العودة الى الصفحة السابقة
طريق نوال الخلاص

طريق نوال الخلاص

جون نور


هل الخلاص بالإيمان أو بالأعمال أو بالإيمان والأعمال معاً؟

حاول أن تسأل الكثيرين من المسيحيين الاسميين هذا السؤال، وستسمع ألواناً من الإجابات الخاطئة تتردد على شفاههم: يجيبك واحد قائلاً: إن الشخص ينال الخلاص بأعمال البر والصلاح.. وأنه ليس على المرء إلا أن يصوم ويصلي ويدفع صدقات للفقراء والمساكين، ويعمل الخير للناس، ثم ينتظر بعد ذلك الرحمة من الله، فإما أن يرسله إلى السماء أو يلقي به في الجحيم.. ويقول لك آخر: إن الإنسان يخلص إذا حفظ ناموس الوصايا العشر ولم يحد عنها.. ويقول لك ثالث: إن الإنسان يخلص بالإيمان والأعمال معاً.

فهل هذه الإجابات تتفق مع طريق الله المعلن في كلمته لخلاص الإنسان؟

إن السبيل الوحيد لمعرفة طريق الله للخلاص هو «العودة إلى الكتاب المقدس»، فكل طريق يبتكره الذهن البشري، أو يخترعه الاستحسان الإنساني، يعرض المرء لخطر الهلاك الأبدي وإن بدأ مستقيماً أمام العيون كما يقول كاتب سفر الأمثال: «تُوجَدُ طَرِيقٌ تَظْهَرُ لِلإِنْسَانِ مُسْتَقِيمَةً، وَعَاقِبَتُهَا طُرُقُ الْمَوْتِ» (أمثال 12:14).

هلم بنا لنقلب صفحات الكتاب المقدس، ولنسمع ماذا يقول الكتاب عن طريق نوال خلاص الله..

الخلاص ليس بأعمال البر

والحقيقة الكبرى التي تؤكدها كلمة الله، ويرفضها الذهن الجسدي هي: أن الخلاص ليس بأعمال البر.

فتعال معي لنقرأ معاً الآيات اللامعة التي تقرر هذه الحقيقة:

ها هو إشعياء النبي يقول: «قَدْ صِرْنَا كُلُّنَا كَنَجِسٍ، وَكَثَوْبِ عِدَّةٍ كُلُّ أَعْمَالِ بِرِّنَا» (إشعياء 6:64) فإشعياء يصف «أعمال برنا» بأنها كثوب عدّة «وعدّة» المرأة أيام طمثها، فأعمال برنا كخرقة المرأة في طمثها، وما أظن أن هناك وصفاً مرعباً مثل هذا الوصف. وإذا كانت «أعمال برنا» أي أعمالنا الصالحة «كخرقة الطامث» فكم بالحري أعمال شرنا وفجورنا؟!

منذ سقط الإنسان في الخطية، وقد انقسمت البشرية إلى فريقين، فريق يؤمن بأن الخلاص بالإيمان بالرب يسوع المسيح، وفريق يؤمن بأن الخلاص بأعمال البر.

إن طريق الله للخلاص هو «طريق الإيمان» وليس «طريق الأعمال» وكل من يسلك في طريق الأعمال له الويل كما يقول يهوذا في رسالته: «وَيْلٌ لَهُمْ! لأَنَّهُمْ سَلَكُوا طَرِيقَ قَايِينَ» (يهوذا 11).

إن كل الذين سيذهبون إلى السماء، سيذهبون عن طريق الإيمان الشخصي بالرب يسوع المسيح ولذا فإنهم يرددون مع يوحنا الحبيب قائلين: «الَّذِي أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ، وَجَعَلَنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً للهِ أَبِيهِ، لَهُ الْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ» (رؤيا 5:1 و6) بل إن ترنيمتهم الحلوة في المجد الأسنى ستكون «مُسْتَحِق أَنْتَ أَنْ تَأْخُذَ السِّفْرَ وَتَفْتَحَ خُتُومَهُ، لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَاشْتَرَيْتَنَا للهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ» (رؤيا 9:5).

