العودة الى الصفحة السابقة
من هو شفيعنا

من هو شفيعنا

جون نور


أعزائي المستمعين الكرام موضوع حلقتنا اليوم من برنامجنا حكم وأمثال من الكتاب المقدس هو من هو شفيعنا.

من المحزن أن لا يزال هناك حاجة لمعرفة المسيح وفهمه ضمن الأوساط المسيحية. فبالنسبة إلى البعض، المسيح هو صغير جداً، فهو ما زال إما طفلاً في مذود، وإما رجلاً صالحاً معلقاً على الصليب. وعند البعض هو إله بمرتبة ثانية، وعند البعض الآخر، هو إله يحتاج إلى مساعدة من عدد لا بأس به من القديسين الذين أخذوا دوره في خلاص الناس لانهم هم الذين يتشفعون في خلاصهم وكان المسيح في المرتبة الثانية في هذا الموضوع . علينا أن نعترف أن هذا الموضوع يعثر كثيرين، لكن في الوقت نفسه، علينا أن نعترف أيضا أن ألوهية المسيح هي عقيدة واسعة الانتشار في كل الكتاب المقدس. وبسبب صعوبة التعابير والألفاظ المستخدمة في عملية درس عقيدة الثالوث وشرحها، يقوم البعض برفض هذه العقيدة، في حين أن البعض الآخر يقبلها لكن بصورة مشوهة لا تعطي المسيح مقامه الحقيقي. من يظن أنه علينا أن نختار بين عقيدة الثالوث وألوهية المسيح الكاملة يكون قد أخطأ في قراءة التاريخ، خصوصاً إذا ظن أو صنف عقيدة الثالوث على أنها عقيدة تفرط بحقيقة أن يسوع المسيح هو الله. وفي حال فهمنا أو لم نفهم عقيدة الثالوث تبقى المشكلة الأولى والكبرى، عندما لا نعطي المسيح مكانته وسيادته الكاملة كرب وإله على حياتنا.

أعزائي المستمعين كل ما يرتبط بالعبادة وخلاص البشر، يجب أن ينحصر بالمسيح فقط وكل من يتبع شخصا آخر، حتى ولو كان هذا الشخص من القديسين، هو ضال حذرنا الله في سفر التثنية 13:6 «الرَّبَّ إِلهَكَ تَتَّقِي، وَإِيَّاهُ تَعْبُدُ، وَبِاسْمِهِ تَحْلِفُ..» وللتأكيد على أهمية هذه الوصية التي وردت في العهد القديم يكررها الكتاب أيضا في العهد الجديد «أَنَا الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ، الأَوَّلُ وَالآخِرُ» (رؤيا يوحنا 13:22). ولأن يسوع المسيح تواضع كثيراً إذ أتى إلى هذا العالم الملعون وأخذ طبيعة بشرية، أُخفي عن عيون بعض الناس مجده ولاهوته الكامل. لكن رغم تواضعه وتجسده الحقيقي، هو نفسه الإله الكائن، والذي كان، والذي لا يستطيع أن يتغير، هل علاقتنا هي به وحده؟ هل نرفع حاجاتنا وتسبيحاتنا له وحده؟ هل نُشرك معه شخصاً أو شيئاً آخر في العبادة؟ قال أحدهم هذا القول الجميل: «إذا كان المسيح هو فعلاً كل ما قاله عن نفسه، فنحن نستطيع أن نكون كل ما يريده الله منا». حتماً، هذا يعني أننا نعبد الله الواحد المثلث الأقانيم: الآب والابن والروح القدس، الذي له كل المجد إلى الأبد.

المسيح وحده هو كل ما نحتاجه. يعتبر قول يسوع: «أنا كائن» من أصعب ما قاله عن نفسه، لكنه من أجمل ما قاله عن نفسه، لأن أكثر ما نحتاج إليه هو أن نعرفه كما يجب.

إقتسموا ثيابه لكن لن يقتسم أحد تاجه! تاجه لا يشبه تيجان ملوك البشر، لا في مصدره ولا في نوعيته. «قَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: أَفَأَنْتَ إِذًا مَلِكٌ؟» أَجَابَ يَسُوعُ: أَنْتَ تَقُولُ: إِنِّي مَلِكٌ. لِهذَا قَدْ وُلِدْتُ أَنَا، وَلِهذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى الْعَالَمِ لأَشْهَدَ لِلْحَقِّ. كُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ الْحَقِّ يَسْمَعُ صَوْتِي» (يوحنا37:18).

هذه الكلمات هي أيضا من أصعب ما قاله يسوع عن نفسه وخصوصا في ظرفها وفي زمانها. من المفترض أن يدافع يسوع عن نفسه أمام بيلاطس، الحاكم الروماني، ضد الاتهامات الباطلة الموجهة إليه، وضد من يشهد عليه بالزور. إلا أنه بينما كانوا يطالبون بصلبه وقتله، كان هو يؤكد لبيلاطس أنه ملك «أنت تقول إني ملك!».

لقد ذكرت الأناجيل الأربعة حادثة مواجهة يسوع مع بيلاطس بتفاصيلها نظراً لأهميتها. فهي ليست مجرد محاكمة عادية، فقد أراد الرب يسوع من خلالها أن يعلن أمام بيلاطس إحدى أصعب الحقائق عن نفسه، «إني ملك»، بعكس مفاهيم البشر السائدة.

هو ملك من مكان آخر. في عدد 63 من الأصحاح نفسه، عندما سأله بيلاطس، «أنت ملك اليهود؟»، فأجاب يسوع: «مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ» (يوحنا 18: 36)، هذا لا يعني أن مملكة المسيح هي مملكة روحية فحسب، بل قصد يسوع أن يقول لبيلاطس أنه ملك قادم من مكان آخر، هو يحكم ذلك المكان وهذا العالم بطريقة خاصة. ملوك الأرض تتوج من الناس، أما المسيح فمتوج من فوق. الممالك والإمبراطوريات لها حدودها ومحدوديتها، لكن مملكة المسيح هي على كل العالم وعلى كل الأرض، لكن بمفهوم وأسلوب مختلف عن هذا العالم الظاهري. هو واقف أمام بيلاطس، وربوات من الملائكة تنتظر أوامره، أنه ملك عليها جميعها.

هو ملك منذ يوم ولادته. ماذا قال المجوس عندما جاءوا يبحثون عن يسوع؟ «أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ؟» (متّى 2: 2). عندما التقى نثنائيل يسوع، قال له: «أَنْتَ ابْنُ اللهِ! أَنْتَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ!» (يوحنا 1: 49). هو ملك من دون تتويج من أحد إنه الله ولا شيء أقل من ذلك. ليس بيلاطس هو من كان يحاكم المسيح، بل المسيح هو الذي كان يحاكم بيلاطس. عندما حاولت الجموع أن تجعل يسوع ملكاً بعدما أشبع الخمسة آلاف (يوحنا 1:6-15)، تركهم وانصرف إلى الجبل وحده. فهذا الملك وهذه المملكة ليسا بحاجة إلى الناس لكي تقيمهما أو تحارب من أجلهما. فهذه المملكة موجودة وغالبة، لكن هذا الملك جاء ليصنع الفداء ويجمع أبناء هذا الملكوت.