العودة الى الصفحة السابقة
السعادة الحقيقية

السعادة الحقيقية

جون نور


أعزائي المستمعين الكرام موضوع حلقتنا اليوم من برنامجنا حكم وأمثال من الكتاب المقدس هو السعادة الحقيقية؟

اين هي السعادة الحقيقية ومن أين تنبع؟ وما هو الطريق إليها؟ وهل السعادة هي مجرد المتعة والنجاح؟ وهل ما يسميه الناس بالسعادة هو اختبار السعادة الحقيقي؟

إن السعادة الحقيقية توجد في كل مكان، وفي أي زمان، وفي أي ظرف، وهي لا تتوقف على ظروف خارجية. إنها اختبار داخلي، وحالة روحية سامية، ومن حق كل إنسان أن يتمتع بها.

إنها نتيجة اختبار قلبي داخلي، فحالما نؤمن إيماناً حقيقياً بالرب يسوع المسيح وبعمله الكفارى من أجلنا، عندئذ يحدث في داخلنا تغيير شامل وكامل فيتغير موقفنا ونظرتنا للحياة الحاضرة والحياة الأبدية. فنفكر ونحيا ونتصرف في ضوء الحياة الأبدية، وتصبح المملكة الروحية حقيقة مؤكدة إختبارية بالنسبة لنا، ونصبح خليقة جديدة في المسيح يسوع، ويتحقق لنا ما وعد به المسيح له المجد قائلاً: «وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ» (يوحنا 10:10). هذه الحياة الأفضل هي السعادة الحقيقية، لأنها حياة تسمو فوق الأرضيات، وتحلق في السماويات، قريبة من الله، في سعادة تامة، وراحة كاملة.

من المدهش أن الكثيرين يهملون السعادة الحقيقية مع أنها مجانية! لكنهم يدفعون أغلى ثمن، ويضحون بكل شيء في سبيل الحصول على السعادة المزيفة.

إن رجال الله القديسين، وأبطال الإيمان، رفضوا كل متعة زائلة وسعادة مزيفة. تأمل موسى النبي الذي شهد عنه الوحي قائلاً: «بِالإِيمَانِ مُوسَى لَمَّا كَبِرَ أَبَى أَنْ يُدْعَى ابْنَ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ، مُفَضِّلاً بِالأَحْرَى أَنْ يُذَلَّ مَعَ شَعْبِ اللهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ تَمَتُّعٌ وَقْتِيٌّ بِالْخَطِيَّةِ، حَاسِبًا عَارَ الْمَسِيحِ غِنًى أَعْظَمَ مِنْ خَزَائِنِ مِصْرَ» (عبرانيين 24:11 – 26).

قد يظن البعض أن السعادة في الغنى، أو الزواج، أو الأولاد، أو النجاح الاجتماعي، أو في الحصول على الشهادات العالية أو المراكز الرفيعة السامية هذه كلها لا تستطيع أن تشبع قلب الإنسان. إن ملايين من البشر قد وصلوا إلى الأهداف التي كانت نصب أعينهم، ومع هذا فإنهم لم يختبروا حياة السعادة الحقيقية.

نعم، فالسعادة تتحقق للشخص المسيحي الذي يتمتع بكل ما عنده من خيرات ويعيش قانعاً بإحسانات الله، مردداً في كل يوم شكراً للرب على نعمه وخيراته، عالماً أن الله صالح ويريد ويعمل الصالح من أجله دائماً. أما الذين لا يعرفون القناعة فيرهقون أعصابهم ويحطمون كيانهم ويحفرون قبورهم بأيديهم، إذ ينطبق عليهم قول الرسول: «وَأَمَّا الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ، فَيَسْقُطُونَ فِي تَجْرِبَةٍ وَفَخٍّ وَشَهَوَاتٍ كَثِيرَةٍ غَبِيَّةٍ وَمُضِرَّةٍ، تُغَرِّقُ النَّاسَ فِي الْعَطَبِ وَالْهَلاَكِ. لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ، الَّذِي إِذِ ابْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ الإِيمَانِ، وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ» (1تيموثاوس 9:6 – 10).

إن الرسول بولس يعلمنا القناعة، لأنه كان مكتفياً بما عنده، متهللاً بنعم الرب. إنه كان يستنبط السعادة من كل اختبار يجتاز فيه. لقد رفض التذمر، لان التذمر يفقد الإنسان سعادته. وإذ امتلأ قلبه بالإيمان كان يردد هذا القول: «وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ» (رومية 28:8). حقاً إن التقوى مع القناعة هما سر السعادة.

في قصة الإبن الضال يحذرنا الكتاب المقدس من طريق الانحدار إلى الكورة البعيدة. لقد ظن ذلك الابن أن السعادة سوف تتحقق له حينما يبتعد عن بيت الأب، ويأخذ ثروته معه، وهناك يطلق العنان لشهواته، ويمتع نفسه بكل شيء، ويبذر ماله بعيش مسرف مع الزواني. لكنه أنفق كل شيء وابتدأ يحتاج، وذاق مرارة الذل والتعاسة في هذه الكورة البعيدة عن بيت الأب. إن الكتاب يصف لنا حالته بهذه الأمور المحزنة: «وَكَانَ يَشْتَهِي أَنْ يَمْلأَ بَطْنَهُ مِنَ الْخُرْنُوبِ الَّذِي كَانَتِ الْخَنَازِيرُ تَأْكُلُهُ» (لوقا 16:15).

قد تكون هذه قصة الكثيرين الذين سقطوا من نعمتهم، وتركوا موطن سعادتهم، وانحدروا في بالوعة اليأس يولولون ويصرخون لجهلهم، ويندبون حظهم. توجد طرق كثيرة تبعدنا عن طريق السعادة، فما أكثر الطرق التي تعترض سبيلنا وتنأى بنا عن طريق السلام. هذه الطرق المتشعبة تظهر أمامنا بكل ما فيها من مغريات وجاذبيات. لكن المؤمن الساهر يدرك على الفور أن هذه الطرق لا تؤدى إلى السماء، وأنها من حيل الشيطان وشباكه.

إن المؤمن الذي يريد السعادة الحقيقية عليه أن يسهر ويستيقظ دائماً حتى لا تتسرب إلى حياته المباركة الأمور المنغصة التي يأتي بها الشيطان إليه. إن أقل ميل للخطية، وأية شهوة تدخل إلى قلب الإنسان المؤمن تسلبه السعادة وتولد فيه المرارة والشقاء. من أجل هذا فإن أولاد الله المباركين الفرحين هم دائماً الذين يرفضون الشر وشبه الشر، ويتحذرون من كل شيء يقطع شركتهم مع الرب.

ما اكثر السعادة الوهمية الوقتية التي يقدمها العالم والشيطان للناس. لكنها سعادة مغشوشة باطلة، سرعان ما تتبخر وتتلاشى، وتتحول إلى شقاوة وتعاسة. وبكل أسف ينخدع الكثيرون بهذه السعادة المغلوطة ويجرون وراءها لعلهم يتحصلون على شبع قلوبهم وضالتهم المنشودة، لكنها كالسراب تضحك عليهم وتهزأ بهم، لأنه لا توجد سعادة حقيقة بعيدة عن الرب. وكل من يختبر السعادة التي في المسيح يسوع ربنا لا يمكنه أن يضحى بها نظير أي شيء عالمي.