العودة الى الصفحة السابقة

هل ترضى بان يغسل يسوع قدميك؟

جون نور


أعزائي المستمعين الكرام موضوع حلقتنا اليوم من برنامجنا حكم وأمثال من الكتاب المقدس هو هل ترضى بان يغسل يسوع قدميك.

عندما صعد التلاميذ إلى العلية، صعدوا إليها ومعهم أحقادهم وحزازاتهم وكبريائهم. فإذا بهم يهرعون إلى الكراسي، كل يود أن يأخذ مقعداً بجوار يسوع أو مقابله. كان ميعاد العشاء قد حل، والكل مستعد لوجبة دسمة شهية. لكن يسوع قام عن العشاء. كان هناك غذاء أهم وكان هناك طعام من صنف آخر يريد أن يقدمه يسوع لهم، ليطعم به نفوسهم السقيمة الهزيلة. قام يسوع عن العشاء وخلع ثيابه وأخذ منشفة واتزر بها. ثم صب ماء في مغسل وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ ويجففها بالمنشفة التي كان متزراً بها.

خيم الصمت على التلاميذ وتملكتهم الدهشة عندما رأوا يسوع ينحني عند أقدامهم يغسلها ويجففها بعناية تامة. لم يكن هناك أي تصنع. فلم يكن هناك أي تصنع في حياة يسوع كلها. وما كان ليتصنع وهو يقوم بهذا العمل الجليل. كان يسوع يعرف مقدار نفسه كل المعرفة. يعرف إنه من عند الآب خرج، يعرف أنه الابن الوحيد، يعرف أنه قد دفع اليه كل سلطان مما في السماء وما على الأرض. ومع ذلك فإنه ينحني عند أقدام تلاميذه. انحنى يسوع ابن الله عند أقدام الإنسان وهو أعلم بمن هو الإنسان. انحنى ليغسل الإنسان، أقدام الإنسان. انحنى ليعلم الإنسان. انحنى عند أقدام الإنسان ليصل من هناك إلى قلب الإنسان.

وكان التلميذ يرقب هذا المشهد الفريد وقد عقدت المفاجأة لسانه. لم يكن يتصور قط أن السيد في يوم من الأيام يمكن أن ينحني عند أقدامه. السيد لم ينحن قط. واجه الولاة والعسكر، واجه الرومان والكهنة والفريسيين، واجه الأعداء والشياطين، واجه المرض والخطية والموت، واجه العواصف. ما من شيء انحنى أمامه السيد. لكن هذا السيد العظيم، ابن الله الحي ينحني عند قدميه. لم يكن هناك أي توهم، فقد انحنى السيد أمام عينيه اثنتي عشرة مرة. انحنى عند أقدام ذلك الخائن والمتشكك والمتهور .. انحنى يسوع عند أقدام الجميع. التلميذ جالس على المقعد والسيد ينحني عند قدميه. وعندما لمس يسوع قدم التلميذ وثب التلميذ معترضاً. شعر بالقشعريرة تهز كيانه. صرخ وقال في ذهول يا سيد أنت تغسل رجلي، هذا محال، لن تغسل رجلي أبداً.

منذ دقائق كان التلميذ يسرع ليجلس على المقعد ليحتفظ لنفسه بالمكان الأول. وها هو الآن يهرب من ذلك المكان. وإذا بالتلميذ يؤنب نفسه. كيف غابت عنه هذه الفكرة وهو الذي يتسرع دائماً في كل شيء، وهو المقدام الذي يريد لنفسه المكانة الأولى؟ كان يجب ألا يفوته هذا العمل الجليل وينفرد به عن بقية التلاميذ. انجرف هو مع بقية التلاميذ في السعي وراء الكرسي الأول. فلم يقدر أن يفكر التفكير السليم. كان ممكناً أن يقوم بما عمله يسوع فيخلد اسمه، ويتحدث الناس في كل مكان وعلى مر الزمان عن التلميذ المتواضع الذي رفض الكراسي، بل انحنى وغسل أقدام السيد والتلاميذ أيضاً.

صعق التلميذ عندما رأى يسوع بجلاله ينحني أمامه بل ينحني عند قدميه. كان هناك مجد عظيم عندما أنحنى يسوع عند قدمي تلميذه، مجد فاق كل ما رآه التلميذ من قبل. فلقد أظهر يسوع مجده العظيم أمام الأمواج والعواصف. كما ظهر مجده الباهر فوق الجبل، وكان مجده أيضاً لا يوصف أمام القبر. مجد أظهر فيه قوته وعظمته. أما هذا المجد الذي ظهر عندما انحنى عند قدمي تلميذه فقد أظهر فيه مجد محبته. المحبة هي التي جعلته ينحني والتي سوف تقوده أيضاً إلى الموت موت الصليب.

في لحظة تراءى للتلميذ عظمة يسوع ومجده. وانكشف أيضاً للتلميذ قذارته وحقارته. لم يستطع التلميذ أن يحتمل أكثر من ذلك. فهب من على المقعد الذي كان منذ لحظات متعلقاً به. هب من هناك يريد الهروب. صاح يا سيد لن تغسل رجلي أبداً. هذا شيء محال شيء لا يمكن أن يطاق. لكن السيد أمسكه وأقنعه بهدوء ليبقى في مكانه. غسل السيد رجلي التلميذ، لكن التلميذ كله كان قد ذاب.

تعجب التلميذ لكل هذا وشعر بعدم الاستحقاق. لقد شعر بعدم الاستحقاق لأن يغسل السيد رجليه. وها هو الآن يرى قلبه أقذر بكثير من قدميه. قلبه أقذر وأصعب من أن يغسل. لكنه عندما شعر بحاجته قالها والدموع ملء عينيه، يا سيد ليس رجلي فقط بل رأسي وعقلي وقلبي. أنت تعرف كل شيء، أنت تعرف حاجتي.

لكن المياه لا تقدر أن تغسل الإنسان بل لعلها تغرقه. المياه تطهر من الخارج فقط. تعطي الإنسان الإحساس الزائف بالطهر والنقاء. الدم وحده هو الذي يغسل القلب.

لقد كان التلميذ يشعر بعدم استحقاق شديد لأن يغسله السيد. وكان في عدم استحقاقه، يأتي إلى السيد، وجعل السيد يفتح له أحضانه. اكتشف التلميذ حاجته، فبعد أن امتنع اندفع قائلاً: «اغْسِلْنِي كَثِيرًا مِنْ إِثْمِي، طَهِّرْنِي بِالزُّوفَا فَأَطْهُرَ. اغْسِلْنِي فَأَبْيَضَّ أَكْثَرَ مِنَ الثَّلْجِ» (مزمور 51: 2 و7). هل تعلمتم الدرس أعزائي المستمعين فهل ترضوا بأن يغسل رب المجد أقدامكم فتتعلمون الدرس.