العودة الى الصفحة السابقة
المسيح والكنيسة

المسيح والكنيسة

جون نور


أعزائي المستمعين الكرام موضوع حلقتنا اليوم من برنامجنا حكم وأمثال من الكتاب المقدس هو المسيح والكنيسة.

قد يبدو غريباً لنا أن الكتاب المقدس لا يخبرنا أن المسيح أحب الخطاة أو العالم، بل أن الله هو الذي أحب العالم! (يوحنا 16:3) إنما يخبرنا أن المسيح أحب الكنيسة. ولا يكلمنا الكتاب كله سوى عن محبة المسيح الخاصة والفريدة للكنيسة!!

بل أن هناك ما هو أكثر من ذلك، فإذ كان من خلال عمل الرب على الصليب هناك ملايين من البشر قد نالوا الخلاص، كما سيخلص أيضاً الكثيرون في المستقبل، غير أن كلمة الله لا تخبرنا صراحة سوى أن المسيح «أَحَبَّ الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا» (أفسس 25:5).

هذه الحقيقة تجعلنا ندرك قياس النعمة الموهوبة لنا نحن مؤمني العهد الجديد، وأيضاً ندرك مكانة وتقدير المسيح للكنيسة.

كلفة هذه المحبة

نقرأ في متّى 45:13 «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ إِنْسَانًا تَاجِرًا يَطْلُبُ لآلِئَ حَسَنَةً، فَلَمَّا وَجَدَ لُؤْلُؤَةً وَاحِدَةً كَثِيرَةَ الثَّمَنِ، مَضَى وَبَاعَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ وَاشْتَرَاهَا».

أية قيمة ثمينة لهذه اللؤلؤة بالنسبة للتاجر حتى أنه باع كل شيء ليشتريها؟ تصوروا إنساناً مستعداً أن يبيع كل شيء ليشتري لؤلؤة واحدة! فأية قيمة لهذه اللؤلؤة بالنسبة له؟!

إننا في ذلك نرى صورة جملية للرب يسوع المسيح وكنيسته. الأمر الذي أشار إليه الرسول بولس «فَإِنَّكُمْ تَعْرِفُونَ نِعْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَنَّهُ مِنْ أَجْلِكُمُ افْتَقَرَ وَهُوَ غَنِيٌّ، لِكَيْ تَسْتَغْنُوا أَنْتُمْ بِفَقْرِهِ» (2كورنثوس 9:8).

ولكن الأمر لم يقف عند هذا الحد: أن يبيع كل شيء؛ بل أنه – تبارك اسمه – أسلم نفسه لأجل عروسه.. «أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا» (أفسس 25:5). أية كلفة عظيمة تكلفها ذلك الحبيب كي ما يقترن بعروسه. حيث استقر عليه غضب الله. بل ما أرهب تلك الصرخة الرهيبة التي خرجت من قلبه إلى الله، وهو يعاني أشد الهول، وقد اكتنفته ظلمة حالكة لقرابة ثلاث ساعات: «إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟» (متّى 27: 46). عندما من العلاء أرسل الله ناراً فسرت في عظامه. فأي ثمن هذا الذي دفعه الرب يسوع لأجل كنيسته؟ إن آلامه التي لا توصف تظهر لنا إلى أي مدى أحب الكنيسة، وأية قيمة لها عنده.

غير أن ما فعله الرب لنا لم يتوقف عند هذا الحد، إذ نقرأ: «وَأَمَّا هذَا فَبَعْدَمَا قَدَّمَ عَنِ الْخَطَايَا ذَبِيحَةً وَاحِدَةً، جَلَسَ إِلَى الأَبَدِ عَنْ يَمِينِ اللهِ» (عبرانيين 12:10)، فهل بجلوسه كف عن الخدمة بعد إكماله لعمل الصليب الذي خلصنا به؟ بالطبع لا ففي في رسالة العبرانيين 25:7 يخبرنا أنه الآن يتشفع لأجلنا، وهذا يعني أن الرب الآن يعمل في السماء لأجل كنيسته، يعمل ليلاً ونهاراً «لِكَيْ يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّرًا إِيَّاهَا بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ» (أفسس 5 :26) وسيظل يعمل هذا العمل إلى أن لا نعود نحتاج إلى تلك الخدمة، حينما نؤخذ من هذه الأرض، ويأتي الرب بكنيسته حيث لا خطية، ولا جسد، ولا ضعف؛ عندئذ لا نعود نحتاج إلى الرحمة بعد، لأننا سنكون معه.

هل غرض خدمة الرب لنا هو ألا نذهب إلى جهنم، أو حتى أن نذهب إلى السماء؟ وإن كان هذا صحيحاً، لكن ذهابنا إلى السماء ليس هو الغرض النهائي لخدمة المسيح. إذ أننا نقرأ عن غر ض آخر «لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ» أفسس (5: 27) منفصلة تماماً عن العالم، حتى إذا جاء الوقت لكي يأخذها إلى المجد، حيث عرس الخروف (رؤيا 19)، لا تستطيع الملائكة أن ترى أي شيء من عدم الاستحقاق في عروس سيدهم، والآب نفسه يصادق على استحقاق هذه العروس لكي تكون امرأة لابنه الحبيب.

كيف ستكتسي العروس في السماء؟ إننا على الأرض قد لبسنا المسيح نفسه (غلاطية 27:3). وفي أفسس 6:1 نقرأ أن ما أخذناه قد أخذناه في المحبوب. بمعنى أننا قد تزينا بكل أمجاد شخصه، وهكذا يرانا الآب مزينين بكل مجده.

لكن الشيء العجيب أن نرى العروس في السماء مزينة بالثوب الذي هيأته لنفسها «وَأُعْطِيَتْ أَنْ تَلْبَسَ بَزًّا نَقِيًّا بَهِيًّا، لأَنَّ الْبَزَّ هُوَ تَبَرُّرَاتُ الْقِدِّيسِينَ» (رؤيا 8:19). إنه ثوب بهي ونقي، فهو يتناسب مع العروس السماوية، ومع السماء. ولكن من أي شيء صنع هذا الثوب؟ من «تَبَرُّرَاتُ الْقِدِّيسِينَ» أي الأعمال البارة التي قاموا بها هنا على الأرض انتظاراً ليوم العرس.

في سفرالرؤيا 21 نقرأ عن العروس بعد مرور 1000 سنة من زفافها (وهي فترة الملك الألفي)، أنها «نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُهَيَّأَةً كَعَرُوسٍ مُزَيَّنَةٍ لِرَجُلِهَا» (رؤيا 2:21). ستظل الكنيسة بعد ألف سنة من هذا العرس، كعروس مزينة لرجلها، مرتدية لباس العرس الذي نسجته على الأرض. وفي البداية سوف نرى إلى أي مدى قد مجدناه، إلى أي مدى عشنا كعذراء عفيفة مخطوبة لرجل واحد، والذي هو وحده الجدير بأن يمتلك كل عواطفنا ومشاعرنا.

إن المؤمن المولود حديثاً في الإيمان يستطيع أن يقول عن نفسه «التلميذ الذي يحبه يسوع»، والمؤمن البالغ الناضج لا يستطيع أن يضيف شيئاً إلى هذا القول، لأن محبة المسيح تشملنا كلنا، تلك المحبة التي قادت الرب يسوع إلى الصليب ليموت من أجلنا. وما دمنا نستند على هذه المحبة، فعندئذ نستطيع التقدم في طريقنا لنرعى قطيع الرب، ونمجد الله، ونتبعه إلى المجد حيث ذهب هو كسابق لأجلنا.