العودة الى الصفحة السابقة

مقامنا في المسيح يسوع

جون نور


«وَأَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا بِالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا، الَّتِي سَلَكْتُمْ فِيهَا قَبْلاً حَسَبَ دَهْرِ هذَا الْعَالَمِ، حَسَبَ رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ، الرُّوحِ الَّذِي يَعْمَلُ الآنَ فِي أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ، الَّذِينَ نَحْنُ أَيْضًا جَمِيعًا تَصَرَّفْنَا قَبْلاً بَيْنَهُمْ فِي شَهَوَاتِ جَسَدِنَا، عَامِلِينَ مَشِيئَاتِ الْجَسَدِ وَالأَفْكَارِ، وَكُنَّا بِالطَّبِيعَةِ أَبْنَاءَ الْغَضَبِ كَالْبَاقِينَ أَيْضًا، اَللهُ الَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي الرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا، وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ - بِالنِّعْمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ - وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، لِيُظْهِرَ فِي الدُّهُورِ الآتِيَةِ غِنَى نِعْمَتِهِ الْفَائِقَ، بِاللُّطْفِ عَلَيْنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَال كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ. لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَال صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا» (أفسس 1:2 – 10).

في الرسالة إلى أهل أفسس، يقدم لنا الرسول بولس نظرة تخطف الأنفاس عن الخلاص. فنحن الذين كنا أمواتا بالذنوب والخطايا نلنا ليس فقط حياة جديدة بالنعمة، بل إن الله أيضاً أقامنا مع يسوع، وأجلسنا معه في السماويات. ومع أن الفترة القصيرة التي أمضيناها في المجد لا تجعلنا كاملين مثله، فإن هذا الغفران وهذا المقام قد صارا من نصيبنا منذ الآن. فمن خلال الدم، والصليب، والكفارة (أو من خلال الشفاعة الإلهية التي قام بها يسوع)، أكمل يسوع عمل الخلاص مرة وإلى الأبد.

ويمكننا بالنعمة أن ندخل السماء ونمكث فيها بناء على هذا العمل المكتمل. وهذا هو ما يعرف بمصطلح «مقامنا في المسيح يسوع»، وهو نقطة البداية في حياتنا المسيحية. فخلاصنا لا يقوم على مشاعرنا أو أحوالنا؛ بل على ما فعله يسوع، وعلى شخصه المبارك. فالكفارة تعطينا مقامنا السامي في السيد المسيح، وتمكننا من الحصول على النعمة التي نحتاج إليها: «فَلْنَتَقَدَّمْ بِثِقَةٍ إِلَى عَرْشِ النِّعْمَةِ لِكَيْ نَنَالَ رَحْمَةً وَنَجِدَ نِعْمَةً عَوْنًا فِي حِينِهِ» (عبرانيين 16:4). وهذا هو أحد الجوانب التي قام بها يسوع بموته وقيامته.

أما الجانب الآخر فيختص بما يحدث في السماء اليوم نتيجة عمل المصالحة الذي أكمله يسوع. فهناك عمل يجري في السماء اليوم! إنه عمل روح الله المتوافق مع ما يجري على الأرض، ومع ما ترغب السماء في رؤيته يتحقق على الأرض. فالسماء تعمل، والأرض تتجاوب.

عندما علّم يسوع عن الصلاة، قدم لنا نموذجاً عنها: «أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ!... لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ» (متّى 9:6 – 10). وبهذا، فإن يسوع يوجه أرواحنا وانتباهنا إلى السماء حيث بدأ كل شيء، وحيث ستكون الخاتمة أيضاً. وهناك فيض سماوي يريد أن يصل إلى الأرض. لذلك، يجب علينا أن نعتاد التفكير في السماء عوضاً عن التركيز الشديد على كل ما يقلقنا على الأرض، أو على الأمور الخاطئة التي تجري في حياتنا، أو على احتياجاتنا الشخصية.

ونرى في الكتاب المقدس بمجمله أنه عندما يفعل الله شيئا ما على الأرض، فغالباً ما يفهم الناس ذلك العمل لا على أنه عمل الله وصوته، بل بكونه ظاهرة خارجية. لكن الله يتكلم ببروق ورعود ونار. ونرى هنا أن روح الله يوصف بأنه سبعة مصابيح نار متقدة، هي سبعة أرواح الله. والرقم «سبعة» هو رقم الكمال. لذا فإن الكتاب المقدس يقدم إلينا وصفاً رمزياً لاستعلان الروح القدس من عرش الله؛ في حين يقترن الرقم «سبعة» بالأبدية وباكتمال كل شيء يريد الله أن يفعله ويقدر أن يفعله. وهو يرتبط أيضا بشخصه المبارك.

كان تلاميذ يسوع مثلنا. فنحن نسمع بعض الأمور، لكن هذه الأمور قد لا تصير جزءاً من حياتنا. ومع أن يسوع تحدث إلى التلاميذ بشأن موته وقيامته، فهم لم يفهموا ما قاله، ولم يتوقعوا منه أن يقوم من الموت. لكن يسوع قام بالفعل من الأموات. وبعد قيامته، بقي على الأرض أربعين يوماً. وفي هذا الوقت، تحدث يسوع إلى تلاميذه بشأن الروح القدس في مناسبات عديدة. فمثلاً. نقرأ في إنجيل لوقا 49:24 ما يلي: «وَهَا أَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ مَوْعِدَ أَبِي. فَأَقِيمُوا فِي مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَنْ تُلْبَسُوا قُوَّةً مِنَ الأَعَالِي».

وبعد صعود يسوع إلى السماء، رجع التلاميذ إلى أورشليم: «وَلَمَّا دَخَلُوا صَعِدُوا إِلَى الْعِلِّيَّةِ الَّتِي كَانُوا يُقِيمُونَ فِيهَا...» (أعمال 13:1). فقد اجتمعوا معاً بترقب ووحدة وتكريس مسر إلى قلب الله. ونقرأ في العدد 14 أنهم كانوا يواظبون على الصلاة «بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ». وقد كانت توقعات أتباع يسوع المقربين البالغ عددهم 120 هي «الذبيحة اللازمة لنزول النار في يوم الخمسين».

وفي وقتنا الحاضر، نحن نعيش في حالة من الترقب لأننا لا نعرف ما سيحدث يوم غد أو ما هو آت لاحقاً. لكننا نعيش حالة ترقب. فهناك شيء سيحدث، والروح القدس يحضنا على القيام بأمور عديدة لكي نكون مستعدين. وهذا يذكرنا بتهيئة الرب للشعب العبراني، من خلال يشوع، قبل دخولهم أرض كنعان إذ نقرأ: «تَقَدَّسُوا لأَنَّ الرَّبَّ يَعْمَلُ غَدًا فِي وَسَطِكُمْ عَجَائِبَ» (يشوع 5:3). وقد كانت الكنيسة، ولا تزال، تشهد بعض المؤشرات على قرب حلول فصل الربيع. فالروح القدس يعطينا توقعات ووحدة لكي نتمكن من تسبيح الله معاً.