العودة الى الصفحة السابقة

من هم ابناء الملكوت؟

جون نور


أعزائي المستمعين الكرام موضوع حلقتنا اليوم من برنامجنا حكم وأمثال من الكتاب المقدس هو من هم أبناء الملكوت؟

أبناء الملكوت هم المساكين المطوبون. فهم أول من خاطبهم يسوع قائلاً: «طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ» (متّى 5: 3). فالمساكين هم القارعون على صدورهم الذين تفتح لهم أبواب السماء. والمساكين هم الحزانى النائحون على خطاياهم الذين لا بد أن يتعزوا. المساكين هم الودعاء الذين يرثون الأرض والسماء. ولأن المساكين في غاية الجوع والعطش إلى البر، ولذاك فإنهم يشبعون. المساكين هم دعاة الرحمة لذا فهم يرحمون. المساكين دائماً للسلام وليس للخصام لذا هم أبناء الله يدعون.

المساكين هم الذين يرثون ملكوت الله ذلك لأنهم المساكين الذين يشعرون بأنهم محتقرون كالكلاب الذين لا يستحقون أن يلتقطوا الفتات المتساقط تحت مائدة أسيادهم، وإذا بهم يكتشفون ان صاحب المائدة هو صاحب الملكوت. المساكين هم الذين يكتشفون يسوع الخبز النازل من السماء الواهب حياة. يكتشفون يسوع نور العالم. بل يكتشفون يسوع الباب الذي كل من يدخل منه يدخل ويخرج ويجد مرعى. يكتشفون يسوع الحمل الوديع فيجدون راحة لنفوسهم. يكتشفون صاحب الملكوت نفسه، فهو الطوبى وهو السعادة القصوى وهو النصيب الصالح الذي لا يمكن أن ينزع منهم.

أبناء الملكوت هم المساكين العظماء. فالملكوت ليس للأدنياء ولا للجهال، لكنه للأدنياء الشرفاء، وللجهال الحكماء. كانوا حقاً أدنياء لكنهم أصبحوا ملوكاً، وكانوا أيضاً جهالاً لكنهم تحكموا بحكمة السماء. كانوا مهانين مذلين، طائفين في جلود غنم وجلود معزى. كانوا مطرودين وتائهين في المغاير وشقوق الأرض. كانت هذه الصورة الخارجية. لكن هؤلاء هم صفوة أبناء الملكوت. هم الأشراف الكرماء، هم الأقوياء الحكماء. الذين لم يكن العالم مستحقاً لهم.

هؤلاء داسوا العالم. وطأوا الأرض بكل أباء وشمم. هؤلاء لم يحبوا العالم، ولم يحبوا أنفسهم حتى الموت.

هؤلاء هم المساكين المقتدرون، هم الغالبون المنتصرون، عندما رضوا أن تتمزق أجسادهم. وهؤلاء هم الذين انتصروا على العالم عندما انتصروا على شهواتهم، والذين دحروا جنود الظلام بحبهم وإيمانهم.

لقد وضح يسوع أن الطريق إلى الملكوت صعب ووعر، ولا يمكن لإنسان أن يرتاده بمفرده. إذ كيف ننفصل عن المادة ونحن نعيش في عالم المادة. كيف نترك المنظور من أجل أمور غير منظورة. كيف نتخلص من أنانيتنا وننكر أنفسنا. كيف نغير اتجاهنا في الحياة، وأين هي القوة التي تدفعنا إلى العلاء. أين هي القوة التي تنتزع من داخلنا كل النزعات الجسدية والميول العالمية؟ لقد كان للتلاميذ كل الحق عندما قالوا ليسوع: «إِذًا مَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْلُصَ؟» أجابهم يسوع: «غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله» (متّى 19: 25 و26) وبهذا أصبح واضحاً أن انتشار هذا الملكوت يحتاج إلى قوة علوية، وأن بناء هذا الملكوت يجب أن يكون على أساس متين.

لقد كان يسوع هو الحجر العجيب الذي لم يفطن له البناؤون. لكن الحجر الذي رفضه البناؤون هو رأس الزاوية. يسوع هو الأساس وهو القوة الدافعة الخلاقة التي بها يمتد ملكوت الله إلى أقصى الأرض ويبقى إلى مدى الأجيال.

لقد كانت حياة يسوع تجسيداً لهذا الملكوت. كانت حياة يسوع تجسيداً للمحبة العجيبة والقداسة المتناهية. وتجسيداً للحياة المنتصرة على الماديات. فمنذ أن ولد يسوع في مذود، وطأ الماديات والأرضيات بقدميه. فلم يكن للماديات مكان في قلبه. وقد ظهرت نصرته الكاملة على المادة عندما فضل الجوع على أن يحول الحجارة خبزاً، وعندما فضل السجود لله على أن يملك على كل ممالك العالم.

لكن قمة نصرته على العالم والماديات كانت في الصليب. فعندما رضي أن يتمزق جسده كان في هذا قمة تمزيقه للماديات. فالذات الإنسانية تتجسم في الجسد. والإنسان ما زال منذ القدم ينمي هذا الجسد، ويمعن في إجابة رغباته. فكل غرور الإنسان، وكبريائه يريد أن يجعلها واضحة، وذلك بإضفاء كل معاني القوة والجمال على نفسه. فالجسد إذاً هو المحور الذي ترتكز عليه كل الماديات والعالميات. لهذا فعندما رضي يسوع أن يمزق جسده، أعلن تفاهة كل هذه المحاولات وحماقتها. فالجسد لا يفيد شيئاً، لذا لا يمكن أن يكون أولاً، وكل المحاولات التي تبذل لإنماء هذا الجسد ليست محاولات مجدية فحسب بل هي سخط علينا.

عندما يرى الانسان ابن الله معلقاً ممزقاً مهاناً، لا يسعه إلا أن يضع رأسه في التراب. عندما يرى سيده ممزقاً لا بد وأن يتمزق قلبه في داخله. في الجلجثة تموت الذات، تتحطم الماديات، يبطل كل غرور وكبرياء، ينهد صرح الأنانية، فأحيا لا أنا بل المسيح. عند الصليب يقرع الإنسان صدره، بانسحاق وحزن عميق، فإذا بباب الملكوت ينفتح له، فيسير في طريق المحبة والقداسة التي لم يخطر في باله أنها في يوم من الأيام ستكون له.

فملكوت الله إذاً أساسه المسيح المصلوب. نبعه في الجلجثة حيث تتفجر الطاقة التي تصهر الصخور. هناك تنطلق الطاقة التي تبعث الحياة في القبور. والقوة التي تملأ القلوب بالمحبة والطهر والحبور.هل أنت من ابناء الملكوت عزيزي المستمع أدعوك لكي تنضم اليه الآن حيث يقول يسوع: «مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ (الآن) لاَ أُخْرِجْهُ خَارِجًا» (يوحنا 6: 37) له المجد الى الأبد آمين.