العودة الى الصفحة السابقة
المحبة وما هي

المحبة وما هي

جون نور


«لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ» (1يوحنا 8:4).

يكلمنا الرسول يوحنا، الذي اختص بالكلام عن طبيعة الله «إِنَّ اللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ» (1يوحنا 5:1)، فهو نور، لا يتساهل مع الشر ولا يطيقه، حتى ولو كان حامل الخطية الابن الحبيب. وفي نفس الوقت طبيعة محبته، لكنها في نفس الوقت لا تتعارض مع النور، ويأبى التضحية من حقوقه في سبيل التماس المعاذير لفعل الخطية. فكيف يوفق الله بين نوره ومحبته، بحيث لا يتعارض النور مع المحبة؟ كان العلاج في بذل الابن الحبيب، لكي يحمل الخطايا، ويجعل خطية، فيفسح في المجال للمحبة كي تصل إلى هدفها وتبارك. «بِهذَا أُظْهِرَتْ مَحَبَّةُ اللهِ فِينَا: أَنَّ اللهَ قَدْ أَرْسَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ إِلَى الْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ. فِي هذَا هِيَ الْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا» (1يوحنا 9:4، 10).

يذكر الرسول ترتيب أركان المسيحية كالآتي: الإيمان، المحبة، الرجاء؛ مثل: عمل الإيمان، تعب المحبة، صبر الرجاء (1تسالونيكي 3:1). أما من جهة الأفضلية، فالمحبة أعظم من الإيمان والرجاء، حيث يقول الرسول: «هذِهِ الثَّلاَثَةُ وَلكِنَّ أَعْظَمَهُنَّ الْمَحَبَّةُ» (1كورنثوس 13:13).

فبداية طريق المؤمن الصحيح مع الرب هو الإيمان، ونهاية الطريق بالنسبة له هو الرجاء الذي به سيصل إلى المجد، وما بين بداية الطريق ونهايته تجيء المحبة التي يجب أن تكون هي طابع حياته طوال رحلة البرية. ولذلك تكون المحبة هي الطريق الأفضل، فهي الأفضل للبنيان ولمجد الله لأنها طريق الله نفسه للإنسان.

المحبة علامة

«بِهذَا يَعْرِفُ الْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تَلاَمِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضًا لِبَعْضٍ» (يوحنا 35:13).

فالبرهان على أننا تلاميذ المسيح، ليس هو الخدمة أو حضور الاجتماعات، و إن كان هذا جميلاً في حد ذاته، لكن العلامة هي المحبة. ومحبة المسيحي للمسيحي مبعثها أن المسيح مات لأجلهم فوق الصليب. فالمحبة بعضهم لبعض هي المميز الذي يميزهم عن سواهم أثناء غياب المسيح، ولهذا يحبون بعضهم بعضاً كما أحبهم المسيح، ومثال لذلك نراه في أكيلا وبريسكلا، اللذين وضعا عنقيهما من أجل حياة الرسول بولس (رومية 3:16). ويذكر التاريخ أن الوثنيين كانوا يتعجبون من محبة المسيحيين بعضهم لبعض حتى الموت.

المحبة تعليم

«لأَنَّكُمْ أَنْفُسَكُمْ مُتَعَلِّمُونَ مِنَ اللهِ أَنْ يُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا» (1تسالونيكي 9:4).

يذكر الرسول في الأصحاح الثالث من رسالة تسالونيكي الأولى أن المحبة هي الصفة الرئيسية لنشاط المسيحي في شهادته اليومية، فيطلب لهم أن ينموا ويزدادوا في المحبة كما كان هو بينهم مثالاً (1تسالونيكي 12:3). فهو لا يطلب منهم أنهم يحبوا بضعهم بعضاً، لأن هذا طبيعي وحاصل، وإلا لما كانوا مؤمنين، لأنهم متعلمون من الله أن يحبوا بعضهم بعضاً، إنما يطلب إليهم أن تزداد محبتهم بعضهم لبعض. ولهذا يقول لهم في الأصحاح الرابع: «لاَ حَاجَةَ لَكُمْ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنْهَا (المحبة الأخوية)، لأَنَّكُمْ أَنْفُسَكُمْ مُتَعَلِّمُونَ مِنَ اللهِ أَنْ يُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا... وَإِنَّمَا أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَزْدَادُوا أَكْثَرَ» (1تسالونيكي 9:4، 10)، ذلك أن السلوك المسيحي من شأنه النمو والزيادة في المحبة.

المحبة عِلم

«نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّنَا قَدِ انْتَقَلْنَا مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ، لأَنَّنَا نُحِبُّ الإِخْوَةَ» (1يوحنا 14:3).

فالمحبة هي البرهان العملي للحياة التي نمتلكها، فنحن أحياناً نقابل أخاً مؤمناً لا يتكلم لغتنا ولا ينتمي للدولة التي نحن فيها، لكن نجد أنفسنا تلقائياً نحبه، وذلك لسبب بسيط لأن هذا الأخ يمتلك نفس الحياة التي نحن نمتلكها وساكنة فيه المحبة الساكنة فينا، وإلا إن لم نحبه، فمعنى ذلك أنه ليست لنا ذات الحياة التي يمتلكها.

المحبة ثمر

«وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ» (غلاطية 22:5).

يذكر الرسول في هذين العددين ثمر الروح. إنه لا يقول ثمار الروح، بل ثمر الروح، فهذه الحبات التسع الثمينة كأنها عنقود واحد من الثمر الحلو المشبع لقلب الله، لأنه لا ينتج من أشجار مختلفة، بل هو ثمر يجني من شجرة واحدة هي الطبيعة الإلهية التي صرنا شركاءها. ونلاحظ أن المحبة تأتي أولاً، فهي دائماً صاحبة المقام الأول لأنها الأعظم.

المحبة لباس

«وَعَلَى جَمِيعِ هذِهِ الْبَسُوا الْمَحَبَّةَ الَّتِي هِيَ رِبَاطُ الْكَمَالِ» (كولوسي 14:3).

فبعد أن شدد الرسول على الأحشاء والرأفات واللطف والتواضع والوداعة وطول الأناة والاحتمال والمسامحة، يقول: «وَعَلَى جَمِيعِ هذِهِ الْبَسُوا الْمَحَبَّةَ الَّتِي هِيَ رِبَاطُ الْكَمَالِ» (كولوسي 12:3 – 14). ونجد هنا الرباط الذي يربط اللبس الذي تكلم عنه الرسول في العدد السابق، فلباس المحبة هذا يجعل الصفات السابقة ظاهرة بكيفية واضحة.

المحبة عَلَم

«وَعَلَمُهُ فَوْقِي مَحَبَّةٌ» (نشيد الأنشاد 4:2).

إن العَلَم هو علامة القوة الغالبة المنتصرة على العدو. وهكذا محبة المسيح، التي تجلت في الصليب، انتصرت على الخطية والموت وقهرت قوة الشيطان ومن ناحية التطبيق الروحي، بالنسبة لنا نحن مؤمني الوقت الحاضر، نقول إن الرب يسوع أعد لنا وليمة فاخرة في بيت الآب، وسيجيء ليدخلنا بيت الآب لنستمتع بأفراح وليمته الأبدية (يوحنا 3:14) لكن الرب في نعمته يريد أن يوصل أفراح وليمة خمر بيت الآب إلينا ونحن هنا قبل أن نصل إليها، كما قال: «إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً» (يوحنا 23:14).