العودة الى الصفحة السابقة

عمانوئيل الله معنا

جون نور


أعزائي المستمعين الكرام موضوع حلقتنا اليوم من برنامجنا حكم وأمثال من الكتاب المقدس هو عمانوئيل الله معنا.

لا توجد كلمات أروع ولا أعظم من كلمات الرب يسوع التي تلهب القلب كما بنار. قال يسوع لتلاميذه وللجموع: «اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ» (يوحنا 14: 9).

لما تحدث يسوع أعلن لنا هذه الحقيقة المباركة وهي أنه بتجسده أعلن لنا الآب وكشف لنا عن قلبه المحب إذ صار هو عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا.

نعم أعزائي المستمعين إننا نعرف شيئاً عن الله من عمل يديه، وعندما نرسل البصر إلى الصخور المرتفعة الشامخة وإلى الجبال العالية التي تخترق السحب وعندما ننظر إلى المحيط المتسع ينتابنا شعور بالرهبة فنصرخ: «ما أعظم الرب!». ولكن الطبيعة بكل مجدها واتساعها لا تقدر أن تحدثنا بكلمة واحدة عن الأمر الذي نحتاج إليه كخطاة وهو الغفران، ولا توجد همسة واحدة من همسات الغفران يمكن أن تأتي إلينا عن طريق السماء الزرقاء فوقنا ولا بواسطة أي عمل آخر من أعمال الله التي حولنا، بل بالعكس إن فكرة عظمة الله تملأ قلوبنا خوفاً باعتباره الذي لا نقدر أن ندركه. كما أن فكرة وقوفنا في محضره يوماً من الأيام، تجعلنا ننفر منه بدلاً من أن تجذبنا إليه، أما عندما يقترب إلينا الله في جسم بشري، عندما يدنو إليّ كابن الإنسان، وعندما أسمعه يتحدث إليّ من شفاه بشرية، وعندما أراه ينظر إليّ من عينين تذرفان الدموع على بؤسي وشقائي وعندما يتأوه لأجلي بعواطف بشرية ويحدثني عن المحبة والغفران، بهذا فقط تزول مخاوفي، وعندما اقبله في داخل القلب فلا شك أنه يمتعني بالغفران.

هذا هو سر التجسد وهنا تتجلى حكمة الله الذي ظهر في الجسد. لماذا يرتعب الخاطئ من الله ويحاول جاهداً أن يبعد عن عقله كل فكرة عن إلهه كما لو كان التفكير فيه والحديث عنه سر كآبته وحزنه؟ لماذا ترعبه فكرة الوجود في محضر الله والاقتراب منه بالموت الجسدي؟!

لا يمكن أن يكون السبب من جانب الله لأن اليدين اللتين نخاف منهما هما اللتان خلقتاه ولا زالتا تلقيان المراحم في طريقه، وهما أيضاً اللتان تلوحان إليه بالاقتراب. إن الصوت الذي يخشى سماعه هو نغمة الحب ونداء الحنان والصفح الذي يناديه قائلاً: ارجع... لماذا تموت؟

هذا الأمر يبدو واضحاً في أبوينا الأولين، فطالما كانا يعيشان في القداسة كانت تغمرهما السعادة والشعور بمحبة الله. ولكن بعد أن صدقا الكذب، كذب الشيطان الذي أقنعهما أن الله أناني لأنه منع عنهما شيئاً طيباً لئلا يصيران مثله عارفين الخير والشر، في اللحظة التي صدقا فيها كلام الشيطان سقطا وابتدأ الفزع والخوف من الله يحل محل الثقة والمحبة والسعادة، فاللذان كانا منذ لحظات يرسلان مع النسيم أغاني الحب والسرور، وتمتزج أناشيدهما وتسابيحهما بأناشيد السماء أصبحا الآن يهربان من صوت الله ويحاولان أن يختبئا من وجهه وسط أشجار الجنة.

لماذا أصبح آدم تعيساً مع أن شيئاً لم يتغير حوله؟ فلا زالت الثمار جميلة ولذيذة، ولا زالت موسيقى الطيور عذبة شجية كما كانت من قبل؟ والأكثر من ذلك أن آدم نفسه كان لا يزال موجوداً في الجنة - السر هو خوفه من إلهه وخشيته من قصاص خطاياه، صحيح أن كل شيء كان باقياً كما هو، لكن النفس في الداخل أصبحت مضطربة بسبب الخطية. وهذا دليل على أن مظاهر الجمال والسعادة الخارجية لا يمكنها أن تدخل السرور إلى نفس الإنسان بينما القلب حائر لبعده عن ينبوع السرور والسعادة الحقيقية.

في عمانوئيل نرى الله الذي أحبنا ينزل من عرشه ويترك قمة مجده ويقتفي آثارنا على جبال الخطية باحثاً عنا. لم يعد الآن ضرورياً أن نتعب أنفسنا لنجعل الله يحبنا لأنه بتجسده قد أثبت أنه ممتلئاً حباً من جهتنا. لم يعد ضرورياً أن نعمل شيئاً لنجلب رضاه ولنتصالح معه «لأن الله في المسيح قد صالح العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم» (2كورنثوس 19:5).

يقول الكتاب: «تَعَرَّفْ بِهِ وَاسْلَمْ» (أيوب 21:22)، ومعنى هذا أنه في اللحظة التي فيها يعرف الخاطئ الله المعرفة الحقيقية كما أعلن في الكلمة يصبح في سلام مع الله بربنا يسوع المسيح.

فالمقصود بالتعرف بالرب هو أن ندركه كالإله الغافر المتسامح، وهذه المعرفة لا نقدر أن نصل إليها إلا عن طريق ابنه يسوع المسيح.

إن هذه الحقيقة هي الجسر الذي يعبر عليها البشر فوق هوة اليأس البشري فإذا تحطم هذا الجسر انحدرت البشرية إلى هوة سحيقة لا قرار لها.

بل إن إنكار هذه الحقيقة هو أعظم خطأ يرتكبه الإنسان، لأنه يتسبب في وضع نفسه تحت اللعنة، لذلك حينما حاول البعض أن يحطموا المسيحية ابتدأوا ينادون بمذهب إنكار لاهوت المسيح. إذا منح مخلوق ما قوة لتحطيم المجموعة الشمسية فليس من الضروري أن يحطم كل جرم على حدة ولكن يكفي أن يحطم الشمس فقط وسيجد بعد ذلك أن المجموعة الشمسية كلها تحولت إلى حطام. هكذا أولئك الذين يدعون انهم مسيحيون إذا أخذوا من المسيحية لاهوت سيدها فإنهم بذلك يحطمون المسيحية من أساسها.

ولكن شكراً لله لأنهم لن يتمكنوا من ذلك.