباط بين فكرة افتداء الوقت من جانب، والسلوك بالحكمة من الجانب الآخر. وهذا الارتباط على جانب عظيم من الأهمية، ونستطيع أن نراه في مثل العشر عذارى، فالعذارى الحكيمات أدركن الوقت المناسب لملء المصابيح بالزيت، أما الجاهلات فلم يدركن وقت مجيء العريس.. فضاعت عليهم الفرصة. إذاً فعامل الوقت هو الذي ميّز بين الحكيمات والجاهلات.

أعزائي المستمعين من الضروري أن يجيء التحريض لنا لكي نمتليء بالروح. إن هذا الملء سيخرجنا من دائرة أنفسنا لنخدم المسيح بقوة غير عادية، بل سيعرفنا ما هي مشيئة الرب، وكيف تكون لنا الحكمة في استغلال الوقت، مغتنمين كل فرصة ومفتدين الوقت. آمين.