العودة الى الصفحة السابقة

الانحطاط

جون نور


أعزائي المستمعين الكرام موضوع حلقتنا اليوم من برنامجنا حكم وأمثال من الكتاب المقدس هو الانحطاط.

إن الابتعاد المؤسف الذي نشهده في المجتمع البشري في العصر الحاضر عن تعاليم الكتاب المقدس، والعبث بالمبادئ الأخلاقية القويمة، هو سبب هذا الفساد والتدهور الأخلاقي الذي يطغى على دنيانا. وهذه كانت حالة كل عصر من العصور ابتداء من زمن نوح الى أيامنا هذه.

نلمس هذا التدني في البيت والمدرسة والدولة والمجتمع، وحتى في الكنيسة وبين المسيحيين أنفسهم. وها هي البيوت المحطمة كثيرة حولنا... والعالم مليء بألوان العنف وضروب الفساد والتدني في القيم الأخلاقية. وهذه كلها دلائل على الانحطاط الأدبي الذي امتلأ به عالمنا الحاضر. وإن تقديراً جديداً وتقييماً مسيحياً للمبادئ الأخلاقية، ورجوعاً إلى القيم الروحية، وممارسة مخلصة لشرائع الله، والعيش بموجب وصاياه هي وحدها تستطيع أن تجعل العالم مكاناً صالحاً للحياة وموطناً للعيش المثالي.

هناك خطوات أو درجات تقود العالم إلى الحضيض وتعمل على تدني القيم الأخلاقية. وتظهر هذه الأمور نتيجة الابتعاد عن الله وإهمال المستويات العالية التي يريدها الخالق منا. وهذه الدرجات مدونة في رسالة بولس إلى أهل رومية (18:1 – 32) وقد أعطيت لتحذيرنا وإنذارنا.

الخطوة الأولى للانحطاط: إهمالنا للحق وتغاضينا عنه وهذه كلمات الرسول: «لأَنَّ غَضَبَ اللهِ مُعْلَنٌ ... عَلَى... الَّذِينَ يَحْجِزُونَ الْحَقَّ بِالإِثْمِ» (رومية 1: 18). صدق آدم كذبة حواء، وأهمل الحق هو والمرأة الأولى. وعلى مدى الأجيال نجد إبليس يضلل الناس ويبعدهم عن طرق الحق. ويتساءل الكثيرون في هذه الأيام: وهل هذا شر؟! والناس معرضون لقبول الباطل أكثر من الحق. ويبدو هذا جلياً في الحياة الروحية. ومن أجل هذا نجد انحطاطاً أدبياً يشيع حتى في الكنيسة.

جاء في إنجيل يوحنا: «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ» (14: 6) ولا يمكن للإنسان أن يكون صادقاً أو يعيش عيشة مثالية إلا إذا هو تقبل الحق وآمن به.

الخطوة الثانية للانحطاط: إهمال إنذارات الله وتحذيراته. يقول الرسول بولس: «لأَنَّ أُمُورَهُ غَيْرَ الْمَنْظُورَةِ تُرىَ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ، قُدْرَتَهُ السَّرْمَدِيَّةَ وَلاَهُوتَهُ، حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ» (رومية 20:1) «ولأَنَّ غَضَبَ اللهِ مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ النَّاسِ» (رومية 18:1).

إن الله من فرط محبته ورحمته في الماضي والحاضر أرسل وما زال يرسل إنذارات لكل إنسان وفي كل حالة. والذي يهمل هذه الإنذارات يتجه بخطى وئيدة إلى أسفل.

والخطوة الثالثة للانحطاط: إهمال الله. ويقول الرسول بولس أيضاً: «لأَنَّهُمْ لَمَّا عَرَفُوا اللهَ لَمْ يُمَجِّدُوهُ» (رومية 21:1) إن إهمال إنذارات الله معناه، إهمال الله، وعدم الاعتراف به. التمسك بالله والاعتراف به يعني الحصول على القوة التي تحفظنا من التدهور والدمار، وإذا أهملنا هذا وتغاضينا عنه فلا بد لسفينة حياتنا أن تتحطم ولمستوى عيشنا أن يتدنى...

الخطوة الرابعة للانحطاط: التهرب من سيطرة الله. وما أفظع الوضع الذي فيه يثور الإنسان على الله، وعند ذاك يستسلم الناس لأعمال شريرة، وبهذا هم ينحدرون إلى الحضيض وينحطون أخلاقياً وأدبياً. والنتيجة المتوقعة حتماً هي ثورة علنية ضد الله. والسؤال: هل نستمر في الخطية رغم إنذارات الله المتكررة؟! وهل نشعر بإحساس للارتداع عن هذه الخطايا والآثام؟! وهل تركنا الله لمثل هذه الأمور المهلكة؟! هذا ما يجدر أن نفكر به...!

الخطوة الخامسة للانحطاط: مقاومتنا للحق والوقوف ضده ويقول الرسول بولس: «الَّذِينَ اسْتَبْدَلُوا حَقَّ اللهِ بِالْكَذِبِ» (رومية 25:1) وكثيراً ما يجعل الناس الحق يتمشى مع مقاييسهم الخاطئة والدنيئة ليبرروا أنفسهم من الخطيئة وعوضاً من أن يعترفوا بخطيتهم تجدهم ينتحلون الأعذار لتبرير مسلكهم الخاطئ. وهذا ما هو شائع في أيامنا، وبهذا هم يحاولون تشويه تعاليم الكتاب المقدس، ليعزوا أنفسهم ويبرروا مواقفهم الخاطئة.

الخطوة السادسة للانحطاط: استعمال الجسد بدناءة خلافاً لما تنص عليه الطبيعة. ويقول الرسول بولس: «لأَنَّ إِنَاثَهُمُ اسْتَبْدَلْنَ الاسْتِعْمَالَ الطَّبِيعِيَّ بِالَّذِي عَلَى خِلاَفِ الطَّبِيعَةِ، وَكَذلِكَ الذُّكُورُ أَيْضًا تَارِكِينَ اسْتِعْمَالَ الأُنْثَى الطَّبِيعِيَّ، اشْتَعَلُوا بِشَهْوَتِهِمْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، فَاعِلِينَ الْفَحْشَاءَ ذُكُورًا بِذُكُورٍ» (رومية 1: 26 و27) وتصف هذه الآيات الكتابية هؤلاء الناس وهم في أدنى دركات الانحطاط الخلقي وهذا ما هو شائع في هذه الأيام. وساعة تنحط المرأة عن مستواها الخلقي، فماذا يتبقى من الشرف والفضيلة؟! وإذا ما سقط الإنسان إلى الحضيض فإنه يغدو حيواناً وليس إنسانا!

ولسنا بحاجة إلى إقامة الدليل على أن هذا الجيل فاسد فهو يشبه الجيل الذي عاصر نوح. ولدينا الكتاب المقدس الذي هو المقياس الصحيح لمعرفة تقصيراتنا. وهذا التقصير يُقاس بعدد الدرجات التي انحططنا إليها والتي قادتنا إلى الهاوية. وهذا هو المحك الذي به نقيس مستوانا الأدبي ونقيم حياتنا به...

والسؤال الآن: هل وصلت أيها الأحباء إلى الحضيض؟! تذكر ان الله لن يتركك بل يرفعك إلى ملء قامة المسيح. ويريد الله من مخلوقاته الواعين ألا ينسوا المقاييس العالية أو القيم الرفيعة، وأن يستهدفوا دوماً الحياة المثالية السامية. لإلهنا كل المجد الى الأبد آمين.