العودة الى الصفحة السابقة

المعنى الحقيقي للإيمان بالمسيح

جون نور


أعزائي المستمعين الكرام موضوع حلقتنا اليوم من برنامجنا حكم وأمثال من الكتاب المقدس هو المعنى الحقيقي للإيمان بالمسيح.

الإيمان الحقيقي بالمسيح ليس هو الانفعالات العاطفية، وليس هو أيضاً مجرد التصديق أنه ابن الله وأنه مات ليخلص الخطاة وأنه ذبيحة الكفارة الكاملة عن الإثم، وأنه قادر وراغب في خلاص كل من يأتي إليه وأن في دمه الكفاية للتكفير عن كل خطية. فقد يؤمن الشخص بكل هذه الأمور كما يؤمن بها الشيطان تماماً وتكون النتيجة أنه يظل غير مخلص لأن هذه الحقائق مع أهميتها وصدقها لا تكون بالنسبة له إلا مجرد قبول عقلي فقط. وهذا الاقتناع العقلي بشهادة الله ليس له تأثير في داخل القلب للخلاص والتجديد.

أما عندما يأتي هذا الشخص بالحق إلى يسوع ويلقي نفسه عليه في فقره وضلاله وهلاكه وعجزه عن خلاص نفسه واعترافه بحالته وثقته الكاملة بعمل المسيح على الصليب ليجعله مقبولاً أمام الآب، بهذا الإيمان القلبي فقط يخلص من خطاياه.

هذا هو الإيمان الحقيقي الذي يجعل من موت المسيح أمراً واقعياً شخصياً فيقول المؤمن حينئذ: «إن ابن الله لم يمت لأجل الخطاة بل مات لأجلي أنا أول الخطاة». ويقول أيضاً: «في ذاتي لست شيئاً ولكن المسيح هو الذي مات لأجلي وبواسطة بره أثق أنني مقبول أمام الله».

لا حاجة إذن أن يأتي ملاك من السماء ليخبر المؤمن المتجدد أن خطاياه قد غُفرت وأن اسمه كُتب في سفر حياة الخروف لأنه يعتمد على شهادة أعظم من شهادة الملائكة وهي شهادة الشاهد الأمين الحق: «وَمَنْ قَبِلَ شَهَادَتَهُ فَقَدْ خَتَمَ أَنَّ اللهَ صَادِقٌ» (يوحنا 3: 33).

نعم ختم أن الله صادق، ونحن نعرف معنى وضع الختم أو التوقيع على وثيقة ما، لأنه بهذا الإجراء يكون الضمان الكامل. هكذا تستريح النفس بالإيمان استراحة عذبة على عمل المسيح وعلى كلمة الله إذ في هذا سلامها وتأكيدها وراحتها إلى الأبد.

أمامنا مثل كتابي يوضح ذلك وهو موضوع الحية النحاسية. جاءت الحيّات المحرقة تسعى إلى محلة إسرائيل في البرية تحمل في لدغاتها الموت المؤكد، والناس يموتون من هنا ومن هناك ويسقطون صرعى ذات اليمين وذات اليسار، وأخيراً جاء أمر الرب إلى موسى أن يرفع الحية النحاسية مؤكداً أن كل من ينظر إليها بالإيمان يُشفى في الحال.

لنفرض الآن أن من بين الملدوغين شخص في نزع الموت حمله أصدقاؤه إلى حيث الحية المرفوعة وهناك حثوه برفق أن يلتفت إليها فيحيا، ولكن صاحبنا بدلاً من أن ينظر إلى الحية ظل ينظر إلى جرحه ويشكو من الألم وأعراض التسمم المتزايدة التي يحس بها ويندب حظه بمرارة. هل يقدر مثل هذا الإنسان أن يحيا؟ كلا بل سيموت وهو في ظل الحية النحاسية، لا لأنه لا توجد هناك قوة لنجاته، ولكن لأنه لم يؤمن بما رتبه الله لخلاصه ولم يصدق كلامه.

أخي، بدلاً من أن تندب حظك أو تشكو مرارة حالك التفت إلى ذاك الذي قال عن نفسه: «وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَانِ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (يوحنا 14:3 و15).

هذا هو سر فساد أفكار البعض بخصوص التجديد. إن تجديدهم تجديد الشعور وليس تجديد الإيمان. ومع أن الشعور يتغير ويتقلب كما تتغير الريح وتتقلب إلا أنهم يعتمدون عليه اعتماداً كلياً.

الإيمان الحقيقي يثق في يسوع وفي يسوع فقط، «يَسُوعُ الْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْسًا وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ» (عبرانيين 13: 8)، لذلك فالإيمان به ثابت لا يتغير بتغير العاطفة والظروف.

في تلك الليلة التاريخية التي مر فيها الملاك المهلك في أرض مصر، يوم أن أهلك أبكار مصر وأنقذ شعب الرب من ضربته بمجرد تصديق كلمة الرب ورش الدم على العتبة العليا والقائمتين، وبعد عملية الرش استراحت قلوبهم واطمأنت نفوسهم. لم يكونوا في حاجة إلى وضع المتاريس والحواجز أمام أبوابهم ليمنعوا الملاك المهلك، كما لم يكونوا في حاجة إلى السهر في قلق طول الليل لحراسة أبكارهم في أحضانهم أو الصلاة لأجلهم لأن تصديق كلمة الله جعلهم ينامون في هدوء وعذوبة تحت حماية الدم المرشوش.

هكذا الحال مع كل من يؤمن بيسوع إذ يكونون تحت حراسة الدم الثمين فتستريح نفوسهم وتأمن في أذرع محبته اللانهائية.

عزيزي المستمع مقابل كل نظرة لقلبك الشرير انظر خمسين مرة إلى المسيح بالإيمان فتطمئن.

لكن إذا ركزت تفكيري في أمر محزن كأن أتذكر والدتي التي ماتت وأتصورها وهي على فراش المرض بوجهها الشاحب وشفتيها المرتعشتين وهي تودعني الوداع الأخير فلا بد للحزن أن يسود علي.

كذلك لو قلت: سأبدأ الآن أن أكون فرحاً فلن أستطيع ذلك إلا إذا ركزت تفكيري في إحدى الحقائق المبهجة.

هكذا الأمر بخصوص الأمور الروحية. دع الخاطئ ينظر إلى الرب يسوع على الصليب وهو يردد أنات قلبه الأخيرة، ودعه يؤمن أن كل هذا كان لأجله وهذه المحبة غير المحدودة متجهة إليه هو شخصياً، ولا بد بعد ذلك أن يشعر بالراحة والسلام.