وهناك ملاحظة ثانية نلفت إليها نظر القارئ وهي أنه في كلا الأصحاحين في رومية ويعقوب اللذين نجد فيهما هذين القولين المتناقضين ظاهرياً، نجد كلمتين هما الدليل الذي يجب أن يحفظنا من هذه المشكلة المزعومة، ففي الأصحاح الرابع من رسالة رومية يقول بولس: «لأَنَّهُ إِنْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ قَدْ تَبَرَّرَ بِالأَعْمَالِ – أي أنه إن كان إبراهيم قد تبرر كخاطئ أمام الله بالإعمال – فَلَهُ فَخْرٌ، وَلكِنْ لَيْسَ لَدَى اللهِ» (رومية 2:4) وهذه العبارة هي الدليل الأكبر الذي ينفي نفياً باتاً قاطعاً تبرير الخاطئ بالأعمال لدى الله.

ويستخدم يعقوب أيضاً كلمة لها نفس الأهمية، وهي ترينا بأن كلمة الله كاملة كمالاً سماوياً وتثبت أمام أدق الامتحانات، وكلما دققنا النظر فيها رأينا أنها حقاً كلمة الله إذ فيها كمال سماوي يفوق كل حكمة بشرية.

وخير إيضاح لهذا موجود في الأصحاح السابع من إنجيل لوقا، فهناك نرى الرب وقد ذهب لتناول الطعام في بيت رجل فريسي، إنسان اعتقد أنه تبرر ببره الذاتي، إنسان كان يتمم كل الأمور الخارجية المرسومة في الطقوس والفرائض، وعلى ذلك كان يعتبر نفسه أفضل من أي شخص يخطئ جهاراً. وإذ بامرأة منجسة كانت تخطئ جهاراً، ولم يكن ثمة شك في إثمها تدخل بيته، وبهدوء وصمت تسعى إلى قدمي المخلص وتغسلهما بالدموع، وتمسحهما بشعر رأسها، فكان الخاطر الذي شغل عقل الفريسي هو: «إن لمس هذه المرأة الأثيمة ينجس لأنها خاطئة»، فيجيب الرب فاحص القلوب على خواطر الفريسي بمثل صغير جميل هو مثل المديونين ويستخدم الفريسي والمرأة لتصوير حاليهما، وما يجب ملاحظته بشكل خاص هو الطريقة التي يفرق بها ربنا المبارك بين هذين التبريرين.

الأول أمام الله بالإيمان، والثاني أمام الناس بالأعمال:

إذ نقرأ «ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْمَرْأَةِ وَقَالَ لِسِمْعَانَ: أَتَنْظُرُ هذِهِ الْمَرْأَةَ؟ إِنِّي دَخَلْتُ بَيْتَكَ، وَمَاءً لأَجْلِ رِجْلَيَّ لَمْ تُعْطِ. وَأَمَّا هِيَ فَقَدْ غَسَلَتْ رِجْلَيَّ بِالدُّمُوعِ... قُبْلَةً لَمْ تُقَبِّلْنِي، وَأَمَّا هِيَ فَمُنْذُ دَخَلْتُ لَمْ تَكُفَّ عَنْ تَقْبِيلِ رِجْلَيَّ. بِزَيْتٍ لَمْ تَدْهُنْ رَأْسِي، وَأَمَّا هِيَ فَقَدْ دَهَنَتْ بِالطِّيبِ رِجْلَيَّ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَقُولُ لَكَ: قَدْ غُفِرَتْ خَطَايَاهَا الْكَثِيرَةُ، لأَنَّهَا أَحَبَّتْ كَثِيرًا. وَالَّذِي يُغْفَرُ لَهُ قَلِيلٌ يُحِبُّ قَلِيلاً. ثُمَّ قَالَ لَهَا: مَغْفُورَةٌ لَكِ خَطَايَاكِ. فَابْتَدَأَ الْمُتَّكِئُونَ مَعَهُ يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ: مَنْ هذَا الَّذِي يَغْفِرُ خَطَايَا أَيْضًا؟ فَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: إِيمَانُكِ قَدْ خَلَّصَكِ، اِذْهَبِي بِسَلاَمٍ» (لوقا 44:7 – 50).

إن الإيمان يبرر الخاطئ أمام الله والأعمال تبرر المؤمن أمام الناس، إذن فالأعمال تكمل الإيمان وتمجد الله وتخلص الآخرين.

فهل أنت مؤمن في قوة الدم وحده لتبريرك أمام الله؟

وهل تعمل لتتبرر أمام الناس، وتشهد لمن فداك وخلصك؟ هذه هي كلمة الرب: «لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (يوحنا 16:3).