العودة الى الصفحة السابقة

المحبة

جون نور


أعزائي المستمعين الكرام موضوع حلقتنا اليوم من برنامجنا حكم وأمثال من الكتاب المقدس هو المحبة.

منذ أجيال عديدة والناس يحلمون بحياة السعادة على الأرض، ويخططون كي تحل السماء على الأرض ويتمتع الناس بحياة السرور والفرح والبهجة. إنها أمنية الكثيرين، لكن هذه الأمنية لم تتحقق بعد، وكلما تمر بنا الأيام كلما نشعر بأن العالم ابتعد كثيراً عن السعادة، وكلما مرت الأجيال يختبر الناس مزيداً من الشقاء والمتاعب.

لقد ظن العلماء قديماً أن العلم والمدنية قادران على تحقيق السعادة للإنسان. لكن الحقيقة بخلاف هذا. فالعلم لم يستطع انتزاع الأنانية من الإنسان، وفشل العلم في تقريب قلوب الناس بعضها لبعض. والمدنية أيضاً لم تحرر العالم من الحروب الطاحنة والجرائم البشعة وكل أنواع الخطية، من قسوة وشهوة، وسكر ورذيلة. نعم، لقد ارتفع مستوى المعيشة، وانتشرت الحضارة في كل مكان، والمدنية ربما وصلت إلى ذروتها في بعض البلدان، لكن السعادة اختفت، لان القلوب تباعدت عن بعضها والناس نفروا بعضهم من بعض.

حالة العالم الآن تدعو للرثاء والحزن، لان الناس يعيشون في دوامة من المتاعب والمصاعب. إنهم يعانون من مشقات ومشكلات ليس لها حل، ويتيهون في سوق الأباطيل دون أن يجدوا حلاً لمشكلاتهم أو شبعاً لشهواتهم. إنهم يذهبون إلى الكورة البعيدة لعلهم يجدون الراحة، لكنهم على عكس ما ينتظرون تسوء حالتهم، وتشقى نفسوهم، وتتعس قلوبهم، ويتمنون الموت لأنفسهم ولا يجدونه.

أيضاً فشلت الكنيسة في تحقيق حياة السلام بين الناس. لم تعد رسالتها قوية وتأثيراتها فعالة. لم تنجح في جذب النفوس إلى المسيح، ولم تقدم للعالم هذا المخلص العجيب. لقد فشلت رسالتها وضاعت مساعيها.

إن العالم الآن ليس بحاجة إلى مزيد من التدين، لكن الناس يحتاجون في هذه الأيام إلى حياة المحبة الحقيقية، والنعمة المسيحية. إن حاجة العالم هي إلى الرب يسوع المحب. وكيف يؤمنون بالمسيح ويصدقون خلاصه ما لم يروا المحبة متجسمة في حياة أتباعه؟ وهل تنفع العظات الجوفاء وكلمات الرياء في إقناع الناس للتوبة عن خطاياهم وترك شرورهم وآثامهم؟ إن العالم يفتقر إلى المحبة الظاهرة في حياة المؤمنين. هذه المحبة لها قوة تأثير أقوى من أي سلاح بشرى، لأنها تلين القلب القاسي وتجذب الإنسان البعيد عن الله، وتوقظ القلب النائم، وتبكت الإنسان المستهتر، وتحكم الجاهل.

إن مأساة العالم في هذه الأيام هي أن الدين سطحي، والتدين ظاهري وخال من المحبة الحقيقية. إنه في هذا العصر يفتقر للديانة التي تكون المحبة مركز دائرتها. من المؤسف حقاً أن تكون الديانة خالية من المحبة العملية، فالحروب التي هلك فيها آلاف البشر كان بعضها باسم الديانة وتحت ستار الدين. يا للهول!

من المدهش حقاً أن الذين حكموا على الرب يسوع المسيح بالصلب، ونفذوا هذا الحكم بكل وحشية وقسوة، هم أولئك المتدينون الذين يتظاهرون بحفظ ناموس موسى ويتممون وصايا الله!! والذين صروا بأسنانهم وأخرجوا إستفانوس خارج المدينة وهناك رجموه بالحجارة حتى الموت، هؤلاء كانوا أيضاً من رجال الدين والكتبة والفريسيين، هذه عينة من المتدينين الذين لا يعرفون المحبة أو الرحمة.

حقاً إننا فشلنا في اختبار المحبة، من أجل هذا نشأت الحروب بيننا، فحاربنا بعضنا البعض، إن نار الاضطهاد اشتعلت بين المسيحيين بعضهم البعض، ولقد قتلت الغيرة الكاذبة والتدين المزيف آلافاً من المسيحيين. يا للهول!

هل هذا هو تعليم المسيح، وهل هذه هي الديانة المسيحية؟ لو كانت هناك محبة حقيقية بين الطوائف المسيحية لما كان هناك إضطهاد ديني طائفي، ولما انقسمت الكنيسة على بعضها. إن البغضة هي خطية الخطايا التي هدمت الكنيسة، وشتتت المؤمنين، وأعثرت الكثيرين.

إن كنا نريد نهضة وانتعاشاً فعلينا أن نطرح كل سلاح عالمي ونتسلح بالمحبة، التي هي أقوى من الجيوش الزاحفة. إن قوة المحبة لا تقهر، وسلطانها على القلوب أقوى من قوة السيوف. لقد قال المسيح له المجد لبيلاطس: «مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هذَا الْعَالَمِ، لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ» (يوحنا 36:18).

على خدام المسيح أن يجاهدوا روحياً ضد قوات الشر، ولا يستخدمون أي سلاح بشري في نشر الإنجيل، بل يرفعون علم المحبة، وحالما يرتفع هذا العلم أمام الناس فسرعان ما ينجذب إليه الكثيرون، لأنه قوي في تأثيره، سريع في عمله، وكل إنسان يريد أن يحتمى تحت علم المحبة الجميل.

نعم، يجب على المسيحي أن يتمسك بتعاليم المسيح، ويكون كسيده محباً للجميع، حتى للأعداء. إن المسيحي سفير عن المسيح في هذا العالم. هو نور في وسط ظلام هذا العالم، وملح للأرض التي فسدت. من أجل هذا يجب ان يحرص كل مؤمن حقيقي على إظهار المحبة في حياته وتصرفاته كي يربح الآخرين للمسيح. إن الشر لا يغلب الشر، لكن المحبة هي التي تقدر أن تهزم الشر.

ليت الله يرسل محبته للجميع، ويسكب محبته في القلوب في هذه الأيام الأخيرة، فيترنم الجميع قائلين: «لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا» (رومية 5:5).