العودة الى الصفحة السابقة
أنا هو الخبز الحي

أنا هو الخبز الحي

جون نور


أعزائي المستمعين الكرام موضوع حلقتنا اليوم من برنامجنا حكم وأمثال من الكتاب المقدس هو أنا هو الخبز الحي.

«أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الْحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هذَا الْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ. وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ» (يوحنا 51:6).

المسيح لم يقدم لنا طعاماً مادياً كالذي قدمه للجموع والذي كان مكوناً من خمسة أرغفة وسمكتين، لكنه قدم لنا جسده هو: «الْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي»، باعتباره «الْخُبْزُ الْحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ»، الخبز الذي يهب حياة أبدية لكل من يأكله «إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هذَا الْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ» (يوحنا 6: 51).

ومع أن الخبز طعام أساسي وضروري لا يستغنى عنه إلانسان، إلا أنه «لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللهِ» (متّى 4: 4)، والمسيح هو كلمة الله المتجسد، المن السماوي الواهب حياة للعالم.

أعزائي المستمعين إن المسيح بالنسبة لنا ليس مجرد إله نتعبد له، أو سيد نخضع له، أو معلم صالح نقتفى أثره، لكنه خبز حياتنا، وطعامنا اليومي، الطعام الذي به نحيا.

لقد قدم المسيح جسده لأجلنا، واجتاز هذا الجسد في جميع المراحل التي تجتاز فيها حبة الحنطة حتى تصبح خبزاً. فكما ينبغي أن تدفن حبة الحنطة وتتحلل أجزاؤها في التربة وتموت تماماً حتى يمكن أن تأتي بثمر كثير، هكذا فعل المسيح. لقد مات لكي يأتي بأولاد كثيرين إلى الملكوت. وكما ينبغي أن تطحن حبة الحنطة بين حجري الرحى، وتسحق سحقاً كاملاً، وتتحول إلى دقيق، هكذا سحق المسيح بين حجري الغضب، غضب الله المعلن من الله على خطية الانسان من فوق وغضب الإنسان من تحت، «وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا» (إشعياء 53: 5)، وكما ينبغي أن يمزج العجين ويضرب، هكذا إمتزج المسيح بالألم وضرب بعصا الناموس لأجلنا. وكما يوضع الخبز في النار حتى ينضج، هكذا الرب يسوع المسيح إجتاز نيران عدل الله فوق الصليب حتى يصبح جسده «مَأْكَلٌ حَقٌّ» (يوحنا 6: 55) يهب حياة لكل من يأكله.

وما أعظم البركات التي يمتعنا بها هذا الخبز السماوي:

«لأَنَّ خُبْزَ اللهِ هُوَ النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ الْوَاهِبُ حَيَاةً لِلْعَالَمِ» (يوحنا 33:6). فنحن الأموات بالذنوب والخطايا، متى تناولنا هذا الخبز الحي، تدب فينا الحياة ونصبح أحياء روحياً، «وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ» (أفسس 5:2). هذه الحياة لا تنتهي بانتهاء الجسد بل تستمر إلى الأبد، «إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هذَا الْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ».

اعزائي المستمعين المسيح يهبنا الحياة بطريقتين:

(1) بموته لأجلنا:

«الْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ»، بإعتباره حبة الحنطة التي ماتت ودُفنت وسُحقت لأجلنا.

(2) بحياته فينا: «من يأكلني فهو يحيا بي». إنه لا يقيمنا من قبور خطايانا فحسب، ولا يشبع جوعنا فقط، لكنه يمدنا بحياة مستمرة. إن الأكل منه يعطي حياة أبدية، وإذ نثبت فيه، ويثبت هو فينا، نتقوى وتتشدد حياتنا الروحية.

عزيزي المستمع لا تحاول أن تشبع نفسك بأطعمة الجسد وملذات العالم، فهذه كلها وإن كانت تشبع جسدك لكن هيهات لها أن تشبع نفسك.

(1) الإلتجاء إليه: «مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فَلاَ يَجُوعُ» (يوحنا 6: 56). علينا أن نلتجئ إليه هو بالذات، ونحتمي فيه شخصياً. أحياناً نخطئ فنذهب إلى غيره ونطرق أبوباً أخرى، فلا غرابة إن كنا نُصاب بالفشل وخيبة الأمل. قال الرب يسوع: «مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ لاَ أُخْرِجْهُ خَارِجًا» (يوحنا 6: 37).

(2) الإيمان به: «مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ» (يوحنا 6: 47). علينا أن نثق في قوته وقدرته، وصدق مواعيده، وأنه يهبنا الحياة الأبدية، وأنه قادر أن يحفظنا، ويشبعنا، ويسدد كل إحتياجاتنا. إن الذي أشبع الآلاف بخبزات الشعير يستطيع أن يشبعنا نحن أيضاً، وفتاتة واحدة من مائدة يسوع أنفع لنا من كل كنوز العالم.

ما أعظم الفرق بين أطعمة العالم وبين خبز الحياة. نقرأ عن الإبن الضال أنه ترك بيت الآب وذهب إلى الكورة البعيدة وهناك بذر ماله بعيش مسرف، «فَابْتَدَأَ يَحْتَاجُ.... وَكَانَ يَشْتَهِي أَنْ يَمْلأَ بَطْنَهُ مِنَ الْخُرْنُوبِ الَّذِي كَانَتِ الْخَنَازِيرُ تَأْكُلُهُ، فَلَمْ يُعْطِهِ أَحَدٌ» (لوقا 15: 14 و16). هذه هي النتيجة الحتمية للإرتداد والضلال بعيداً عن بيت الآب.

لكن لما رجع إلى نفسه، وتذكر حالته الأولى في بيت أبيه والأطعمة الفاخرة التي كان يتمتع بها، وعندما أيقن خطورة مصيره إذا إستمر في الكورة البعيدة وأنه سوف يهلك جوعاً، حينئذ قام وذهب راجعاً معترفاً بخطئه وعدم إستحقاقه، فقبله أبوه فرحاً مسروراً وقال لعبيده: «قَدِّمُوا الْعِجْلَ الْمُسَمَّنَ» (يوحنا 15: 23). ما أعظم الفرق بين خرنوب الخنازير والعجل المسمن!! ليتنا نحذر طريق الكورة البعيدة. ليتنا نقنع ببركة الوجود الدائم في بيت الآب السماوي حيث الرعاية والشبع الكامل.

فإن كان المسيح قد قدم جسده لأجلنا، ألا ينبغي أن نقدم نحن أجسادنا ذبيحة حية مقدسة مرضية لله؟ ألا ينبغي أن نشكره على خبز الحياة، العطية التي لا يعبر عنها؟ ألا ينبغي أن نأكل من هذا الجسد ونتمم الوصية: «إِنْ لَمْ تَأْكُلُوا جَسَدَ ابْنِ الإِنْسَانِ وَتَشْرَبُوا دَمَهُ، فَلَيْسَ لَكُمْ حَيَاةٌ فِيكُمْ» (يوحنا 6: 53) ألا ينبغي أن نخبر كلما أكلنا من هذا الخبز بموت الرب إلى أن يجئ؟ (1كورنثوس 11: 26).