العودة الى الصفحة السابقة

إختبار السلام الحقيقي

جون نور


أعزائي المستمعين الكرام موضوع حلقتنا اليوم من برنامجنا حكم وأمثال من الكتاب المقدس هو إختبار السلام الحقيقي.

الناس في هذه الأيام يفتقرون لمن يقودهم إلى اختبار السلام الحقيقي. حقاً ما أصعب الأيام التي نعيش فيها الآن، بل ما أكثر المشاكل التي تصادف الإنسان في هذه الأيام! الناس يعانون من الاضطراب العصبي، والإجهاد الفكري من جراء ضغط الظروف على الجهاز العصبي الذي يُصاب بالخلل والخبل. فيسبب الانهيار العصبي، والأمراض المختلفة. إن الغالبية العظمى من المرضى، الذين يترددون على الأطباء بأعراض مرضية عضوية مختلفة، لا توجد عندهم أمراض عضوية، لكنهم مصابون بإجهاد عصبي واضطراب ذهني.

إن القلق يجعل الإنسان مضطرباً خائفاً من شيء مجهول يلاحقه ويتعقبه أينما يذهب. إنه يحرم الإنسان من الراحة والسلام واستقرار البال، ويحول حياته إلى جحيم لأنه يخاف من الماضي والحاضر والمستقبل. إن القلق يؤثر على خلايا المخ والجهاز العصبي والغدد الصماء، فتتحول إفرازاتها إلى سموم تؤثر على كل خلايا الجسم، فتصاب جميع الأعضاء بكسل وخلل يتلف صحة الإنسان. بل قد تؤثر على عقله وتفكيره، وتفقده الاتزان العقلي وحسن التمييز بين النفع والضرر.

لهذا، فلا غرابة إن كنا نرى الإنسان القلق يحاول التخلص من هذا المرض بكل وسيلة ويضحي بكل ثروته ومركزه وكل ما يمتلك حتى ينال الشفاء من هذا المرض الرهيب. إنه يتردد على عيادات الأطباء النفسانيين، ويضع نفسه وكيانه طوعاً لإرشاداتهم وتوجيهاتهم، ويتناول الأدوية المهدئة وغيرها أملاً في الشفاء. لكن في أغلب الأحيان تفشل جميع الوسائط البشرية، لأن سبب القلق يرجع إلى عوامل عديدة منها:

أولاً – الابتعاد عن الله:

إن أهم سبب للقلق والاضطراب النفسي هو الابتعاد عن الله مصدر السلام الحقيقي. وهل يوجد سلام بعيداً عن الله؟! كلا وألف كلا. فكل من يبتعد عن الله وينصرف إلى الكورة البعيدة، لا شك يسقط في دوامة من القلق النفسي والمخاوف التي لا تنتهي، ويصبح في حيرة وإضطراب، لأنه يشعر بعدم القرب من الله، وابتعاده عن نبع الكلام ومصدر الاطمئنان. من أجل هذا لا تنفع الأدوية في مثل هذه الحالة، ولا يكون علاجها إلا بالتوبة والرجوع لله من كل القلب. عندئذ، وعندئذ فقط، يرجع السلام إلى الإنسان ويشعر بحضرة الله القدسية، ويتمتع بجمال وعذوبة العشرة معه.

ثانياً – الحسد والغيرة:

الحسد والغيرة هما من أهم أسباب القلق النفسي والأمراض النفسية، فعندما يقارن الإنسان نفسه بغيره من زملائه ويشعر في نفسه بالحرمان من الخيرات والامتيازات التي يتمتع بها الآخرون، يمتلئ قلبه بالسخط وعدم الرضى. فيبدأ يحسد من هم في مركز أعلى منه، ويسخط على كل من يتمتع بغنى أو شهرة أكثر منه. ويحز في نفسه أنه متخلف عن الكثيرين، سواء في العلم أو المعرفة، أو الممتلكات، أو الشهرة، أو الغنى.

هذا الإنسان لا يمكن أن يشفى من القلق النفساني عن طريق الأدوية المهدئة، أو العلاج النفسي، لكنه يحتاج إلى المسيح المخلص، الذي يحرره من القلق ويهبه السلام العجيب الذي منحه لتلاميذه حين خاطبهم بالقول المبارك: «سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ» (يوحنا 27:14).

ثالثاً – عدم وجود المسيح في القلب:

إن سبب القلق والخوف هو عدم وجود المسيح في القلب. إن الإنسان يشعر بالجفاف والحاجة والفقر الروحي طالما لم يختبر وجود المسيح في قلبه، ولا يمكنه الحصول على السلام الحقيقي ما لم يفتح قلبه بالتمام للمسيح ويقبله مخلصاً وفادياً بل ورباً وإلهاً.

رابعاً – إهمال كفارة المسيح:

عدم إدراك معنى كفارة المسيح هو سبب جوهرى من أسباب القلق والمخاوف التي يقع فيها الإنسان، لأن السلام القلبي يتوقف على الإيمان بعمل المسيح الكفارى على الصليب. ويوضح يوحنا الحبيب في إنجيله هذا الأمر عندما يسرد لنا وقائع ظهور الرب يسوع المسيح لتلاميذه بعد القيامة، إذ يقول: «وَلَمَّا كَانَتْ عَشِيَّةُ ذلِكَ الْيَوْمِ، وَهُوَ أَوَّلُ الأُسْبُوعِ، وَكَانَتِ الأَبْوَابُ مُغَلَّقَةً حَيْثُ كَانَ التَّلاَمِيذُ مُجْتَمِعِينَ لِسَبَبِ الْخَوْفِ مِنَ الْيَهُودِ، جَاءَ يَسُوعُ وَوَقَفَ فِي الْوَسْطِ، وَقَالَ لَهُمْ: «سَلاَمٌ لَكُمْ!» وَلَمَّا قَالَ هذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَجَنْبَهُ، فَفَرِحَ التَّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوْا الرَّبَّ» (يوحنا 19:20 – 20).

إن من يؤمن بكفارة المسيح، ويقبل خلاصه العجيب، يُشفى من كل قلق وخوف. إن صليب المسيح فيه تبرير لكل خاطئ يتوب عن خطيته، ويؤمن بموت المسيح النيابي الكفاري عنه. هذا التبرير يولد سلاماً مع الله، لأن الرسول بولس يقول: «فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (رومية 1:5).

إن قبول المسيح في القلب يطرد كل حسد وكل خوف، ويجعل الإنسان يعرف معنى السلام الإلهي العجيب الذي لا يتوقف على الظروف أو الأحوال المحيطة بنا. إنه سلام عجيب يتحدى الصعوبات، ويتخطى التجارب، ويرتفع فوق الأمواج. هذا السلام مؤسس على صليب المسيح، ويتدفق من الجلجثة، لكل أولاد الله المؤمنين باسمه، السالكين ليس حسب الجسد لكن حسب الروح.