العودة الى الصفحة السابقة
قلب الإنجيل

قلب الإنجيل

جون نور


«لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (يوحنا 16:3).

تقول القصة ان انسانا عاش حزيناً بعد أن فقد أحد أبنائه، وكان دائم الجلوس في حديقة عامة في مدينته، فجاء إليه احد المبشرين بكلمة الله والذي كان يذهب كعادته إلى الحديقة لتوزيع الكتاب المقدس، وطلب منه نسخة من الإنجيل. فسأله المبشر: «وما الذي أعجبك فيه؟» فأجاب: «أوراقه! نعم، أوراقه رقيقة وناعمة، وأريد أن أستخدمها في شيء ما». فقال المبشر: «وما هو؟» فرد قائلاً: «الحقيقة في لف الدخان، فأنا أدخن سيجار ملفوف».

اندهش الخادم لهذا الطلب الغريب، ولكنه أجابه قائلاً: «أنا موافق بشرط أن تقرأ الورقة قبل أن تقطعها». فأجابه: «وأنا موافق».

وأخذ صاحبنا الإنجيل وكان كلما احتاج إلى ورقة، كان يقرأها ثم يقطعها. فمزق أوراق إنجيل متّى، وهكذا فعل بإنجيلي مرقس ولوقا حتى وصل إلى إنجيل يوحنا الأصحاح الثالث والآية السادسة عشر، ولم يستطيع أن يقطعها.. لقد استوقفته الآية، وسأل نفسه: هل الله أحب فعلاً بهذا المقدار؟!

ذهب إلى الحديقة وسأل الخادم عن سر هذه الآية العجيبة، ولأول مرة يسمع منه عن محبة الله، فتأثر الرجل جداً، لأنه وجد حباً شافياً وكافياً، وتعزى على فقد ابنه بعد أن أدرك أن الله قد بذل ابنه الوحيد.

هذه الآية بمثابة قلادة ثمينة تتكون من سبع درر نفيسة هي:

1 - حقيقة المحبة: «لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ».

قال صاحب مزرعة لغلام كان يعمل عنده: «إن أنجزت هذا العمل، سأكافئك بملء كفين من الكرز». فأتم الصغير العمل على أكمل وجه، عندئذ قال سيده: الآن يمكنك أن تملأ كفيك. فقال الصغير: «هذا حسن يا سيدي، ولكن لو أعطيتني بكفيك أنت يكون حسن جداً، فرحب السيد وأعطاه كما أراد. لقد فهم الصغير ان ما في يد الكبير كثير.

فإن القليل هو كثير إن كان الله فيه، فكم بالحري إن كان كثيراً. وهكذا أحب، تعني بهذا المقدار الكبير، فلا الفلاسفة بأفكارهم، أو الجغرافيون بخرائطهم، أو الفلكيون بمراصدهم، يقدرون أن يحصروا محبة الله الفائقة.

2 - مصدر المحبة: الله.

كان هناك ابن عاق، ضل سبيل التقوى، وهجر طرق البر؛ فاستدعت أمه الخادم ليتكلم إليه عسى أن يتحسن الحال. ولكن الولد لا يؤمن بالله، ولا بأي شيء في الوجود. جاء الخادم وتحدث إليه بأن يترك خطاياه ويعترف بها للرب، فرد الشاب: لكني لا أؤمن به ولا بأي شيء آخر. فقال الخادم: ولكنك تؤمن بمحبة أمك لك. فأجاب: أنا أعلم أنها تحبني». إذاً أنت تؤمن بشيء صالح في هذا العالم. أتركك الآن وصل بعد خروجي للمحبة محبة الله ومحبة والدتك.

احتقر الابن الخادم، وشعر بأنه من الحماقة أن يصلي إلى المحبة، ولكنه كان قد وعده بأنه سيصلي للمحبة، فركع وصلى قائلاً: أيتها المحبة أتوسل إليك: ساعديني.. سامحيني. فللوقت وكأن السماء انشقت ورنت في قلبه أجراس محبة الله، وتذكر آية تعلمها في طفولته ان الله محبة فخرج من غرفته فرحاً، وجرى نحو أمه، وطوقها بذراعيه، وقال لها: أماه، لقد وجدت المحبة.. بل وجدت الله.

3 - غرض المحبة: «.. العالم ..».

الإنسان هو غرض محبة الله الذي قال: «لَذَّاتِي مَعَ بَنِي آدَمَ» (أمثال 31:8). لقد أرسل الله يوماً يونان النبي إلى مدينة نينوى (وهي حالياً محافظة في شمال العراق وعاصمتها الموصل» ليحذرها من عواقب عدم التوبة، لم يرغب يونان في الذهاب إليها في بادئ الأمر، لأنها مدينة (أممية)، ولكنه ذهب أخيراً، وتابت نينوى. إن محبة الله التي تتعدى حدود اللون والجنس، فلا فرق عند الله بين اليوناني واليهودي، العبد والحر، الذكر والأنثى.

4 - عمل المحبة: «.. حتى بذل ..»أما الله فقد أعطى أعز وأغلى ما لديه.

5 - عطية المحبة: «ابنه الوحيد».

إنه المسيح المعادل لله (يوحنا 18:5) و«صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ» (كولوسي 15:1)، الخالق لكل شيء (يوحنا 3:1) وهو موضوع محبة الله ولذته، لكنه بذله لأجلنا.

ترى ما هي مشاعر الآب وهو يرى ابنه الوحيد وقد أحاطت به الكلاب، وجماعة من الأشرار، كيف كان يراه، وقد عروه، وعلى ظهره جلدوه، الوجه الكريم لكموه ولطموه، إنها مشاهد تتمزق لها الألباب، فيا لمحبة الآب!

6 - رسالة المحبة: «لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ».

هناك من ينكرون العقاب الأبدي وعذاب الأشرار، ونسوا ما قاله الرب الصادق في مرقس 9 عن النار التي لا تطفأ والدود الذي لا يموت، لا مرة ولا مرتين بل خمس مرات. فيا للمسؤولية!

تهكم رجل عجوز غير مؤمن على جهنم بالقول: «لقد عشت سبعين سنة فلم أنظر جهنم». لكن حفيده الصغير الذي كان يسمعه، قال له: «لكن يا جدي، هل مت ولم تنظرها؟».

7 - ثمر المحبة: «بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ».

يا لها من آية ثمينة، بدأت بالله وانتهت بالحياة الأبدية. والحياة الأبدية لا تعني فقط الخلود ودوام الوجود، ولا تعني نهاية الشقاء ودخول السماء، بل إنها الشركة الأبدية مع الله، والتي لنا أن نتمتع بها من الآن. لقد «أَعْطَانَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَهذِهِ الْحَيَاةُ هِيَ فِي ابْنِهِ» (1يوحنا 11:5). لا يقول إن الله وعدنا أو سيعطينا، بل أعطانا. فيا لليقين!

لقد تغير الحال مع الحزين المدخن الذي أشرنا إليه ، ومضى سعيداً، وليس فقط في جيبه كتاب الله، بل وبين ضلوعه وفي قلبه محبة الله، بل وحياة الله. نعم، الله!