العودة الى الصفحة السابقة

التغلب على الخوف

جون نور


الخوف يحطم سعادة الإنسان، ويتلف صحته، ويسلبه سلامه، ويضعف قوته، ويلاشى إمكانياته ومواهبه، ويسبب له شيخوخة مبكرة، وتعاسة مستمرة. هذا هو الخوف الذي يضر الإنسان، وينبغي عليه أن يتجنبه ويتغلب عليه.

لكن يوجد نوع آخر من الخوف، نافع للإنسان، لأنه ينجيه من أخطار كثيرة ويمنعه من السقوط في شرور متعددة رهيبة. فمثلاً، اعتذار أحدهم عندما تأخر عن ميعاد إلقاء محاضرة عشرة دقائق قائلاً للمستمعين: «إنني دائماً أحرص على الوصول في الميعاد، لكن سبب تأخري اليوم عن الموعد المحدد هو زحمة وسائل المواصلات التي جعلتني أخاف من التهور والإستعجال، ففضلت أن أتأخر عشر دقائق عن موعد المحاضرة على أن أصل عشر سنين مبكراً وقبل الأوان إلى الأبدية» . لقد نجاه الخوف من موت محقق. هذا هو الخوف النافع الذي يتمسك به كل عاقل حكيم.

إذاً هناك نوعان من الخوف، الأول عدو للإنسان يسلبه راحته وسعادته وينغص حياته ويقوده للهلاك الأبدي، والثاني لازم لتقويم الإنسان وتهذيبه وإعداده للأبدية السعيدة. ولقد أشار المسيح له المجد في حديثه مع التلاميذ إلى هذين النوعين من الخوف فقال: «لاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ وَلكِنَّ النَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا، بَلْ خَافُوا بِالْحَرِيِّ مِنَ الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ النَّفْسَ وَالْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ» (متّى 28:10). بمعنى أننا يجب أن نطرح النوع الأول من الخوف جانباً، فلا نضطرب من الظروف أو المضايقات البشرية، أو التهديدات أو الاضطهادات، ولكن نجعل خوف الله وتقواه أمام عيوننا ونسلك بموجب هذا الخوف المقدس. حتى نستطيع أن نلاقي الله في اليوم الأخير بوجه مرفوع دون خوف أو خجل.

من المدهش حقاً أن الكثيرين يخافون الناس أكثر من الرب. إنهم يعملون حساب الناس ولا يقيمون وزناً لكلام الله. إنهم يجدفون على الله، ويسخرون منه خوفاً من أن يسخر بهم الناس!! يدركون في قرارة نفوسهم شرهم وخطيتهم، لكنهم يتمادون في هذا الطريق خوفاً من تعييرات البشر واستهزاء الناس. هؤلاء ينطبق عليهم قول سليمان الحكيم: «خَشْيَةُ الإِنْسَانِ تَضَعُ شَرَكًا، وَالْمُتَّكِلُ عَلَى الرَّبِّ يُرْفَعُ» (أمثال 25:29). فمن يخاف البشر يسقط في الشرك ويرتكب الخطأ، لأن خوف الناس يجعله عبداً للناس ولتقاليدهم، فيطيعهم ويعصى الله ووصاياه.

نعم، كم من أناس هم عبيد التقاليد البشرية والأفكار العصرية، ويخشون من معارضة المجتمع، ويسيرون في ركاب الشر والأشرار. هؤلاء يحصدون ما يزرعون، لان الكتاب يقول: «لاَ تَضِلُّوا! اَللهُ لاَ يُشْمَخُ عَلَيْهِ. فَإِنَّ الَّذِي يَزْرَعُهُ الإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضًا. لأَنَّ مَنْ يَزْرَعُ لِجَسَدِهِ فَمِنَ الْجَسَدِ يَحْصُدُ فَسَادًا، وَمَنْ يَزْرَعُ لِلرُّوحِ فَمِنَ الرُّوحِ يَحْصُدُ حَيَاةً أَبَدِيَّةً» (غلاطية 6: 7 و8)). فمن لا يخاف الرب تتولد في كيانه مخاوف نفسية وروحية تهز كيانه، وتلدغ ضميره، وتعذب نفسه، فيقع فريسة الأوهام والاضطرابات والأوجاع والارتباكات.

