العودة الى الصفحة السابقة

مقاييس البشر ومقاييس الله

جون نور


أعزائي المستمعين الكرام موضوع حلقتنا اليوم من برنامجنا حكم وأمثال من الكتاب المقدس هو مقاييس البشر ومقاييس الله.

البعض يظن أن كل ما يطلبه الله منه هو أن يحيا حياة أخلاقية كاملة وأن يعامل الناس بالأمانة وأن يكون شفوقاً محسناً مواسياً للمتألمين والمساكين وأن يكون مواطناً صالحاً يتمم الواجبات العائلية في حياته - هذا هو المقياس الذي يقيس به الانسان نفسه، لذلك يحاول أن يكون رجلاً أميناً وزوجاً صالحاً وأباً محباً مكرماً لرجال الله، يذهب بانتظام إلى بيت الله، وتكون النتيجة أنه يستريح على هذه الحالة ولا يزعجه شيء، هذا الشخص يعيش مسيحية هو صنعها ووضع مقايسها بنفسه.

مثل هذا الشخص لا يمكن أن يتجدد أو يتوب إلى أن يقيس نفسه بطريقة أخرى وعلى مقياس آخر، لأنه حتى لو سمع أكثر أنواع الوعظ أمانة يظن أنه ليس هو المقصود بها.

أعزائي المستمعين من الأمور المؤلمة للنفس جداً هو عدم مبالاة الخاطئ بمستقبله الأبدي. فبالرغم من معرفته أنه خاطئ، وأنه من المؤكد سيقف يوما ما في محضر الله القدوس بخطاياه التي تلوث نفسه، ومع إدراكه التام لقيمة نفسه الغالية، تلك النفس التي لا تموت أبداً بل تبقى أبدياً إما في تمتع وسعادة وإما في عذاب وتعاسة، بالرغم من كل ذلك نراه لا يبالي.

لقد اهتم الله نفسه اهتماماً عظيماً بقضية الإنسان الخاطئ لدرجة أنه أرسل الابن المبارك في إرسالية محبة إلى ملايين البشر التعساء الهالكين، والابن بدوره أحب الإنسان حتى تحمل لأجله الألم على الصليب رافضاً النجاة من أهواله حتى أتم عملية الخلاص.

عندما يبدأ الخاطئ يفكر في أمر مستقبله الأبدي ويعير موضوع الخلاص اهتماماً خاصاً يتولد الأمل في تجديده وخلاصه. فالاهتمام إذن هو الخطوة الأولى إلى الله. إنه الحركة الأولى التي تبشر بالحياة في إنسان ميت بالذنوب والخطايا.

أيها الخاطئ كتاب الله يصفك بأنك «ميت بالذنوب والخطايا» (أفسس 1:2)، وهذا حق بالنسبة لكل الخطاة سواء منهم من توغل في الشر إلى حد بعيد ومن كان منهم مؤدباً هادئاً، والموت هو الموت رغم اختلاف مظاهره في الأحوال المختلفة فمرة يكون مظهر الموت مرعباً، ومرة يكون هادئاً. اذهب إلى ميدان القتال وبعد أن تنتهي المعركة تمشي بين القتلة لترى هناك الموت في أبشع صورة. أما إذا أردت منظراً هادئاً من مظاهر الموت فاذهب إلى أحد المنازل في سكون الليل لترى هناك طفلاً يموت على حجر أمه وقد طبع الموت على محياه طابعاً وديعاً وعميقاً. ومع هذا فلا فرق بين من يذبح في المعركة وبين من يموت بهدوء على فراشه. هكذا لا فرق بين الخاطئ الذي يموت بعنف وقد توغل في الشر ومن يموت بهدوء في غرفة الآداب وعلى سرير الأخلاق.

عزيزي المستمع ان الله وحده هو الذي يعيد إليك الحياة، فإذا ابتدأ يعمل في قلبك عمله المبارك مبكتاً إياك فإنما ذلك ليقيمك من موت الخطية، وفترة عمل الروح القدس في قلبك هي فترة هامة في الواقع بالنسبة لك لأنه بعد أن يعمل ويعمل مدة طويلة أو قصيرة فهو لن يستمر على طول الخط على هذا النحو ولن تكون أنت تحت تأثير الروح القدس حتى النهاية، فإما أن تسمح له أن يقودك إلى شخص الرب يسوع للغفران والسلام وإما أن تقاومه وتقاومه حتى يفارقك فتعود إلى حياة القساوة وعدم المبالاة من جديد.

عمل الروح القدس هو أن ينبه نفسك من سباتها العميق ويوقظها من نومها الذي يشبه الموت وذلك بأن ينظم لأجلك حملة قوية مباركة ويعمل على قلبك هجوماً شديداً. فمن الخارج رجال الله يتضافرون في الصلاة لأجلك، وخدام الكلمة يشيرون لك إلى حمل الله، وكلمة الوعظ من على المنبر ترن في أذنيك رنيناً أشد من أي وقت مضى، رنيناً أشبه بصوت البوق، ومن الداخل يهتز قلبك اهتزازاً شديداً عندما تدينك كلمة الله بالقول: «أنت هو الرجل».

مقاومتك للروح القدس مصيبة كبرى على مستقبلك الأبدي لأنك إن قاومت الروح القدس يظلم فكرك من جهة أمور الله ويفارقك روح الله ويقول الله عنك إنك «مُوثَقٌ بِالأَصْنَامِ. اتْرُكُوهُ» (هوشع 17:4).

عندما يعمل الروح القدس نهضة مباركة تكتسح البلاد طولاً وعرضاً وتصل إلى كل بيت قد يستهزئ أحد المقاومين ولا يبالي بينما الروح القدس يبكته بشدة ويظل ذلك الإنسان يقاوم عمل الروح بشدة.

وبينما نرى الكثيرين يسلمون الحياة للرب ويتوبون يظل هو في حالته وهدوئه المصطنع. لكن هدوءه هذا هو الهدوء الذي يسبق العاصفة الهوجاء. أو الهدوء الذي يحس به المريض عندما يصل المرض إلى كل عضو في جسده ويصبح قريباً من الموت إذ يحس أنه أحسن من ذي قبل، وقد يهنئه أصدقاؤه على التقدم ولكن الطبيب ينظر إليه بحزن لأنه يدرك أن قلبه أصبح يصارع بقوة تحت هجوم المرض، هكذا عندما يقول الخاطئ التعس سلام وأمان يفاجئه الهلاك بغتة.