العودة الى الصفحة السابقة
ماذا عندك لتعطيه؟

ماذا عندك لتعطيه؟

جون نور


أعزائي المستمعين الكرام موضوع حلقتنا اليوم من برنامجنا حكم وأمثال من الكتاب المقدس هو ماذا عندك لتعطيه؟

قال الرسول بطرس للأعرج أمام باب الجميل: «لَيْسَ لِي فِضَّةٌ وَلاَ ذَهَبٌ، وَلكِنِ الَّذِي لِي فَإِيَّاهُ أُعْطِيكَ» (أعمال 3: 6).

كان هنالك فرق شاسع بين باب الجميل وبين ذلك الأعرج المسكين الذي كان يوضع كل يوم عند ذلك الباب ليسأل صدقة كان الباب المصنوع من أنفس معادن العالم يشمخ فوق هذا المسكين المنبطح على الأرض الذي يعيش على الحسنات الضئيلة التي تُقدم إليه. كان الباب يحتاج إلى عشرين شخصاً لفتح أو غلق دفتيه المنقوشتين نقشاً بديعاً، أما هو فقد كان يحمله بعض الفقراء أمثاله إلى ذات الوضع الذليل. لا يزال مثل هذا التباين قائماً بين الأبواب الجميلة التي لهيكل الطبيعة، الأبواب الجميلة التي للفجر والمساء والطفولة، وبين التعاسة التي جلبتها الخطية على أولئك الراقدين محطمين ومقعدين على الدرج الذي تطأه حياة العالم.

لكن كان لا يزال هنالك فرق أوسع بين مظهر الرسولين الصاعدين إلى الهيكل في ساعة الصلاة التاسعة وبين الإمدادات التي يحملانها وراء مظهرهما المتواضع. لقد كانا في نظر العالم مجرد شخصين بسيطين فقيرين، أما في نظر ملائكة الله فقد كانا يمتلكان سراً يستطيع فتح مخازن الأبدية التي ليست لها حدود.

عندما وقفا أمام ذلك الأعرج في بداية الأمر وأمراه أن ينظر إليهما ظن أنهما سوف يعطيانه صدقة. لكن خاب ظنه إذ لم يكن معهما شيء قط، ثم كان خبراً غريباً أن يسمع بأنهما ولو أنه ليس معهما شيء قط من الفضة أو الذهب فإنهما يستطيعان تقديم شيء آخر «لَيْسَ لِي فِضَّةٌ وَلاَ ذَهَبٌ، وَلكِنِ الَّذِي لِي فَإِيَّاهُ أُعْطِيكَ».

وما الذي ضمنه بطرس في هذا التعبير «الذي لي»؟ لا شك في أنه لم يشر إلى حدة طبعه أو حدة غضبه أو جبنه، فهذه أمور مريرة لم يكن يليق به أن يفخر بها. لكنه أشار إلى المواهب المباركة التي أتته بها نعمة الرب المقام من بين الأموات.

ألم يأخذ من الآب موعد الروح القدس السامي جداً الذي انسكب منذ فترة وجيزة على الكنيسة بكيفية عجيبة جداً؟ ألم يستقر لسان النار على رأس بطرس؟ ألم تملأ نفسه شجاعة جديدة؟ ألم يتوفر لديه الإيمان باسم المسيح الذي به يشفي الأعرج، والمحبة التي تحتمل كل شيء من أجل المسيح، والرجاء بأوقات الفرج التي لا بد أن تأتي ثانية للعالم الجاف المائت؟ كانت له هذه، وكان يعلم أنها متوفرة لديه، وكان يعلم أنه يقدر أن يقدمها للآخرين أيضاً. لقد أتى ابن الله وأعطاه بصيرة وقوة ومسحة من القدوس وإذ كان غنياً في هذه المواهب المباركة شعر بأنه يستطيع أن يوزعها بغنى. وإذ صار وارثاً لله أحس بأنه يستطيع أن يقتدي بكرم الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعير.

هل لديك شيء كهذا؟ هل في قلبك شيء تستطيع به أن تغني هذا العالم الفقير التعس؟ الفقراء المتسولون يحيطون بك من كل ناحية، يرفعون أصواتهم بالاستغاثة، باسطين أيديهم وكاشفين عن عجزهم وشقائهم. هل تستعد لدخول هيكل الحياة العظيم وحدك، مجتازاً وحدك من باب الشباب المبكر الجميل، أم تسعف العرج الفقراء عندما تمر عليهم، فتقيمهم وتدخلهم معك، وبهذا يتضاعف فرحك بفرحهم، وتزداد تسابيحك جمالاً لأنك تسمعهم يسبحون الله ويقولون وهم يمسكون بيدك بشدة: «عَظِّمُوا الرَّبَّ مَعِي، وَلْنُعَلِّ اسْمَهُ مَعًا» (مزمور 3:34).

ماذا تملكن أيتها الشابات لتباركن العالم به وتغنينه؟ احرصن على أن تطلبن وتنلن من المسيح المقام من بين الأموات ما تعجز عن منحه كل الثقافات في هذا العصر الحديث، أي الطهارة المحتشمة والمحبة الصابرة والرجاء الذي لا يُقهر. إن جمال الفن أو جمال الثياب أو جمال الوجه يعجز عن شفاء جروح البشر الدامية. أما المسيح فإنه يعطيكن ما لا يكلفكن شيئاً لتتقبلنه ومع ذلك فإنه يجعل الأعرج يقفز كالإيل ولسان الأخرس يترنم (إشعياء 6:35).

ماذا تملكون أيها الشبان؟ احرصوا على أن تنالوا من المسيح جمال الطهارة ومجد الرجولة وقوة الصلاة وذلك السلطان لإخراج الشياطين - هذه التي تعتبر مميزات الحياة السامية التي يمكن أن يصل إليها الرجال. قد تحصلون على الذهب بمرور الأيام، لكن هذا لا يجعلكم أكثر قدرة على بركة البشر مما أنتم اليوم وأنتم لا تملكون شيئاً من ثروة العالم. إن كنتم فقراء فأنتم تستطيعون أن تغنوا كثيرين إن كنتم قد وجدتم اللؤلؤة الكثيرة الثمن وتعلمتم بالإيمان أن تنتفعوا بمخازن الفادي التي لا تنضب.

كان توما الأكويني يزور الفاتيكان في إحدى المناسبات فدخل على البابا وهو يشرف على عد هبة مالية كبيرة. فقال له البابا: «أنظر، لقد تركت الكنيسة وراء ظهرها تلك الأيام التي قالت فيها ليس لي فضة ولا ذهب». فأجاب توما الاكويني: «هذا صحيح أيها الأب القديس، لكن هل تستطيع أن تقول للأعرج قم وامش؟».

أيها الشبان الأحباء، احرصوا على أن لا تسلبكم الثروة تلك القوة الإلهية التي بها تستطيعون أن تسدوا أعواز النفوس التي تعجز الثروة عن أن تمسها.