أعزائي المستمعين المحبة تطرح الخوف:

قال يوحنا الحبيب هذه العبارة الجميلة: «لاَ خَوْفَ فِي الْمَحَبَّةِ، بَلِ الْمَحَبَّةُ الْكَامِلَةُ تَطْرَحُ الْخَوْفَ إِلَى خَارِجٍ لأَنَّ الْخَوْفَ لَهُ عَذَابٌ. وَأَمَّا مَنْ خَافَ فَلَمْ يَتَكَمَّلْ فِي الْمَحَبَّةِ» (1يوحنا 18:4). إن علاج الخوف ليس الشجاعة أو اللامبالاة، لكن المحبة. فالطفل المضطرب يهدأ خوفه ويزول روعه عندما يرتمي في أحضان الأم أو الأب. عندما تمتلئ قلوبنا بمحبة الرب لا نخاف من أي شيء في الماضي أو الحاضر أو المستقبل، لان الله الذي نحبه ويحبنا هو المسيطر على الكون، بل هو الذي معه أمرنا، ويهتم بنا، ويدبر أمورنا، ويدافع عنا، ويتعهد سلامتنا من كل وجه. إن محبتنا لله تحول المخاوف إلى اطمئنان وسلام، وتبدل التشاؤوم بالتفاؤل في كل شيء. لكن الإنسان الذي لا يحب الله يخاف من كل شيء، ويضطرب لأقل شيء، ويفزع من لا شيء.

أعزائي المستمعين الإيمان يبدد المخاوف:

إن أفضل علاج للمخاوف هو الإيمان بالله، والثقة في محبته، وتصديق مواعيده. نعم ما أمجد أن يختبر الإنسان هذا الوعد المبارك: «مُلْقِينَ كُلَّ هَمِّكُمْ عَلَيْهِ، لأَنَّهُ هُوَ يَعْتَنِي بِكُمْ» (1بطرس 7:5).

إن المؤمن الحقيقي لا يهتم بشيء ولا يقلق من جهة أي أمر، ولا يدع الهم ينغص حياته أو يعكر سلامه، لأنه يتمسك بقول الكتاب: «لاَ تَهْتَمُّوا بِشَيْءٍ، بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ مَعَ الشُّكْرِ، لِتُعْلَمْ طِلْبَاتُكُمْ لَدَى اللهِ. وَسَلاَمُ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْل، يَحْفَظُ قُلُوبَكُمْ وَأَفْكَارَكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (فيلبي 6:4 – 7). إن المؤمن المصلى لا يهتم بشيء، لأنه يحول كل همومه على الرب. إنه يهرع إلى عرش النعمة، وهناك يترك همه أمام الرب، ليتولى الرب أموره وينقذه من كل مضايقاته. فبالصلاة والشكر يتخلص المؤمن من كل همومه أولاً بأول، دون أن يدع الهم يتراكم على رأسه وفي قلبه.

إنه من له إيمان بالله يتطلع دائماً إلى السماء، وينتظر اليوم الذي فيه يدخل إلى بيت الآب مهللاً فرحاً منتصراً. من أجل هذا كل من يرفع نظره إلى السماء ويتطلع إلى المدينة السماوية، لا ترعبه أمور الزمان الحاضر ولا يتأثر بالمخاوف الأرضية، لكنه يتشدد بالرب وبشدة قوته، لأنه يسمع صوت الرب القائل: «لاَ تَخَفْ! آمِنْ فَقَطْ» (مرقس 36:5).